القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

22. الروح الرياضية الإيجابية - تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم






22. الروح الرياضية

 الإيجابية


لا أعتقد أنني يمكن أن أنجز كتاباً أو أحضر لقاء أو أقضي إجازة مع أصدقاء دون الحديث عن الرياضة والخوض فيها. ولعل هذا الكتاب فرصة للحديث بشكل عام عن نظرتنا للرياضة، وهل يمكن تطبيق الإيجابية في مجال الرياضة؟



الإيجابية، كما عرفناها في بداية هذا الكتاب، هي نظرتنا للأمور حولنا، هي النظارات التي نضعها فوق أعيننا لنرى بها العالم ونرى بها الأحداث، ونفسر بها الوقائع ونتعامل من خلالها مع الظروف من حولنا. بالنسبة للرياضي ليس هناك دافع أقوى له من فكرة يؤمن بها ويرى العالم من خلالها.




قوة الفكرة التي يؤمن بها الرياضي تنسيه الكثير من آلام التدريب، وصعوبات المنافسة، وحتى إصابات الميدان. ولعلي أبدأ هذا الفصل بقصة حدثت لي خلال إحدى بطولات سباقات القدرة العالمية التي شاركت فيها في إيطاليا. وسباقات القدرة تكون في العادة لمسافات طويلة تصل إلى 160 كيلومتراً، كانت طبيعة مسار السباق صعبة، بين صمود تلال وجبال وهبوط وديان واختراق غابات، وكنت أخفف سرعة الخيل صعوداً وأسرع بها مندفعاً في المنحدرات كسباً للوقت، وقرب نهاية السباق كانت هناك أشجار كثيفة فيها أشواك لم أنتبه لها فدخلت فيها بقوة وخرجت وقد جرحت وجهي وإحدى عيني وغطى الدم جهة كاملة من وجهي، وكان يسيل بغزارة.



رآني أحد المرافقين الذين يزودوننا بالماء وفوجئ بالدم على وجهي فأخذ يصيح وينبهني لأنزَل وأعالج عيني والجرح الذي في وجهي، وكانت عيني قد غطتها الدماء فأغمضتها وبقيت أرى بعين واحدة.



أذكر هذا الموقف لأنني ترددت لحظة في إكمال السباق، وفكرت للحظة في الانسحاب. كانت لحظة تردد واحدة وكان من الممكن أن تكلفني الكثير، ولا أقوى أو أسوأ للرياضي من فكرة يتردد فيها، لامتني نفسي على هذا التردد بشدة وغضبت من نفسي ومن الرجل الذي يريدني أن أقف، وصحت عليه من شدة الغضب، فتعجب من أمري، وهو لا يفهم لماذا أنا غاضب، كنت غاضباً من نفسي كيف ترددت لحظة؟ أنا لا أقبل على نفسي ذلك، وواصلت السباق حتى حققنا الفوز وحصلت على المركز الأول، كنت أرى الدم ولكني لم أكن أشعر بالألم لأن طاقتك الداخلية وحماستك واندفاعتك، تنسيك هذه الآلام المؤقتة لأن هدفك الأكبر هو المهم، وهذه الآلام ستنتهي ويبقى الفوز، وكانت هذه هي الفكرة التي كانت دافعاً لي للفوز.


تذكرت هذا الموقف وأنا أكتب هذا الفصل لأن الفاصل بيني وبين الفوز كان مجرد فكرة. لا تستهين بأفكارك، لأن طاقتك وعزيمتك ونجاحك وحتى صحتك ترتبط بشكل مباشر بأفكارك الإيجابية.



كيف ينظر الرياضي لنفسه ولخصمه وللفريق وللفوزا كلها أشياء تشكل فارقاً بين رياضي ناجح ومستمتع برياضته وآخر يمكن أن ينهار مع أول خسارة له. الرياضي الناجح وإن شئنا أن نسميه الرياضي الإيجابي يؤمن بأن الرياضة أسلوب حياة تأثيرها الداخلي في نفوسنا أهم من تأثيرها الخارجي بكثير.


                الرياضة تعلمنا الإصرار، والعمل الجماعي، واحترام القوانين والعدالة مع خصومنا والتواضع وحتى الحب هو جزء أساسي من حياة الرياضي، إن حب الرياضة والاستمتاع بها والشغف بممارستها أكبر حتى من إحساس الفوز أو النصر المؤقت.


الرياضي الإيجابي أيضاً ينظر لفريقه بأنه الأهم ولنفسه بأنه جزء من الكل وواحد من المجموعة، وقوة كل فرد في فريقه من قوته ونجاحهم يتقدم على نجاحه. يقولون إن المهارة قد تعطيك نصراً في لعبة ولكن العمل الجماعي يعطيك بطولات. الثقة المتبادلة بين أعضاء الفريق والعمل بروح واحدة ولهدف واحد يمثلان إحدى النتائج التي نكتسبها من ممارستنا للرياضة.


الرياضي الإيجابي تكون نظرته لخصمه مختلفة، أنت تحتاج لخصمك كما يحتاج هو لك لأنه من دون خصم ليست هناك لعبة، ومن دون خصم قوي ليست هناك لذة في الفوز، لا بد أن تنظر لخصمك على أنه يحق له أيضاً أن يفوز لأنه يحمل طموحاتك وآمالك وتطلعاتك نفسها، خسارتك ليست نهاية العالم، بل بداية للتفكير بطريقة جديدة واعتماد تكتيكات جديدة لتحقيق النصر في المرة القادمة.


الرياضة في النهاية أسلوب حياة يمكن أن تحقق الكثير من الخير للمجتمع إذا نظرنا لها بطريقة إيجابية. ممارسة الرياضة اليومية للجميع لا بد أن تصبح إحدى عاداتنا الراسخة، الرياضة اليومية أو التمرين اليومي يريح النفس من التوتر ويريح الجسد من الأمراض ويعطيك قدرة على الاستمتاع بحياتك، ويعطيك أيضاً إقبالاً على العمل والإنجاز، لا أحب أن أرى شخصاً ليست له هواية أو رياضة أو شغف في الحياة، البطالة ليست فقط في الوظيفة، البطالة تبدأ من الفكر.


كما للجسد رياضة، فإن للنفس أيضاً رياضة، ورياضتها التأمل والتفكر، والدماغ له رياضة ورياضته القراءة والمطالعة، والروح لها رياضة ورياضتها العبادة والطاعة. الحياة كلها رياضة جميلة ممتعة، تجعلنا أسعد وأفضل وأجمل، استمتع بحياتك، استمتع برياضتك.

(قوة الفكرة التي يؤمن بها الرياضي تنسيه الكثير من آلام التدريب، وصعوبات المنافسة وحتى إصابات الميدان).

(الرياضة تعلمنا الإصرار والعمل الجماعي، واحترام القوانين والعدالة مع خصومنا).

(لا تستهن بأفكارك، لأن طاقتك وعزيمتك ونجاحك وحتى صحتك ترتبط بشكل مباشر بأفكارك الإيجابية).

(الرياضي الإيجابي يؤمن بأن الرياضة أسلوب حياة تأثيرها الداخلي في نفوسنا أهم من تأثيرها الخارجي بكثير).

(لا أحب أن أرى أحداً ليست له هواية أو رياضة أو شغف في الحياة، البطالة ليست فقط في الوظيفة، البطالة تبدأ من الفكر). 

تعليقات