تأملات في السعادة والإيجابية
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
23. هل يمكن أن تكون
السياسة إيجابية؟
في لقاء جمعني بمجموعة من المفكرين والإعلاميين في إحدى ليالي رمضان المبارك. كنت في حوار مع أحدهم فقال لي أكثر ما يعجبني فيك أنك رجل اقتصاد أكثر منك رجل سياسة، وقائد ميداني أكثر منك صاحب أفكار فلسفية، ابتسمت وقلت له: هذا يعتمد على تعريفك للسياسة والفلسفة.
لا يمكنك أن تنجح في إدارة اقتصاد دولة دون أن تكون سياسياً بارعاً، ولا يمكن أن تكون ناجحاً في الميدان دون فكر ورؤية وفلسفة تقود عملك الميداني وتسبقه أيضاً.
ينظر الكثير من الناس للسياسة على أنها شيء سلبي تسوده الألاعيب، وتتحكم فيه المصالح، وتغيب عنه الأخلاق. ولكن يمكنني أن أقول، وبعد سنوات طويلة قضيتها كرجل دولة وتعاملت خلالها مع الآلاف من السياسيين من أنحاء العالم كافة، إنه يمكن إنجاز الكثير من الخير للشعوب إن كانت نظرتنا للسياسة نظرة إيجابية. أفكارنا حول السياسة هي ما يحكم تصرفاتنا وقراراتنا حولها. لا بد أن تتغير نظرتنا للسياسة، لأن مصير الأمم والشعوب بأيدي السياسيين.
عندما نركز على نقاط الاتفاق وليس الاختلاف تكون السياسة إيجابية، عندما نركز على ما يجمعنا وليس ما يفرقنا تكون السياسة إيجابية، عندما نركز على الأفكار والمصالح وليس على الأشخاص والطوائف والأعراق والأديان تكون السياسة إيجابية. عندما تكون مصلحة الناس متقدمة على مصلحة الأحزاب والتيارات تكون السياسة إيجابية. كل شيء يعتمد على نظرتنا وأفكارنا حول السياسة.
يزعجني كثيراً التركيز على الأخطاء وما يفرق بين الأمم والشعوب في الكثير من وسائل الإعلام، أعرف أن الأخطاء هي التي تجعل الصحف تبيع أكثر، وهي أيضاً مصدر الرزق لكثير من المحللين السياسيين، وهي أيضاً الأداة الرئيسية لكثير من السياسيين، ولكن السياسة الإيجابية الحقيقية هي في التركيز على الإيجابيات وتعظيمها والاستفادة منها والبناء عليها لما فيه منفعة شعوبنا.
ولننظر لمثال آخر، قادة مثل زايد وراشد وكيف كانت سياستهما الإيجابية مصدراً للخير لشعبهما، وأيضاً لكثير من الشعوب حولهما. يتبنى الكثير من الساسة مبدأ فرق تسد، وتبنى زايد وراشد مبدأ وحد تقد. كان مبدأهما الوحدة دائماً محلياً وخليجياً وعربياً فأصبح زايد حكيماً للعربي وبنى راشد مدينة تقوم على المبدأ نفسه هي اليوم فخر لكل العرب. فأي المبدأين أثمر خيراً؟ وأي المبدأين بقي في سجلات التاريخ؟
ذهب زايد وراشد وبقيت أفكارهما الإيجابية في السياسة، وبقيت ذكراهما الطيبة على كل لسان. وبقيت إنجازاتهما شاهدة عليهما، وبقيت مدرستهما الفكرية في السياسة الإيجابية الحقيقية مصنعاً للقادة الذين يريدون الخير لشعوبهم، إذا نسيت فلا أنسى أبداً مقولة زايد رحمه الله، "نحن لسنا مخلدين، والمال ليس دائماً. الذي سيبقى هو الوطن فقط، وما فعلناه من أجل هذا الوطن".
السياسة الإيجابية هي مصالح ومنافع وفق أخلاق ومبادئ. أنت تحتاج لأن تكون سياسياً ليس فقط في علاقتك مع الدول الأخرى، أنت تحتاج لأن تكون سياسياً مع شعبك، مع فريق عملك، مع أسرتك، وحتى مع أبنائك الصغار. هناك لغة الحوار والتفاهم وأرضية العيش المشترك، والمصالح المتبادلة أيضاً.
جانب آخر مهم أيضاً في السياسة، هو موضوع التواصل. يقولون إن السياسة في فن الممكن، وأقول إن السياسة هي أيضاً فن التواصل. إذا فهمت الشعوب بعضها، وفهمت ثقافاتها وفهمت احتياجات بعضها، استطاعت أن تتبادل المصالح والمنافع في جو من الثقة، وفي بيئة يسودها الاستقرار.
لا أريد أن أُتهم بأني غير واقعي، أنا أعرف أنه لن تكون هناك نهاية للمنافسة بين الأمم والشعوب لأن سنة الحياة هي التدافع بين البشر، ولا يمكن أن يتفق جميع الناس أيضاً، لأن سنة الحياة الاختلاف بين البشر. هكذا خلقهم الله، ولكن يمكن الاتفاق على لغة حوار، ويمكن الاتفاق على مصالح، وحتماً يمكن الاتفاق على طريقة العيش المشترك، لأن الله لم يخلقنا وحوشاً، بل خلقنا بشراً.
(يتبنى الكثير من الساسة مبدأ فرق تسد، وتبنى زايد وراشد مبدأ وحد تقد. فأصبح زايد حكيماً للعرب، وبنى راشد مدينة هي اليوم فخر لكل العرب).
(السياسة الإيجابية هي مصالح ومنافع وفق أخلاق ومبادئ).
(لا بد أن تتغير نظرتنا للسياسة، لأن مصير الأمم والشعوب بأيدي السياسيين).
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.