نونية ابن القيم فصل: في زهد أهل العلم والإيمان وإيثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني
لكن ذا الإيمان يعلم أن هـ ... ـذا كالظلال وكل هذا فان
كخيال طيف ما استتم زيارة ... إلا وصبح رحيله بأذان
وسحابة طلعت بيوم صائف ... فالظل منسوخ بقرب زمان
وكزهرة وافى الربيع بحسنها ... أو لامعا فكلاهما أخوان
أو كالسراب يلوح للظمآن في ... وسط الهجير بمستوى القيعان
أو كالأماني طاب منها ذكرها ... بالقول واستحضارها بجنان
وهي الغرور رؤوس أموال المفا ... ليس الألى اتجروا بلا أثمان
أو كالطعام يلذ عند مساغه ... لكن عقباه كما تجدان
هذا هو المثل الذي ضرب الرسو ... ل لها وذا في غاية التبيان
وإذا أردت ترى حقيقتها فخذ ... منه مثالا واحدا ذا شان
أدخل بجهدك أصبعا في اليم وانـ ... ـظر ما تعلقه أذا بعيان
هذا هو الدنيا كذا قال الرسو ... ل ممثلا والحق ذو تبيان
وكذاك مثلها بظل الدوح في ... وقت الحرور لقائل الركبان
هذا ولو عدلت جناح بعوضة ... عند الإله الحق في الميزان
لم يسق منها كافرا من شربة ... ماء وكان الحق بالحرمان
تالله ما عقل امرئ قد باع ما ... يبقى بما هو مضمحل فان
هذا ويفتي ثم يقضي حاكما ... بالحجر من سفه لذا الإنسان
إذ باع شيئا قدره فوق الذي ... يعتاضه من هذه الأثمان
فمن السفيه حقيقة إن كنت ذا ... عقل وأن العقل للسكران
والله لو أن القلوب شهدن منـ ... ـا كان شأن غير هذا الشان
نفس من الأنفاس هذا العيش إن ... قسناه بالعيش الطويل الثاني
يا خسة الشركاء مع عدم الوفا ... ء وطول جفوتها من الهجران
هل فيك معتبر فيسلو عاشق ... بمصارع العشاق كل زمان
لكن على تلك لعيون غشاوة ... وعلى القلوب أكنة النسيان
وأخو البصائر حاضر متيقظ ... متفرد عن زمرة العميان
يسمو إلى ذاك الرفيق الأرفع الأ ... على وخلى اللعب للصبيان
والناس كلهم فصبيان وإن ... بلغوا سوى الأفراد والوحدان
وإذا ما رأى ما يشتهيه قال مو ... عدك الجنان وجد في الأثمان
وإذا أبت إلا الجماح أعاضها ... بالعلم بعد حقائق الإيمان
ويرى من الخسران بيع الدائم الـ ... ـباقي به يا ذلة الخسران
ويرى مصارع أهلها من حوله ... وقلوبهم كمراجل النيران
حسراتها هن الوقود فإن خبت ... زادت سعيرا بالوقود الثاني
جاؤوا فرادى مثل ما خلقوا بلا ... مال ولا أهل ولا إخوان
ما معهم شيء سوى الأعمال فهـ ... ـي متاجر للنار أو لجنان
تسعى بهم أعمالهم سوقا إلى الد ... ارين سوق الخيل بالركبان
صبروا قليلا فاستراحوا دائما ... يا عزة التوفيق للإنسان
حمدوا التقى عند الممات كذا السرى ... عند الصباح فحبذا الحمدان
وحدت بهم عزماتهم نحو العلى ... وسروا فما نزلوا إلى نعمان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخسيـ ... ـس بدائم من خالص العقيان
رفعت لهم في السير أعلام السعا ... دة والهدى يا ذلة الحيران
فتسابق الأقوام وابتدروا لها ... كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلف ... مع شكله يا خيبة الكسلان
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.