تأملات في السعادة والإيجابية
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
11. كن إيجابياً وابتسم
التقيت أحد الأصدقاء قبل فترة فقال لي: عندي شكوى واقتراح، أما الشكوى فكانت أنه دخل إحدى الوزارات لإنجاز معاملة ولم يجد الموظفين يبتسمون للمتعاملين. وقال: لعل انشغالهم أنساهم. أما الاقتراح فقد كان بإلزام الموظفين بالابتسامة للمتعاملين. ابتسمت لاقتراحه وشكرته وقلت له: قد سبقناك يا صديقي حيث اعتمدنا بحمد الله، قبل فترة نظاماً لتصنيف مراكز الخدمة الحكومية بتصنيف النجوم المطبق في الفنادق وعند كل مركز سنضع لوحة عليها تصصنيف من نجمتين وحتى سبع نجوم تبين جودة الخدمات في هذا المركز، وقبل وضع اللوحة سيتم تقييم جميع المراكز وفق مجموعة من المعايير المطبقة في القطاع الخاص وخاصة قطاع الضيافة، وأحد المعايير الأساسية هو ابتسامة الموظفين.
بدأنا المشروع وكانت النتائج إيجابية، وأصبحت جميع المراكز تتنافس في ما بينها لرفع تصنيفها والحصول على لوحة الخمس نجوم عبر تقديم خدمات أفضل وأسرع وأسهل لمتعامليها.
ثم رفعنا السقف مرة أخرى عندما أعلنا ضمن البرنامج الوطني للسعادة عن تحويل مراكز الخدمة الحكومية إلى مراكز سعادة المتعاملين، يتم فيها تطبيق المبادئ والممارسات المبنية على أسس علمية لتحقيق سعادة المتعاملين وضمان أجواء إيجابية في جميع مراكز الخدمة الحكومية، ولكني شخصياً لدي قناعة راسخة بأن الابتسامةلا بد أن تنبع من الداخل ولا تفرض من الخارج، الابتسامة لا بد أن تكون صادقة حتى يكون لها تأثير.
الابتسامة لا بد أن تكون عن قناعة وليس عن طريق لوائح تنفيذية.
هنالك حدود لما يمكن أن تفرضه الحكومة أو تفرضه أي شركة على موظفيها، وهنا يأتي دور الإيجابية وتأثيرها في الإنتاجية.
الإيجابية كما عرفتها في بداية هذا الكتاب، هي نظرتنا للأمور التي تحدث في حياتنا، نظرتنا للناس من حولنا، وإذا تغيرت هذه النظرة تغير سلوكنا. الحل هو أن تتغير نظرة الموظفين للمتعاملين، وأن تتغير نظرة الموظفين لموضوع الابتسامة، وتأثيرها عليهم وعلى من حولهم، وتأثيرها في إنتاجيتهم وسعادتهم ونجاحهم، بعد ذلك ستكون الابتسامة تلقائية وصادقة، ولا أقول ذلك فقط للموظفين بل للجميع، سواء كان متعاملاً أو موظفاً أو رب أسرة أو صاحب عمل خاص أو غيره، لا بد أن نغير نظرتنا للابتسامة.
أولاً وقبل كل شيء، جاءنا نبينا عليه الصلاة والسلام قبل 1400 عام ونيف ليقول لنا: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". أجمل ما يمكن أن تهديه لأي إنسان هو ابتسامة حقيقية، أجمل ما يمكن أن تخفض به من تعب الناس وتوترهم هو ابتسامة حقيقية، أجمل ما يمكن أن تحصد به الأجر والثواب من رب العباد هو ابتسامة حقيقية. عندما يتبنى الموظف أو غيره هذه النظرة الإيجابية للابتسامة فسيتغير للأفضل. من منا لا يريد الأجر؟ إذا ابتسم الموظف لِ 100 أو 200 متعامل في اليوم، كم من الأجر والثواب سيحصل عليه؟
الأمر الآخر المهم في موضوع الابتسامة أن تأثيرها الإيجابي على الموظف نفسه، أكثر من تأثيرها على غيره. الابتسامة هي أحد مفاتيح السعادة، ابدأ صباحك بابتسامة، وانظر كيف يكون يومك، ابتسم دائماً وسترى كم سيكون وجهلك أجمل. الابتسامة دائماً تجعل الوجه أجمل، تجعله مشرقاً، تجعله جذاباً ومحبوباً. سر السعادة والجمال يكمن في الابتسامة الصادقة، ابتسم حتى يكون يومك أفضل من أمسك، ابتسم حتى تكون حياتك أسعد من غيرك.
كثير من الناس يظنون أن السعادة الداخلية تؤدي للابتسامة، ولكني أقول إن الابتسامة أيضاً تولد السعادة الداخلية، عندما تتغير نظرة موظفينا للابتسامة وتكون نظرة إيجابية سيبتسمون بشكل تلقائي وحقيقي، مثلما يظن بعض الناس أيضاً خطأً أن النجاح يؤدي للسعادة، ولكن الحقيقة هي أن الإيجابية تؤدي للسعادة والسعادة تولد النجاح.
الابتسامة هي لغة عالمية يفهمها كل البشر ويتفاعل معها الجميع، يتفاعل معها الطفل الصغير والشيخ الكبير والعامل الكادح والمرأة والرجل والشاب والفتاة، ابتسم لأي شخص وسترى أنه يبتسم تلقائياً.
من الصعب جداً على أي إنسان أن يقاوم الابتسامة. يمكن للإنسان أن يقاوم خروج دمعة من عينيه في موقف حزين، ولكن لا يمكن أن يقاوم ابتسامة صادقة أمامه دون أن يبتسم لها، هكذا خلقنا الله خلقنا لنكون سعداء فتبارك الله أحسن الخالقين.
أقلب أحياناً في صور مؤسسي دولتنا الشيخ زايد والشيخ راشد، رحمهما الله، فأجدهما مبتسمين تبدو دائماً عليهما علامات الإيجابية والثقة والراحة النفسية الكبيرة، حضرت معهما الكثير من اللقاءات مع زعماء آخرين ومع مواطنين عاديين ومع متخصصين في مختلف المجالات، ولم تكن البسمة تفارق وجهيهما. الابتسامة لدينا في الإمارات جزء من تكويننا وهويتنا وطريقتنا في التعامل مع الناس، وجزء من الصورة الذهنية التي نريدها أن تنطبع عند كل زائر لنا أو متعامل معنا..
الشيء الآخر الذي أريد قوله أيضاً إن تغيير نظرتنا للمتعاملين مع الوزارات والدوائر مهم جداً في تغيير سلوك موظفينا معهم، كيف ينظر الموظف للمتعامل؟ هل ينظر إليه على أنه عقبة عليه وعمل إضافي لا بد أن يقوم بها أم ينظر للمتعامل على أنه السبب في وظيفته. والسبب في دخله وراتبه ومعيشته ومعيشة أبنائه؟ من دون متعاملين لن تكون هناك وظائف ورواتب وميزانيات ومكافآت، وبالتالي فالموظف أيضاً يحتاج إلى المتعامل كحاجة المتعامل له أو أكثر، ثم أقول لكل موظف أيضاً، انظر للصورة الكبيرة انظر لوطنك الذي تخدمه.
عندما تبتسم فأنت تخدم وطنك وتحافظ على سمعته، وتعلي مكانته. هل تعرفون أن ابتسامة موظف المطار مثلاً للزائر القريب هي أكثر شيء يؤثر في تجربته وانطباعه حول الدولة؟ بشكل عام الانطباع الأول هو أهم انطباع ويصعب إصلاحه فيما بعد إن لم يكن جيداً من المرة الأولى.
وأختم بقصة بسيطة. أحد زوار الدولة وهو سائح سويدي له شركات في لندن تعرض لموقف عندنا في دبي، ارتكب مخالفة مرورية بسيطة، وعندما أوقفه شرطي المرور، كان أول ما فعله أنه ابتسم له، ثم شرح له مخالفته بكل هدوء وأعطاه هدية بسيطة، وأخبره أن الشرطة حالياً تنفذ حملة توعية حول هذا النوع من المخالفات وتركه ينصرف، بسبب هذا الموقف قرر هذا الشخص أن ينقل جميع شركاته واستثماراته من لندن لدبي، لأنه عرف أن خلف هذه الابتسامة وخلف هذا الموقف شعباً متحضراً، وثقافة مؤسسية راقية، ونية صادقة لتطوير الحركة المرورية وليس لعقاب الناس.
لا تستهن بابتسامتك مهما كنت وأينما كنت لأن لها أثراً عظيماً في نفوس الآخرين، وفي نفسك، وفي بلدك ومجتمعك.
(الابتسامة لدينا في الإمارات جزء من تكويننا وهويتنا وطريقتنا في التعامل مع الناس).
(يمكن للإنسان أن يقاوم خروج دمعة من عينيه، ولكن لا يمكن أن يقاوم ابتسامة صادقة أمامه دون أن يبتسم لها).
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.