القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

10. القدوة الإيجابية - تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم






10. القدوة الإيجابية


هناك تشابه لغوي بين كلمتي القائد والقدوة، وفي رأيي المتواضيع الكلمتان بينهما تشابه وظيفي أيضاً.


علاقة الكلمتين هي علاقة مقدمة ونتيجة، لا يوجد قائد حقيقي من دون أن يمثل قدوة حقيقية لمن حوله، قدوة في أفعاله وأقواله وأفكاره، بل أستطيع القول إن ما يبقى من القائد القدوة هي الأقوال والأفعال والأفكار، وهو ما يحتاج إليه الناس في الحقيقة ليعيشوا حياة أفضل عبر الدروس والرسائل الصامتة التي يبعثها القائد لمن حوله بتصرفاته وأفعاله، والسؤال هنا: ما علاقة الإيجابية بهذا الموضوع؟ الإجابة بسيطة. لا يمكن أن يتأثر الناس بقائد سلبي. التأثير الحقيقي في حياة الناس يكون عبر القادة الإيجابيين. الإيجابية هي الشعلة التي تعطي لحياتك الأفكار وتجعل من حولك يستمعون لك ويستمتعون بالعمل معك، ويؤمنون برؤيتك، ويعملون وفق طريقتك، ويثقون بقراراتك. إذا آمنت بنفسك آمن الناس بك، وإذا تفاءلت بعملك، تفاءل الناس من حولك وحققوا أهدافك. وإذا أردت أن تغير العالم من حولك، فابدأ بتغيير أفكارك وقناعاتك، وكن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم كما يقول غاندي.



مرت علينا في دولة الإمارات تحديات كثيرة وأوقات صعبة وخاصة في بدايات تأسيس الدولة، وكنا ننظر لقادتنا في تلك الأوقات الصعبة فنراهم ثابتين، مستمرين في عملهم، مقتنعين بفكرتهم، غير مترددين في قراراتهم، فانعكس ذلك على جميع من حولهم إيماناً أكبر بفكرة الاتحاد، وقناعة راسخة استمرت ليومنا هذا، حتى جاءت أجيال جديدة مستعدة للتضحية بروحها ودمها فداء لفكرة الاتحاد ولكل ذرة من تراب الاتحاد.


مرت علينا في السنوات الأخيرة أزمة مالية وصعوبات اقتصادية، فكان الناس ينظرون إلينا وينتظرون منا الحديث أو الكلام فأرسلنا لهم رسائل بأفعالنا قبل أقوالنا، وبمبادراتنا قبل خطاباتنا وتوسعاتنا في مشاريعنا قبل تصريحاتنا، فاطمأن الناس ووثق العالم بنا لأنهم رأوا قناعة داخلية قوية وإيجابية عندنا بأننا لا نتراجع أو نستسلم، بل نبتكر دائماً حلولاً جديدة وأفكاراً جديدة.


رأى الناس من حولنا أن التنمية بالنسبة إلينا ليست مشاريع متفرقة هنا وهناك، بل هي أسلوب حياة عندنا، وخيار أوحد لا ثاني له، ومسيرة مستمرة منذ أكثر من 45 عاماً ولن تتوقف.


                القدوة الإيجابية أساسية لنجاح أي قائد، وهي أسرع وأقوى طريقة للتعلم، فالناس لا ينظرون لكلماتك بقدر ما ينظرون لأفعالك وتصرفاتك، أذكر في نهاية سبعينات القرن الماضي عندما تولى الشيخ راشد، رحمه الله رئاسة الوزراء في حكومة دولة الإمارات، كانت أمامه تحديات كبيرة في تطوير بنية تحتية في جميع أنحاء الإمارات من شوارع ومستشفيات وطرق، كما كانت لديه خطط كبيرة أيضاً في إسكان المواطنين على مستوى الدولة، كان الاتحاد مرحلة تحول في حياة الناس، وليس مجرد فكرة مثالية تداعب بها خيال الناس، كان أكثر ما يهم القادة في ذلك الوقت أن يحس المواطنون بنعمة الاتحاد وينعكس ذلك على حياتهم وسكنهم وراحتهم.  عندما شرع الشيخ راشد في العمل على هذه الخطط الضخمة، بدأ يلاحظ الروتين الذي يكتنف أداء الحكومة وبدأ يلاحظ الوزارات المعنية وهي تغرق في المراسلات واللوائح والأعمال الورقية، ما أدى للتباطؤ في تنفيذ المشاريع، فماذا فعل؟  تولى الشيخ راشد بنفسه متابعة تنفيذ المشاريع، وخاصة مشاريع البنية التحتية ومشاريع الإسكان التي كانت من أهم أولوياته، بل كانت خبزه اليومي.
كنت تراه في السابعة صباحاً في إمارة الفجيرة وبعدها بيومين تراه أيضاً في السابعة صباحاً مع مقاولين يشقون طريقاً جيلياً في رأس الخيمة، ثم في اجتماعات ميدانية مع مسؤولين في الحكومات المحلية، وكانت مكالماته وتواصله المباشر مع جميع حكام الإمارات تسهل أي عقبة في أي مشروع وتلغي أي تأخير محتمل.
كان هو وزير الأشغال الحقيقي، حتى أبدى وزير الأشغال في ذلك الوقت انزعاجه بلطف وهدوء عبر أحد الوسطاء للشيخ راشد الذي لم يرد عليه أول مرة، ثم تتالت الرسائل والشيخ راشد مستمر في عمله، حتى أرسل الوزير مرة أخيرة للشيخ راشد يطلب منه أن يعفيه من منصبه خشية أن يكون الشيخ راشد غير أدائه. لكن الشيخ راشد، رحمه الله، تركه فترة ثم استدعاه، قال له، "لم أر منك تقصيراً ولكن أحببت أن أريك طريقتي في إدارة المشاريع".


والآن وقد عرفت ماذا أريد وكيف أريدة يمكنك أن تبدأ العمل على بركة الله. وهكذا ترسخت طريقة الشيخ راشد في إدارة المشاريع، وانعكس ذلك إنجازاً سريعاً وأحس المواطنون بقوة الاتحاد ومساهمته في تغيير حياتهم للأفضل.


أن تكون قدوة إيجابية هو أن تؤمن بفكرتك وتتفاءل بنجاحها بحيث لا تتردد في تطبيقها، وتكون أنت أول من ينفذها قبل أن تطلب من الآخرين تطبيقها.



اشتكى لي مرة أحد المواطنين، وهو ميسور الحال بفضل الله، من فواتير الكهرباء والمياه مطالباً مني إعفاءه من بعضها. فقلت له أنا أدفع فواتيري كلها ولا أستثني نفسي، وأدفع أيضاً مخالفات سياراتي، وأنا من أولى الذين وضعوا بطاقة سالك على سيارتي لدفع رسوم التعرفة المرورية، فلم يجد رداً على ذلك ليس خوفاً بل قناعة عندما رأى تصرفاتي وأفعالي وليس كلامي.



في الحكومة أردنا أن نشجع المسؤولين على الاستماع لآراء الموظفين وأفكارهم ومناقشتها معهم وفتح المجال للمتعاملين أيضاً ليكونوا جزءاً من التطوير عبر أفكارهم ومقترحاتهم فلم نرسل تعميماً أو توجيهاً بهذا الخصوص، بل أطلقنا مبادرة لعمل أكبر عصف ذهني، وكان حول موضوعي الصحة والتعليم. وشارك فيه عشرات الآلاف، وحقق نجاحاً كبيراً بحمد الله.  ووصلت الرسالة، وبدأت الوزرات والهيئات جميعها تطبيق فكرة العصف الذهني بعدما رأت نجاحها وفاعليتها عندما طبقناها نحن أولاً.


إذا كنت مؤمناً بما تفعله فافعله ولا تنتظر أن يقلدك الناس دائماً. أحياناً أتفاجأ شخصياً من دقة الناس في ملاحظة تصرفاتي وأفعالي، مع أني لا أضع في نيتي إرسال أي رسالة معينة، ولكن قوة القدوة هي من قوة القائد.
هناك الكثير من الرسائل التي يمكن أن نرسلها للناس من غير أن نتكلم وينطبق ذلك أيضاً على موظفينا. (اصنع الإنجاز والنجاح وسيتبعونك، لأن أعينهم على القائد.

(أن تكون قدوة إيجابية هو أن تؤمن بفكرتك، وأن تكون أنت أول من ينفذها قبل أن تطلب من الآخرين تطبيقها).

(القدوة الإيجابية أسرع وأقوى طريقة للتعلم، فالناس لا ينظرون لكلماتك بقدر ما ينظرون لأفعالك).

(إذا آمنت بنفسك آمن الناس بك، وإذا تفاءلت بعملك، تفاءل الناس من حولك وحققوا أهدافك).

تعليقات