مدخل لدراسة الأديان والفرق
والجماعات والمذاهب المعاصرةالجزء الرابع القسم الأول
الديانات الوثنية
الصابئة والمجوس
وديانات الهند ومعتقداتهم
جمع وإعداد
أبو سلمان
عبد الله بن محمد الغليفى
غليفة - مكة المكرمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا الصابئة
التعريف
الصابئة المندائية هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيًّا لها، يقدِّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية، من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
ولقد حقَّق شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الرد على المنطقيين) ط6 (ص454 وما بعدها) حقيقة الصابئة كما وردت في القرآن الكريم، فقال ما حاصله:
إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون.
أما الصابئة الحنفاء فهم بمنزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والإنجيل قبل النسخ والتحريف والتبديل من اليهود والنصارى. وهؤلاء حمدهم الله وأثنى عليهم. والثابت أن الصابئين قوم ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي، وهم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين، ولكنهم عرفوا الله وحده، ولم يحدثوا كفراً، وهم متمسكون (بالإسلام المشترك) وهو عبادة الله وحده، وإيجاب الصدق والعدل، وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على إيجابه وتحريمه، وهم يقولون (لا إله إلا الله). فقط، وليس لهم كتاب ولا نبي. والصحيح أنهم كانوا موجودين قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأرض اليمن.
وأما الصابئة المشركون فهم قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية.
وعلى ذلك فمن دان من الصابئة بدين أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، ومن لم يدن بدين أهل الكتاب فهو مشرك، ومثالهم من يعبد الكواكب. كمن كانوا بأرض حران عندما أدركهم الإسلام، وهؤلاء لا يحلُّ أكل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وإن أظهروا الإيمان بالنبيين، وقد أفتى أبو سعيد الاصطخري بأن لا تقبل الجزية منهم، ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
- يدَّعي الصابئة المندائيون بأن دينهم يرجع إلى عهد آدم عليه السلام.
- ينتسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، فهم ساميون.
- يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم.
- كانوا يقيمون في القدس، وبعد الميلاد طردوا من فلسطين، فهاجروا إلى مدينة حران، فتأثروا هناك بمن حولهم، وتأثروا بعبدة الكواكب والنجوم من الصابئة الحرانيين.
- ومن حران هاجروا إلى موطنهم الحالي في جنوبي العراق وإيران وما يزالون فيه، حيث يعرفون بصابئة البطائح.
- منهم الكنزبرا الشيخ عبد الله بن الشيخ سام الذي كان مقيماً في بغداد سنة (1969) م وهو الرئيس الروحي لهم، وقد كان في عام (1954) م, يسكن في دار واقعة بجوار السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد.
أولا كتبهم:
- لديهم عدد من الكتب المقدسة مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية وهي:
1 - الكنزاربّا: أي: الكتاب العظيم، ويعتقدون بأنه صحف آدم عليه السلام، فيها موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة (1815) م، وطبع في لايبزيغ سنة (1867) م.
2 - دراشة إديهيا: أي: تعاليم يحيى، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام.
3 - الفلستا: أي: كتاب عقد الزواج، ويتعلَّق بالاحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة.
4 - سدرة إدنشاماثا: يدور حول التعميد والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض، ومن ثمَّ إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية.
5 - كتاب الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم.
6 - كتاب إسفر ملواشه: أي: سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم.
7 - كتاب النباتي: أي: الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي.
8 - كتاب قماها ذهيقل زيوا: ويتألَّف من (200) سطر، وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار.
9 - تفسير بغره: يختصُّ في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.
10 - كتاب ترسسر ألف شياله: أي: كتاب الاثني عشر ألف سؤال.
11 - ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد بأنواعه على شكل ديوان.
12 - كتاب كداواكدفيانا: أي: كتاب العوذ.
طبقات رجال الدين:
يشترط في رجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة، كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتبهم على النحو التالي:
1 - الحلالي: ويسمَّى (الشماس) يسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولايتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته، ومنع من وظيفته، إلا إذا تعمَّد هو وزوجته (360) مرة في ماء النهر الجاري.
2 - الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدَّسين سدره إنشماثا والنياني أي: كتابَيْ التعميد والأذكار، فإنه يتعمَّد بالارتماس في الماء الموجود في المندي، ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقَّى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.
3 - الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق، ولا ينتقل من مرتبته هذه.
4 - الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً، يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا، وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربّا، فيصبح حينئذٍ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه؛ لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها.
5 - الريش أمه: أي: رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها، ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة؛ لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.
6 - الربّاني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيي بن زكريا عليهما السلام، كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار، وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني.
الإِله:
- يعتقدون- من حيث المبدأ- بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لاتناله الحواس، ولايفضي إليه مخلوق.
- ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله (360) شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار.
- هؤلاء الأشخاص الـ (360) ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم، فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل امرأته فوراً، وتلد واحداً منهم.
- يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها.
المندي:
- هو معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لابدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدَّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل.
الصلاة:
- تؤدَّى ثلاث مرات في اليوم: قبيل الشروق، وعند الزوال، وقبيل الغروب، وتستحبُّ أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة تقريباً.
- يتوجَّه المصلِّي خلالها إلى الجدي بلباسه الطاهر، حافي القدمين، يتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمدًّا منه العون، طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.
الصوم:
- صابئة اليوم يحرِّمون الصوم؛ لأنه من باب تحريم ما أحلَّ الله.
- وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والأخلاق الرديئة، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة (32) يوماً متفرقة على طول أيام السنة.
- ابن النديم المتوفى سنة (385) هـ في فهرسته، وابن العبري المتوفى سنة (685) هـ في تاريخ مختصر الدول ينصَّان على أن الصيام كان مفروضاً عليهم لمدة ثلاثين يوماً من كل سنة.
الطهارة:
- الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز.
- تكون الطهارة في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي.
- الجنابة تحتاج إلى طهارة، وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات، مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة؛ لأنها لا تجوز على جنب.
- عقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص، وهو متَّجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين، مصحوباً بأدعية خاصة.
- مفسدات الوضوء: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.
التعميد وأنواعه:
- يعتبر التعميد من أبرز معالم هذه الديانة، ولا يكون إلا في الماء الحي، ولا تتمُّ الطقوس إلا بالارتماس في الماء، سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاءً، وقد أجاز لهم رجال دينهم مؤخراً الاغتسال في الحمامات، وأجازوا لهم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة.
- يجب أن يتمَّ التعميد على أيدي رجال الدين.
- يكون العماد في حالات الولادة، والزواج، وعماد الجماعة، وعماد الأعياد، وهي على النحو التالي:
1 - الولادة: يعمد المولود بعد (45) يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة، حيث يُدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الاتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من الآس.
2 - عماد الزواج: يتمُّ في يوم الأحد، وبحضور ترميدة وكنزبرا، يتمُّ بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أُخذ من النهر يسمَّى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة)، ويدهن جبينهما بدهن السمسم، ويكون ذلك لكلا العروسين، لكل واحد منهما على حدة، بعد ذلك لا يُلمسان لمدة سبعة أيام، حيث يكونان نجسين، وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد، وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها.
3 - عماد الجماعة: يكون في كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة لمدة خمسة أيام، ويشمل أبناء الطائفة كافة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، وذلك بالارتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة. والمقصود منه هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في بحر السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أن التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً، وفي أيام الآحاد فقط.
4 - عماد الأعياد: وهي:
أ - العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم (36) ساعة متتالية، لا تغمض لهم عين خشية أن يتطرق الشيطان إليهم؛ لأن الاحتلام يفسد فرحتهم، وبعد الاعتكاف مباشرة يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام، تنحر فيه الخراف، ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي.
ب- العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتدُّ لثلاثة أيام من أجل التزاور، ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً.
ت - عيد البنجة: سبق الحديث عنه، وهو خمسة أيام تكبس بها السنة، ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر.
ث - عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً، وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبيًّا خاصًّا بهم، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الانحراف بسبب تقادم الزمان.
- تعميد المحتضر ودفنه:
ج - عندما يحتضر الصابيء يجب أن يؤخذ - وقبل زهوق روحه - إلى الماء الجاري ليتمَّ تعميده.
ح - من مات من دون عماد نجس ويحرم لمسه.
خ - أثناء العماد يغسلونه متجهاً إلى نجم القطب الشمالي، ثم يعيدونه إلى بيته، ويجلسونه في فراشه بحيث يواجه نجم القطب أيضاً حتى يوافيه الأجل.
د - بعد ثلاث ساعات من موته يغسَّل ويكفَّن ويدفن حيث يموت؛ إذ لا يجوز نقله مطلقاً من بلد إلى بلد آخر.
ذ- من مات غيلة أو فجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا بواجب العماد عنه.
ر - يدفن الصابيء بحيث يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه متجهة نحو الجدي، حتى إذا بعث واجه الكوكب الثابت بالذات.
ز- يضعون في فم الميت قليلاً من تراب أول حفرة تحفر لقبره فيها.
س - يحرم على أهل الميت الندب والبكاء والعويل، والموت عندهم مدعاة للسرور، ويوم المأتم من أكثر الأيام فرحاً حسب وصية يحيى لزوجته.
ش - لا يوجد لديهم خلود في الجحيم، بل عندما يموت الإنسان إما أن ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة حتى يطهر، فتنتقل روحه بعدها إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.
أفكار ومعتقدات أخرى:
- البكارة: تقوم والدة الكنزبرا أو زوجته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها لعريسها، وذلك بغية التأكد من سلامة بكارتها.
- الخطيئة: إذا وقعت الفتاة أو المرأة في جريمة الزنى فإنها لا تقتل، بل تهجر، وبإمكانها أن تكفر عن خطيئتها بالارتماس في الماء الجاري.
- الطلاق: لا يعترف دينهم بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة، فيتمُّ التفريق عن طريق الكنزبرا.
- السنة المندائية: (360) يوماً، في (12) شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يقام فيها عيد البنجة.
- يعتقدون بصحة التاريخ الهجري ويستعملونه، وذلك بسبب اختلاطهم بالمسلمين، ولأن ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان مذكوراً في الكتب المقدسة الموجودة لديهم.
- يعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه، ولا يعملون فيه أي شيء على الإطلاق.
- ينفرون من اللون الأزرق النيلي ولا يلامسونه مطلقاً.
- ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
- يتنبئون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم وبعض الحسابات الفلكية.
- لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها، ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها.
- إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً فإنه يمرُّ بالمطهر؛ ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار، ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى، حيث تتلبس روحه في جسم روحاني، فيتزوج وينجب أطفالاً.
- يؤمنون بالتناسخ، ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم.
- للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.
- يرفضون شرب الدواء، ولا يعترضون على الدهون والحقن الجلدية.
- الشباب والشابات يأتون إلى الكهان؛ ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم.
- لا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح - بعد أن يتوضأ - بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات، ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة، ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستنزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة.
- تنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر، لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإسلامي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- تأثر الصابئة بكثير من الديانات والمعتقدات التي احتكوا بها.
- أشهر فرق الصابئة قديماً أربعة هي: أصحاب الروحانيات، وأصحاب الهياكل، وأصحاب الأشخاص، والحلولية.
- لقد ورد ذكرهم في القرآن مقترناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين (انظر الآيات: (62 - البقرة) , (69 - المائدة)، (17 - الحج)، ولهم أحكام خاصة بهم من حيث جواز أخذ الجزية منهم أو عدمها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
- عرف منهم الصابئة الحرانيون الذين انقرضوا، والذين تختلف معتقداتهم بعض الشيء عن الصابئة المندائيين الحاليين.
- لم يبق من الصابئة اليوم إلا صابئة البطائح المنتشرون على ضفاف الأنهر الكبيرة في جنوب العراق وإيران.
- تأثروا باليهودية، وبالمسيحية، وبالمجوسية؛ لمجاورتهم لهم.
- تأثروا بالحرانيين الذين ساكنوهم في حران عقب طردهم من فلسطين، فنقلوا عنهم عبادة الكواكب والنجوم أو على الأقل تقديس هذه الكواكب وتعظيمها، وتأثَّروا بهم في إتقان علم الفلك وحسابات النجوم.
- تأثروا بالأفلاطونية الحديثة التي استقرت فلسفتها في سوريا، مثل الاعتقاد بالفيض الروحي على العالم المادي.
- تأثَّروا بالفلسفة الدينية التي ظهرت أيام إبراهيم الخليل - عليه السلام - فقد كان الناس حينها يعتقدون بقدرة الكواكب والنجوم على التأثير في حياة الناس.
- تأثروا بالفلسفة اليونانية التي استقلت عن الدين، ويلاحظ أثر هذه الفلسفة اليونانية في كتبهم.
- لدى الصابئة قسط وافر من الوثنية القديمة يتجلى في تعظيم الكواكب والنجوم على صورة من الصور.
الانتشار ومواقع النفوذ:
- الصابئة المندائيون الحاليون ينتشرون على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهواز وشط العرب، ويكثرون في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح والحلفاية والزكية وسوق الشيوخ والقرنة، وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهم موزعون على عدد من الألوية مثل لواء بغداد، والحلة، والديوانية والكوت وكركوك والموصل. كما يوجد أعداد مختلفة منهم في ناصرية المنتفق والشرش ونهر صالح والجبابيش والسليمانية.
- كذلك ينتشرون في إيران، وتحديداً على ضفاف نهر الكارون والدز ويسكنون في مدن إيران الساحلية، كالمحمرة، وناصرية الأهواز وششتر ودزبول.
- تهدمت معابدهم في العراق، ولم يبق لهم إلا معبدان في قلعة صالح، وقد بنوا معبداً منديًّا بجوار المصافي في بغداد، وذلك لكثرة الصابئين النازحين إلى هناك من أجل العمل.
- يعمل معظمهم في صياغة معدن الفضة لتزيين الحلي والأواني والساعات؛ وتكاد هذه الصناعة تنحصر فيهم؛ لأنهم يحرصون على حفظ أسرارهما، كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر.
- مهاراتهم في صياغة الفضة دفعتهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية، ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا.
- ليس لديهم أي طموح سياسي، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين.
ويتضح مما سبق:
إن الصابئة من أقدم الديانات التي تعتقد بأن الخالق واحد، وقد جاء ذكر الصابئين في القرآن باعتبار أنهم أتباع دين كتابي. وقد اختلف الفقهاء حول مدى جواز أخذ الجزية منهم، إن كانوا أحدثوا في دينهم ما ليس منه. وقد أصبحت هذه الطائفة كأنها طائفة وثنية تشبه صابئة حران الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وعموماً فالإسلام قد جبَّ ما قبله، ولم يعد لأي دين من الديانات السابقة مكان بعده.
مراجع للتوسع:
- الصابئة المندائيون، الليدي دراوور - مطبعة الإرشاد - بغداد - (1969) م.
- مندائي أو الصابئة الأقدمون، عبد الحميد عبادة - طبع في بغداد - (1927) م.
- الصابئة في حاضرهم وماضيهم، عبد الرزاق الحسني - طبعة لبنان - (1970) م.
- الكنزاربّا، وهو كتاب الصابئة الكبير، ومنه نسخة في خزانة المتحف العراقي.
- الفهرست، ابن النديم - طبع في القاهرة - (1348) هـ.
- المختصر في أخبار البشر، تأليف أبي الفداء - طبع في القاهرة (1325) هـ.
- الملل والنحل، للشهرستاني - طبعة لبنان - (1975) م.
- معجم البلدان، لياقوت الحموي - طبع في القاهر - (1906) م.
- مقالة لأنستاس الكرملي، مجلة المشرق - بيروت - (1901) م.
- مقالة لزويمر، مجلة المقتطف - القاهرة - (1897) م.
- مقالة لإبراهيم اليازجي، مجلة البيان - القاهرة - (1897) م.
- الموجز في تاريخ الصابئة المندائين العرب البائدة، لعبد الفتاح الزهيري، مطبعة الأركان ببغداد (1403) هـ.
- الصلاة المندائية وبعض الطقوس الدينية، لرافد الشيخ عبد الله نجم - بغداد - (1988) م.
- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، فخر الدين الرازي - القاهرة - (1356) هـ.
ثانياً الديانة المجوسية
التعريف:
هم عبدة النيران، القائلون: إن للعالم أصلين: نور وظلمة. قال قتادة: الأديان خمسة، أربعة للشيطان، وواحد للرحمن.
وقيل: المجوس في الأصل النجوس؛ لتدينهم باستعمال النجاسات
عقائدهم:
وأثبتوا أصلين، إلا أن المجوس الأصلية زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي، والظلمة محدثة، ثم لهم اختلاف في سبب حدوثها:
أمن النور حدثت، والنور لا يحدث شرا جزئيا، فكيف يحدث أصل الشر؟
أم من شيء آخر، ولا شيء يشرك النور في الإحداث والقدم، وبهذا يظهر خبط المجوس.
وهؤلاء يقولون: المبدأ الأول من الأشخاص كيومرث، وربما يقولون: زروان الكبير، والنبي الثاني زردشت. والكيومرثية يقولون: كيومرث هو آدم عليه السلام. وتفسير كيومرث هو الحي الناطق.
وقد ورد في تواريخ الهند والعجم أن كيومرث هو آدم عليه السلام، ويخالفهم سائر أصحاب التواريخ.
فرق المجوس
1- الكيومرثية:
أصحاب المقدم الأول كيومرث أثبتوا أصلين: يزدان وأهرمن.
وقالوا: يزدان أزلي قديم، وأهرمن محدث مخلوق.
وقالوا: إن سبب خلق أهرمن أن يزدان فكَّر في نفسه أنه لو كان لي منازع كيف يكون؟ وهذه الفكرة كانت رديئة غير مناسبة لطبيعة النور، فحدث الظلام من هذه الفكرة، وسمِّي أهرمن، وكان مطبوعا على الشر والفتنة والفساد والفسق والضرر والإضرار، فخرج على النور، وخالفه طبيعة وفعلا، وجرت محاربة بين عسكر النور وعسكر الظلمة.
ثم إن الملائكة توسَّطوا فصالحوا على أن يكون العالم السفلي خالصا لأهرمن سبعة آلاف سنة، ثم يخلي العالم، ويسلمه إلى النور، والذين كانوا في الدنيا قبل الصلح أبادهم وأهلكهم، ثم بدأ برجل يقال له: كيومرث. وحيوان يقال له: ثور. فقتلهما فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس، وخرج من أصل ريباس رجل يسمى ميشة، وامرأة تسمى ميشانة، وهما أبو البشر، ونبت من مسقط الثور الأنعام وسائر الحيوانات.
وزعموا أن النور خيَّر الناس- وهم أرواح بلا أجساد- بين أن يرفعهم عن مواضع أهرمن، وبين أن يلبسهم الأجساد فيحاربون أهرمن، فاختاروا لبس الأجساد ومحاربة أهرمن، على أن تكون لهم النصرة من عند النور والظفر بجنود أهرمن وحسن العاقبة وعند الظفر به وإهلاك جنوده تكون القيامة.
فذاك سبب الامتزاج وهذا سبب الخلاص.
2- الزروانية:
قالوا: إن النور أبدع أشخاصا من نور كلها روحانية نورانية ربانية، ولكن الشخص الأعظم الذي اسمه زروان شكَّ في شيء من الأشياء، فحدث أهرمن الشيطان- يعني إبليس- من ذلك الشك.
وقال بعضهم: لا، بل إن زروان الكبير قام فزمزم تسعة آلاف وتسعمائة وتسعا وتسعين سنة؛ ليكون له ابن، فلم يكن، ثم حدَّث نفسه وفكَّر وقال: لعل هذا العلم ليس بشيء. فحدث أهرمن من ذلك الهم الواحد، وحدث هرمز من ذلك العلم، فكانا جميعا في بطن واحد، وكان هرمز أقرب من باب الخروج، فاحتال أهرمن الشيطان حتى شقَّ بطن أمه، فخرج قبله وأخذ الدنيا.
وقيل: إنه لما مثل بين يدي زروان، فأبصر ورأى ما فيه من الخبث والشرارة والفساد أبغضه ولعنه وطرده، فمضى واستولى على الدنيا.
وأما هرمز فبقي زمانا لا يد له عليه، وهو الذي اتخذه قوم ربًّا وعبدوه؛ لما وجدوا فيه من الخير والطهارة والصلاح وحسن الخلق.
وزعم بعض الزروانية أنه لم يزل كان مع الله شيء رديء: إما فكرة رديئة وإما عفونة رديئة، وذلك هو مصدر الشيطان, وزعموا أن الدنيا كانت سليمة من الشرور والآفات والفتن، وكان أهلها في خير محض ونعيم خالص، فلما حدث أهرمن حدثت الشرور والآفات والفتن والمحن، وكان بمعزل عن السماء، فاحتال حتى خرق السماء وصعد.
وقال بعضهم: كان هو في السماء، والأرض خالية عنه، فاحتال حتى خرق السماء ونزل إلى الأرض بجنوده كلها، فهرب النور بملائكته، واتبعه الشيطان حتى حاصره في جنته، وحاربه ثلاثة آلاف سنة لا يصل الشيطان إلى الرب تعالى، ثم توسط الملائكة وتصالحا على أن يكون إبليس وجنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة بالثلاثة آلاف التي قاتله فيها، ثم يخرج إلى موضعه.
ورأى الربُّ - تعالى عن قولهم - الصلاح في احتمال المكروه من إبليس وجنوده، وأن لا ينقض الشرط حتى تنقضي المدة المضروبة للصلح، فالناس في البلايا والفتن والخزايا والمحن إلى انقضاء المدة، ثم يعودون إلى النعيم الأول، وشرط إبليس عليه أن يمكنه من أشياء يفعلها، ويطلقه في أفعال رديئة يباشرها، فلما فرغا من الشرط أشهد عليهما عدلين ودفعا سيفيهما إليهما، وقالا لهما: من نكث فاقتلاه بهذا السيف.
ولست أظن عاقلا يعتقد هذا الرأي القائل، ويرى هذا الاعتقاد المضمحل الباطل، ولعله كان رمزا إلى ما يتصور في العقل، ومن عرف الله سبحانه وتعالى بجلاله وكبريائه لم يسمح بهذه الترهات عقله، ولم يسمع مثل هذه الترهات سمعه.
وأقرب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزني أن المجوس زعمت أن إبليس كان لم يزل في الظلمة والجو خلاء بمعزل عن سلطان الله، ثم لم يزل يزحف ويقرب بحيله حتى رأى النور، فوثب وثبة فصار في سلطان الله في النور، وأدخل معه هذه الآفات والشرور، فخلق الله تعالى هذا العالم شبكة، فوقع فيها وصار متعلقا بها، لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه، فهو محبوس في هذا العالم، مضطرب في الحبس، يرمي بالآفات والمحن والفتن إلى خلق الله تعالى، فمن أحياه الله رماه بالموت، ومن أصحه رماه بالسقم، ومن سره رماه بالحزن، فلا يزال كذلك إلى يوم القيامة.
وفي كل يوم ينقص سلطانه حتى لا تبقى له قوة، فإذا كانت القيامة ذهب سلطانه، وخمدت نيرانه، وزالت قوته، واضمحلت قدرته، فيطرحه في الجو، والجو ظلمة ليس لها حد ولا منتهى، ثم يجمع الله تعالى أهل الأديان فيحاسبهم ويجازيهم على طاعة الشيطان وعصيانه.
وأما المسخية فقالت: إن النور كان وحده نورا محضا، ثم انمسخ بعضه فصار ظلمة، وكذلك الخرمدينية قالوا بأصلين، ولهم ميل إلى التناسخ والحلول، وهم لا يقولون بأحكام وحلال وحرام.
ولقد كان في كل أمة من الأمم قوم مثل الإباحية والمزدكية والزنادقة والقرامطة كان تشويش ذلك الدين منهم، وفتنة الناس مقصورة عليهم.
3- الزردشتية:
أولئك أصحاب زردشت بن يورشب الذي ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب الملك، وأبوه كان من أذربيجان وأمه من الري واسمها دغدوية.
وزعموا أن لهم أنبياء وملوكا أولهم كيومرث، وكان أول من ملك الأرض، وكان مقامه بإصطخر، وبعده أوشنهك بن فراوك، ونزل أرض الهند، وكانت له دعوة ثم, وبعده طمهودت، وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه, وبعده أخوه جم الملك, ثم بعده أنبياء وملوك: منهم منوجهر ونزل بابل وأقام بها, وزعموا أن موسى عليه السلام ظهر في زمانه حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب، وظهر في زمانه زردشت الحكيم.
وزعموا أن الله عزَّ وجلَّ خلق من وقت ما في الصحف الأولى والكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ على تركيب صورة الإنسان، وأحفَّ به سبعين من الملائكة المكرمين، وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض، وبني آدم غير متحركة ثلاثة آلاف سنة، ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين، وأحفَّ بها سبعين من الملائكة المكرمين، وغرسها في قمة جبل من جبال أذربيجان، يعرف باسمو يذخر، ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة، فشربه أبو زردشت فصار نطفة ثم مضغة في رحم أمه، فقصدها الشيطان وعيرها، فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها فبرئت.
ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر، فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ومدرجة الخيل ومدرجة الذئب، فكان ينهض كل واحد منهم لحمايته من جنسه، ونشأ بعد ذلك إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فبعثه الله تعالى نبيا ورسولا إلى الخلق فدعا كشتاسب الملك، فأجابه إلى دينه وكان دينه عبادة الله والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الخبائث.
ومن المجوس الزردشتية صنف يقال لهم: السيسانية والبهافريدية. رئيسهم رجل يقال له: سيسان من رستاق نيسابور، من ناحية يقال لها: خواف.
خرج في أيام أبي مسلم صاحب الدولة، وكان زمزميا في الأصل يعبد النيران، ثم ترك ذلك ودعا المجوس إلى ترك الزمزمة، ورفض عبادة النيران، ووضع لهم كتابا أمرهم فيه بإرسال الشعور.
وحرَّم عليهم الأمهات والبنات والأخوات، وحرَّم عليهم الخمر، وأمرهم باستقبال الشمس عند السجود على ركبة واحدة، وهم يتخذون الرباطات ويتباذلون الأموال، ولا يأكلون الميتة، ولا يذبحون الحيوان حتى يهرم.
وهم أعدى خلق الله للمجوس الزمازمة، ثم إن موبذ المجوس رفعه إلى أبي مسلم فقتله على باب الجامع بنيسابور.
وقال أصحابه: إنه صعد إلى السماء على برذون أصفر، وإنه سينزل على البرذون فينتقم من أعدائه.
وهؤلاء قد أقروا بنبوة زردشت، وعظَّموا الملوك الذين يعظمهم زردشت، ومما أخبر به زردشت في كتاب زند أوستا أنه قال: سيظهر في آخر الزمان رجل اسمه أشيزريكا- ومعناه الرجل العالم- يزين العالم بالدين والعدل، ثم يظهر في زمانه بتياره، فيوقع الآفة في أمره وملكه عشرين سنة ثم يظهر بعد ذلك أشيزريكا على أهل العلم، ويحيي العدل ويميت الجور، ويرد السنن المغيرة إلى أوضاعها الأول، وتنقاد له الملوك، وتتيسر له الأمور، وينصر الدين والحق، ويحصل في زمانه الأمن والدعة وسكون الفتن وزوال المحن.
ثالثاً الثنوية
التعريف:
هؤلاء هم أصحاب الاثنين الأزليين: يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وذكروا سبب حدوثه.
وهؤلاء قالوا بتساويها في القدم، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح.
فرق الثنوية
الفرع الأول: المانوية:
أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام، أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية.
وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام، ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام.
حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق، وكان في الأصل مجوسيا عارفا بمذاهب القوم أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين: أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم.
وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين داركين سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان، وفى الحيز متحاذيان تحاذي الشخص والظل.
الفرع الثاني: المزدكية:
أصحاب مزدك: ومزدك هو الذي ظهر في أيام قباذ والد أنوشروان، ودعا قباذ إلى مذهبه فأجابه، واطلع أنوشروان على خزيه وافترائه فطلبه فوجده فقتله.
حكى الوراق أن قول المزدكية كقول كثير من المانوية في الكونين والأصلين، إلا أن مزدك كان يقول:
إن النور يفعل بالقصد والاختيار، والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق، والنور عالم حساس والظلام جاهل أعمى.
وأن المزاج كان على الاتفاق والخبط لا بالقصد والاختيار، وكذلك الخلاص إنما يقع بالاتفاق دون الاختيار.
وكان مزدك ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال، أحلَّ النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيهما، كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ.
وحكي عنه أنه أمر بقتل الأنفس؛ ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة.
مذهبه في الأصول والأركان أنها ثلاثة: الماء والأرض والنار.
ولما اختلطت حدث عنها مدبر الخير ومدبر الشر، فما كان من صفوها فهو مدبر الخير، وما كان من كدرها فهو مدبر الشر.
وروي عنه أن معبوده قاعد على كرسيه في العالم الأعلى على هيئة قعود خسرو في العالم الأسفل وبين يديه أربع قوى:
قوة التمييز والفهم والحفظ والسرور.
كما بين يدي خسرو أربعة أشخاص:
موبذ موبذان والهربد الأكبر والأصبهيد والرامشكر، وتلك الأربع يدبرون أمر العالم بسبعة من ورائهم سالار وبيشكار وبالون وبراون وكازران ودستور وكوذك.
وهذه السبعة تدور في اثني عشر روحانيين: خواننده ودهنده وستاننده وبرنده خورننده ودونده وخيزنده وكشنده وزننده وكننده وأبنده وشونده وباينده.
وكل إنسان اجتمعت له هذه القوى الأربع والسبع والاثنا عشر صار ربانيا في العالم السفلي، وارتفع عنه التكليف.
قال: وإن خسرو العالم الأعلى إنما يدبر بالحروف التي مجموعها الاسم الأعظم، ومن تصور من تلك الحروف شيئا انفتح له السر الأكبر، ومن حرم ذلك بقي في عمى الجهل والنسيان والبلادة والغم في مقابلة القوى الأربع الروحانية.
وهم فرق: الكوذية, وأبو مسلمية, والماهانية, والإسبيدخامكية, والكوذية, بنواحي الأهواز وفارس وشهرزور، والأخر بنواحي سغد سمرقند والشاش وإيلاق.
الفرع الثالث: الديصانية:
أصحاب ديصان: أثبتوا أصلين: نورا وظلاما.
فالنور: يفعل الخير قصدا واختيارا.
والظلام: يفعل الشر طبعا واضطرارا.
فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور.
وما كان من شر وضرر ونتن وقبح فمن الظلام.
وزعموا أن النور: حي عالم قادر حساس دراك، ومنه تكون الحركة والحياة.
والظلام: ميت جاهل عاجز جماد موات، لا فعل له ولا تمييز.
وزعموا أن الشر يقع منه طباعا وخرقا.
وزعموا أن النور جنس واحد، وكذلك الظلام جنس واحد.
وأن إدراك النور إدراك متفق، فإن سمعه وبصره وسائر حواسه شيء واحد، فسمعه هو بصره، وبصره هو حواسه، وإنما قيل سميع بصير؛ لاختلاف التركيب، لا لأنهما في نفسهما شيئان مختلفان.
وزعموا أن اللون هو الطعم، وهو الرائحة، وهو المحسة، وإنما وجدوه لونا؛ لأن الظلمة خالطته ضربا من المخالطة، ووجده طعما؛ لأنها خالطته بخلاف ذلك الضرب، وكذلك القول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومحستها.
وزعموا أن النور بياض كله، وأن الظلام سواد كله.
وزعموا أن النور لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحة منه، وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها.
واختلفوا في المزاج والخلاص:
فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة، والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ، فتأذَّى بها وأحبَّ أن يرقصها ويلينها، ثم يتخلص منها، وليس ذلك لاختلاف جنسهما، ولكن كما أن المنشار جنسه حديد، وصفحته لينة، وأسنانه خشنة، فاللين في النور، والخشونة في الظلمة، وهما جنس واحد، فتلطَّف النور بلينه، حتى يدخل تلك الفرج، فما أمكنه إلا بتلك الخشونة، فلا يتصور الوصول إلى كمال وجود إلا بلين وخشونة.
وقال بعضهم: بل الظلام لما احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفحته، فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعه عن نفسه، فاعتمد عليه فلجج فيه، وذلك بمنزلة الإنسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه، فيعتمد على رجله ليخرج، فيزداد لجوجا فيه، فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه. وقال بعضهم: إن النور إنما دخل أجزاء الظلام اختيارا؛ ليصلحها، ويستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه، فلما دخل تشبثت به زمانا، فصار يفعل الجور والقبيح اضطرارا لا اختيارا، ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه إلا الخير المحض والحسن البحت، وفرق بين الفعل الاضطراري وبين الفعل الاختياري.
الفرع الرابع: المرقيونية:
أصحاب مرقيون: أثبتوا أصلين قديمين متضادين: أحدهما النور، والثاني الظلمة، وأثبتوا أصلا ثالثا هو المعدل الجامع، وهو سبب المزاج، فإن المتنافرين المتضادين لا يمتزجان إلا بجامع.
وقالوا: إن الجامع دون النور في المرتبة وفوق الظلمة، وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم.
ومنهم من يقول: الامتزاج إنما حصل بين الظلمة والمعدل؛ إذ هو أقرب منها، فامتزجت به؛ لتطيب به، وتلتذ بملاذه، فبعث النور إلى العالم الممتزج روحا مسيحية، وهو روح الله وابنه تحننا على المعدل الجامع السليم الواقع في شبكة الظلام الرجيم، حتى يخلصه من حبائل الشياطين، فمن اتبعه فلم يلامس النساء، ولم يقرب الزهومات أفلت ونجا، ومن خالفه خسر وهلك.
قالوا: وإنما أثبتنا المعدل؛ لأن النور الذي هو الله تعالى لا يجوز عليه مخالطة الشياطين، وأيضا فإن الضدين يتنافران طبعا، ويتمانعان ذاتا ونفسا، فكيف يجوز اجتماعهما وامتزاجهما؟ فلا بد من معدل يكون بمنزلة دون النور، وفوق الظلام، فيقع الامتزاج منه.
وهذا على خلاف ما قالته المانوية، وإن كان ديصان أقدم، وإنما أخذ ماني منه مذهبه، وخالفه في المعدل، كالحاكم على الخصمين الجامع بين المتضادين لا يجوز أن يكون طبعه وجوهره من أحد الضدين، وهو الله عز وجل الذي لا ضد له ولا ند.
وحكى محمد بن شبيب عن الديصانية أنهم زعموا أن المعدل هو الإنسان الحساس الدراك، إذ هو ليس بنور محض ولا ظلام محض.
وحكي عنهم أنهم يرون المناكحة وكل ما فيه منفعة لبدنه وروحه حراما، ويحترزون عن ذبح الحيوان؛ لما فيه من الألم.
وحكي عن قوم من الثنوية أن النور والظلمة لم يزالا حيين، إلا أن النور حساس عالم، والظلام جاهل أعمى.
والنور يتحرَّك حركة مستوية مستقيمة، والظلام يتحرك حركة عجرفية خرقاء معوجة، فبينا هما كذلك إذ هجم بعض هامات الظلام على حاشية من حواشي النور، فابتلع النور منه قطعة على الجهل لا على القصد والعلم، وذلك كالطفل الذي لا يفصل بين الجمرة والتمرة، وكان ذلك سبب المزاج.
ثم إن النور الأعظم دبر في الخلاص، فبنى هذا العالم ليستخلص ما امتزج به من النور، ولم يمكنه استخلاصه إلا بهذا التدبير.
الفرع الخامس: الكينوية والصيامية والتناسخية:
حكى جماعة من المتكلمين أن الكينوية زعموا أن الأصول ثلاثة: النار والأرض والماء، وإنما حدثت هذه الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين اللذين أثبتهما الثنوية.
قالوا: والنار بطبعها خيرة نورانية, والماء ضدها في الطبع, فما كان من خير في هذا العالم فمن النار، وما كان من شر فمن الماء, والأرض متوسطة, وهؤلاء يتعصبون للنار شديدا من حيث إنها علوية نورانية لطيفة، لا وجود إلا بها، ولا بقاء إلا بإمدادها, والماء يخالفها في الطبع فيخالفها في الفعل, والأرض متوسطة بينهما، فتركيب العالم من هذه الأصول والصيامية منهم أمسكوا عن طيبات الرزق، وتجرَّدوا لعبادة الله، وتوجَّهوا في عباداتهم إلى النيران؛ تعظيما لها.
وأمسكوا أيضا عن النكاح والذبائح.
والتناسخية منهم قالوا بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من الراحة والتعب والدعة والنصب فمرتَّب على ما أسلفه من قبل وهو في بدن آخر؛ جزاء على ذلك.
والإنسان أبدا في أحد أمرين: إما في فعل وإما في جزاء وما هو فيه فإما مكافأة على عمل قدمه، وإما عمل ينتظر المكافأة عليه.
والجنة والنار في هذه الأبدان، وأعلى عليين درجة النبوة، وأسفل السافلين دركة الحية، فلا وجود أعلى من درجة الرسالة، ولا وجود أسفل من دركة الحية.
ومنهم من يقول: الدرجة الأعلى درجة الملائكة، والأسفل دركة الشياطين.
ويخالفون بهذا المذهب سائر الثنوية، فإنهم يعنون بأيام الخلاص رجوع أجزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد، وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم.
أصحاب الروحانيات:
• الأول: الباسنوية:. زعموا أن رسولهم ملك روحاني نزل من السماء على صورة بشر، فأمرهم بتعظيم النار، وأن يتقربوا إليها بالعطر والطيب والأدهان والذبائح، ونهاهم عن القتل والذبح إلا ما كان للنار.
وسنَّ لهم أن يتوشحوا بخيط يعقدونه من مناكبهم الأيامن إلى تحت شمائلهم، ونهاهم أيضا عن الكذب وشرب الخمر، وأن لا يأكلوا من أطعمة غير ملتهم ولا من ذبائحهم، وأباح لهم الزنا؛ لئلا ينقطع النسل.
وأمرهم أن يتخذوا على مثاله صنما يتقربون إليه ويعبدونه ويطوفون حوله كل يوم ثلاث مرات بالمعازف والتبخير والغناء والرقص.
وأمرهم بتعظيم البقرة والسجود لها حيث رأوها، وأن يفزعوا في التوبة إلى التمسح بها، وأمرهم أن لا يجوزوا نهر كنك.
• الثاني: الباهودية:. زعموا أن رسولهم ملك روحاني على صورة بشر اسمه باهود، أتاهم وهو راكب على ثور على رأسه إكليل مكلل بعظام الموتى من عظام الرءوس، ومتقلد من ذلك بقلادة، وبإحدى يديه قحف إنسان، وبالأخرى مرزاق ذو ثلاث شعب، يأمرهم بعبادة الخالق عزَّ وجلَّ وبعبادته معه، وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه، وأن لا يعافوا شيئا، وأن تكون الأشياء كلها في طريقة واحدة؛ لأنها جميعا صنع الخالق عزَّ وجلَّ، وأن يتخذوا من عظام الناس قلائد يتقلدونها، وأكاليل يضعونها على رءوسهم، وأن يمسحوا أجسادهم ورؤوسهم بالرماد.
وحرَّم عليهم الذبائح والنكاح وجمع الأموال، وأمرهم برفض الدنيا، ولا معاش لهم فيها إلا من الصدقة
• الثالث: الكابلية:. زعموا أن رسولهم ملك روحاني يقال له: شب. أتاهم في صورة بشر متمسح بالرماد، على رأسه قلنسوة من لبود أحمر، طولها ثلاثة أشبار، مخيط عليها صفائح من قحف الناس، متقلد قلادة من أعظم ما يكون، متمنطق من ذلك بمنطقة، متسور منها بسوار، متخلخل منها بخلخال، وهو عريان، فأمرهم أن يتزيَّنوا بزينته، ويتزيُّوا بزيه، وسنَّ لهم شرائع وحدودا.
• الرابع: البهادونية:. قالوا: إن بهادون كان ملكا عظيما، أتانا في صورة إنسان عظيم، وكان له أخوان قتلاه، وعملا من جلدته الأرض، ومن عظامه الجبال، ومن دمه البحار, وقيل: هذا رمز. وإلا فحال صورة الإنسان لا تبلغ إلى هذه الدرجة, وصورة بهادون راكب على دابة كثير شعر الرأس قد أسبله على وجهه، وقد قسم الشعر على جوانب رأسه قسمة مستوية، وأسبله كذلك على نواحي الرأس قفا ووجها، وأمرهم أن يفعلوا كذلك, وسنَّ لهم أن لا يشربوا الخمر، وإذا رأوا امرأة هربوا منها، وأن يحجوا إلى جبل يدعَى جورعن، وعليه بيت عظيم فيه صورة بهادون، ولذلك البيت سدنة، لا يكون المفتاح إلا بأيديهم، فلا يدخلون إلا بإذنهم, وإذا فتحوا الباب سدُّوا أفواههم حتى لا تصل أنفاسهم إلى الصنم, ويذبحون له الذبائح، ويقربون له القرابين، ويهدون له الهدايا, وإذا انصرفوا من حجهم لم يدخلوا العمران في طريقهم، ولم ينظروا إلى محرم، ولم يصلوا إلى أحد بسوء وضرر من قول وفعل.
الديانات الهندية
لمحة تاريخية عن الديانات الهندية:
بلاد الهند تعجُّ بكثير من المعتقدات الباطلة، ولا يعرف حتى اليوم ديانات الهند التي سبقت الديانة الفيدية، ولم تكن البوذية هي الديانة التي كانت في الطليعة، بل سبقتها ديانات مختلفة، ولا يعرف منها إلا ما كان في العصر الفيدي الذي قامت ديانته على الكتب الفيدية، وهي الديانة البرهمية.
وكلمة (فيدا) من اللغة السنسكريتية، ومعناها القانون، أو العلم، أو المعرفة.
وللفيدا كتب أربعة هي: أناجيل البراهمة، والرأي في حقيقتها مختلف متى وضعت؟ ومتى وجدت؟
ومما قيل في ذلك: أن كتاب (الفيدا) أقدم من التوراة بآلاف السنين، وأنه يتألف من أربعة أسفار هي:
1 - الريجا فيدا.
2 - الساما فيدا.
3 - الباجورا فيدا.
4 - الأثارا فيدا.
وكان الغربيون يسمون دياناتهم بالهندوكية، وقد ذاعت هذه التسمية حتى تقبلها أهل الديانة أنفسهم، وإن كانوا فيما بينهم يستعملون لفظ (دراما) التي تعني (نهج الحياة، والتفكير والحياة).
وكانت تسمَّى قديماً بالبرهمية نسبة إلى (براهما)، التي يزعمون أنها الروح العليا الخالدة للكون، ويذهبون إلى أن براهما كان بدء الخليقة، وأنه وجد من بيضة ذهبية كانت طافية على الماء من العماء منذ البدء، فهو وجد قبل الخلق، وحددوا له عمراً زعموا أنه مائة سنة من سِنِيِّه، وكل نهار من أيام تلك السنين يقدر بـ (4,320,000,000) سنة من سنواتنا الشمسية المعروفة، وفي نهاية كل نهار ينتهي عالم من العالمين، فيستريح الإله ليلة، لينشئ عالماً آخر جديداً.
وهم بذلك حددوا له بداية ونهاية، ونفوا عنه صفة القِدَمِ؛ لأن هناك ما هو أقدم، وهو البيضة الذهبية التي خرج منها، كما نفوا صفة الآخِر؛ لأنه سينتهي بعد عمره الطويل.
ومن المراحل المعروفة عندهم مرحلة (اليوبا نيشاد) وهي مكونة من كلمتين:
(يوبا) بمعنى: (قريباً)، و (شاد) بمعنى: (يجلس).
وأطلق في الأصل على من يجلس قريباً من المُعلِّم أو الحكيم يتلقَّى منه، والمتلقِّي هو المريد.
وتشتمل كتب هذه المرحلة على تأملات غامضة، وظلَّت تعتبر أسراراً لحلقات الطبقات العليا.
ولعله يبدو من ذلك أفكار النسك الأعجمي الذي انتقل إلى الإسلام باسم التصوف.
والبوذية تعدُّ امتداداً طبيعيًّا للهندوسية البرهمية، وسمِّيت الهندوسية بذلك - كما سماها الغربيون- نسبة إلى بلادهم الهند، وتسمَّى بالبرهمية نسبة إلى براهما - كما مرَّ- وهو الذي جدَّد الديانة الهندوسية في القرن الثامن قبل الميلاد، فَأُطْلِقَ على الديانة اسم البرهمية.
وموجز القول أن في الهند دياناتٍ أخرى صغيرةً، وفيها من الآلهة والأرباب ما يعدُّ بالملايين، وفيها ديانات العالم الصحيحة والباطلة، وكل من تسوِّل له نفسه اختراع مذهب أو دين جديد يجد له في الهند أتباعاً وعباداً، ولكن الديانة الغالبة هي الهندوسية البرهمية.
الهندوسية
التعريف:
الهندوسية ويطلق عليها أيضاً البرهمية ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر. إنها ديانة تضمُّ القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية، متخذة عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله، ولكل عمل أو ظاهرة إله.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
- لا يوجد للديانة الهندوسية مؤسس معين، ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلفون معينون، فقد تمَّ تشكُّل الديانة، وكذلك الكتب، عبر مراحل طويلة من الزمن.
- الآريُّون الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل للديانة الهندوسية.
- ديانة الفاتحين الجديدة لم تمح الديانة القديمة للهنود، بل مازجتها وتأثرت كل منهما بالأخرى.
- في القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية على أيدي الكهنة البراهمة الذين يزعمون أن في طبائعهم عنصراً إلهيًّا.
- ثم تطورت مرة أخرى في القرن الثالث قبل الميلاد عن طريق قوانين منوشاستر.
الأفكار والمعتقدات:
نستطيع فهم الهندوسية من خلال كتبها، ونظرتها إلى الإله، ومعتقداتها وطبقاتها إلى جانب بعض القضايا الفكرية والعقائدية الأخرى.
- كتبها:
للهندوسية عدد هائل من الكتب عسيرة الفهم غريبة اللغة، وقد أُلّفت كتب كثيرة لشرحها، وأخرى لاختصار تلك الشروح، وكلها مقدسة وأهمها:
1 - الفيدا veda: وهي كلمة سنسكريتية معناها الحكمة والمعرفة، وتصور حياة الآريين، ومدارج الارتقاء للحياة العقلية من السذاجة إلى الشعور الفلسفي، وفيه أدعية تنتهي بالشك والارتياب، كما أن فيه تأليهاً يرتقي إلى وحدة الوجود، وهي تتألف من أربعة كتب هي:
1 - رج فيدا أو راجا فندا (أي: الفيدا الملكية) وترجع إلى (3000) سنة قبل الميلاد، فيها ذكر لإله الآلهة (إنذار) ثم لإله النار (أغني) ثم الإله (فارونا) ثم الإله سوريه (إله الشمس).
2 - يجور فيدا Yajur veda: يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين.
3 - سم فيدا Sama veda: ينشدون أناشيده أثناء إقامة الصلوات والأدعية.
4 - أثروا فيدا Atharva veda: عبارة عن مقالات من الرقى والتمائم لدفع السحر والتوهم والخرافة والأساطير والشياطين. وكل واحد من هذه الفيدات يشتمل على أربعة أجزاء هي:
أ- سَمْهِتا: تمثل مذهب الفطرة، وأدعيته كان يقدمها سكان الهند الأقدمون لآلهتهم قبل زحف الآريين.
ب- البراهمن: يقدمها البراهمة للمقيمين في بلادهم مبينة أنواع القرابين.
ج- آرانياك: وهي الصلوات والأدعية التي يتقدم بها الشيوخ أثناء إقامتهم في الكهوف والمغاور وبين الأحراش والغابات.
د- آبا نيشادات: وهي الأسرار والمشاهدات النفسية للعرفاء من الصوفية.
2 - قوانين منو: وضعت في القرن الثالث قبل الميلاد في العصر الويدي الثاني، عصر انتصار الهندوسية على الإلحاد الذي تمثل في (الجينية والبوذية). وهذه القوانين عبارة عن شرح للويدات بين معالم الهندوسية ومبادئها وأسسها.
1 - كتب أخرى:
أ - مها بهارتا: ملحمة هندية تشبه الإلياذة والأوديسة عند اليونان ومؤلفها (وياس) ابن العارف (بوسرا) الذي وضعها سنة (950) ق. م وهي تصف حرباً بين أمراء من الأسر المالكة، وقد اشتركت الآلهة في هذه الحرب.
ب - كيتا: تصف حرباً بين أمراء من أسرة ملكية واحدة، وينسب إلى كرشنا فيها نظرات فلسفية واجتماعية.
ت - يوجاواسستها: تحتوي على أربعة وستين ألف بيت، ألفت ابتداء من القرن السادس عبر مرحلة طويلة على أيدي مجموعة من الناس، فيها أمور فلسفية ولاهوتية.
ث- رامايانا: يعتني هذا الكتاب بالأفكار السياسية والدستورية، وفيه خطب لملك اسمه (راما).
تعريف بالكتب المقدسة لدى الهندوس:
الفكر الهندي يتسلط عليه اتجاه روحاني، ومن هنا كثرت الآلهة لدى الهنود، وبالتالي كثرت الكتب المقدسة حتى جاوزت المئات، ووصلت إلى الألوف، وفي الديانات السماوية يكون مصدر تقديس الكتب أنها كلام الله أوحى به إلى أنبيائه، بالمعنى فقط كالتوراة والإنجيل، أو بالمعنى واللفظ كالقرآن الكريم، أما مصدر تقديس الكتب عند الهندوس فليس لأنها موحى بها من الله، فهي لم يوح بها، بل لا يعرف لأكثرها واضع معين، وإنما اشترك في تأليفها عدد كبير من الناس على مرِّ القرون، وليس مصدر التقديس إبداعها في الفكرة أو الأسلوب، فكثيرا ما شملت هذه الكتب أفكارا بدائية وأساليب ركيكة، بل إن مصدر تقديس هذه الكتب هو على العموم الاتجاه الروحاني لدى الفكر الهندي، والموافقة على تأليه أي كائن، أو تقديس أي كتاب دون حاجة إلى إبداء الأسباب.
ومن الناحية العملية كان مصدر هذه الكثرة تفسير كتاب (الويدا) الذي يعتبر أعظم الكتب المقدسة لدى الهندوس، فإن مرور الزمن على هذا الكتاب جعله عسير الفهم غريب اللغة، فأُلِّفت كتب كثيرة لشرحه وتفسيره، وعدَّها الهندوس مقدسة، ومرَّت قرون أخرى فاحتاجت هذه الشروح إلى شروح جديدة وإضافات، فكتبت كتب أخرى، واستساغ العقل الهندوسي أن يجعلها مقدسة أيضا، وتضخمت (الويدا) فاحتاجت إلى وضع مختصرات قدسها العقل الهندوسي كذلك. هذا بالإضافة إلى كتب وضعت غير متصلة بالوبدا، بل تصف حدثا دينيا أو تاريخيا جديدا.
على أن الكتب المقدسة لدى الهنود ليست كلها - بطبيعة الحال - في مستوى واحد، فمنها كتب قليلة الانتشار، أو لا تحظى بتقديس جميع الهندوس، ومنها كتب أقرب إلى الغموض منها إلى الوضوح، ومن أعظم كتبهم المقدسة على العموم الوبدا وقوانين (منو).
نظرة الهندوسية إلى الآلهة:
- التوحيد:
لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم، حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى، وعندها يخاطبونه برب الأرباب أو إله الآلهة.
- التعدد:
يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال .. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين.
- التثليث:
في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته، وهو الذي أسموه:
1 - براهما: من حيث هو موجود.
2 - فشنو: من حيث هو حافظ.
3 - سيفا: من حيث هو مهلك.
فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً، أو عبد الواحد الأعلى، ولا يوجد أي فارق بينها. وهم بذلك قد فتحوا الباب أمام النصارى للقول بالتثليث.
- يلتقي الهندوس على تقديس البقرة وأنواع من الزواحف كالأفاعي، وأنواع من الحيوان كالقردة، ولكن تتمتع البقرة من بينها جميعاً بقداسة تعلو على أي قداسة، ولها تماثيل في المعابد والمنازل والميادين، ولها حق الانتقال إلى أي مكان، ولا يجوز للهندوكي أن يمسها بأذى أو بذبحها، وإذا ماتت دفنت بطقوس دينية.
- يعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلَّت كذلك في إنسان اسمه كرشنا، وقد التقى فيه الإله بالإنسان، أو حل اللاهوت في الناسوت، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح، وقد عقد الشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله - مقارنة بينهما مظهراً التشابه العجيب، بل التطابق، وعلَّق في آخر المقارنة قائلاً: (وعلى المسيحيين أن يبحثوا عن أصل دينهم).
المطلب السادس: الطبقات في المجتمع الهندوسي:
- منذ أن وصل الآريون إلى الهند شكَّلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن، ولا طريق لإزالتها؛ لأنها تقسيمات أبدية من خلق الله (كما يعتقدون).
- وردت الطبقات في قوانين منو على النحو التالي:
1 - البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم والكاهن، والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.
2 - الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين، ويحملون السلاح للدفاع.
3 - الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.
4 - الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة.
- يلتقي الجميع على الخضوع لهذا النظام الطبقي بدافع ديني.
- يجوز للرجل أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته، ويجوز أن يتزوج من طبقة أدنى، على أن لا تكون الزوجة من طبقة الشودر الرابعة، ولا يجوز للرجل من طبقة الشودر أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته بحال من الأحوال.
- البراهمة هم صفوة الخلق، وقد ألحقوا بالآلهة، ولهم أن يأخذوا من أموال عبيدهم (شودر) ما يشاؤون.
- البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه.
- لايجوز للملك - مهما اشتدت الظروف - أن يأخذ جباية أو إتاوة من البرهمي.
- إن استحق البرهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل.
- البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشودري الذي ناهز المائة، كما يفوق الوالد ولده.
- لا يصحُّ لبرهمي أن يموت جوعاً في بلاده.
- المنبوذون أحط من البهائم، وأذل من الكلاب بحسب قانون منو.
- من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة، وليس لهم أجر أو ثواب.
- إذا مدَّ أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه فُدِعت رجله.
- إذا هَمَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد.
- إذا ادَّعى أحد المنبوذين أنه يعلِّم برهميًّا فإنه يسقى زيتاً مغليًّا.
- كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء.
- ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم ودخولهم في أديان أخرى، لا سيما النصرانية التي تغزوهم، أو الشيوعية التي تدعوهم من خلال فكرة صراع الطبقات.
- ولكن كثيراً من المنبوذين وجدوا العزة والمساواة في الإسلام فاعتنقوه.
العبادة عند الهندوس على قسمين:
1ـ عبادة البراهمة، ويسمَّون الحكماء والصوفية: وهم يتعبدون بتعذيب النفس والتجرد من الدنيا الذي يهدف في النهاية إلى الاتحاد بالإله (براهما)، أي: تصبح نفوسهم جزءا من ذاته.
وهم يقطعون أعمارهم في الصوم وقراءة الكتب المقدسة، وقد يعيشون في الغابات عراة، ويمارسون أنواعا من الرياضات البدنية الشاقة (ومنها اليوغا) ولا يتزوجون ولا يملكون شيئا من الدنيا.
وهم يتعلمون السحر والشعوذة ليتوصلوا بها إلى إثبات الخوارق والكرامات التي يزعمون أن (براهما) أعطاهم إياها.
وهؤلاء يتلقون طرائق العبادة من طريق التوارث، فكل كاهن يربِّي مجموعة من المريدين على طريقته، ولا يحق للمريد مخالفة المربي أو الاعتراض عليه في شيء.
2ـ عبادة العامة: وهم يعبدون كل شيء من شجر وحجر ودواب حتى أن منهم من يسجد للسائح الأجنبي أو سيارته، ومنهم من يسجد للعنكبوت والذرَّة، وكل ما نال إعجابه سجد له وعبده، وتزعم كتب الهندوس المقدسة أن الإله الخالق هو الذي أمر بنحت الأصنام وعبادتها، وقال: إنها تذكرهم بعبادته.
العبادة المشتركة:
المعبود المشترك الذي يتفق الخاصة والعامة على عبادته هو (البقرة).
فالهندوس يقدسون البقرة تقديسا عظيما حتى فضلاتها، وقد صرح الرئيس السابق (غاندي) الذي كان يعتبر زعيما للعالم الثالث ودول عدم الانحياز قائلا: (إني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم ..... )
معتقداتهم:
- تظهر معتقداتهم في الكارما، وتناسخ الأرواح، والانطلاق، ووحدة الوجود:
1 - الكارما: قانون الجزاء، أي: أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة إما في الحياة الحاضرة أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء كما أنها دار الجزاء والثواب.
2 - تناسخ الأرواح: إذا مات الإنسان يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر، بحسب ما قدَّم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة.
3 - الانطلاق: صالح الأعمال وفاسدها ينتج عنه حياة جديدة متكررة، لتثاب فيها الروح أو لتعاقب على حسب ما قدمت في الدورة السابقة.
- من لم يرغب في شيء ولن يرغب في شيء، وتحرر من رقِّ الأهواء، واطمأنت نفسه، فإنه لا يعاد إلى حواسه، بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما.
- يؤخذ على هذا المبدأ أنه جعل التصوف والسلبية أفضل من صالح الأعمال؛ لأن ذلك طريق للاتحاد بالبراهما.
4 - وحدة الوجود: التجريد الفلسفي ارتقى بالهنادكة إلى أن الإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات، كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة، وتصير النفس هي عين القوة الخالقة.
أ- الروح كالآلهة أزلية سرمدية، مستمرة، غير مخلوقة.
ب- العلاقة بين الإنسان وبين الآلهة كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها، وكالعلاقة بين البذرة وبين الشجرة.
ت - هذا الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي، والروح الإنسانية جزء من الروح العليا.
- يعتقدون أن الإله له ثلاثة أقانيم - أي: ثلاثة حالات - وهي:
أ - براهما موجد العالم.
ب - مشنو حافظ العالم.
ج - سيفا مهلك العالم.
- يعتقدون أن هناك آلهة كثيرة أقل من الإله المثلث، ومن تلك الآلهة:
أ - آجني إله النار.
ب - فايو إله الريح.
ج - أندر إله العاصفة.
د - أوشاس إله الفجر.
هـ - بادجبانيا إله المطر.
وسوربا إله الشمس، أو مستر، أو فشنو.
ز - سوما: إله النبات المقدس الذي يسكر عصيره كل الناس، وكل الآلهة.
ح - سافيتار آلهة الشمس.
ط - فيفا سفات إله ضوء الشمس.
- يعبدون كل ما يعجبهم، أو يحبونه، أو يخافونه من المخلوقات من حولهم، ولذلك تحظى البقرة عند الهندوس حتى الآن بالمكانة الأولى تقديساً، وعبادة؛ فهم يحلبونها، ويعبدونها.
ولها تماثيل في كل معبد، ومنزل وميدان، وهي تتمتع بحرية مطلقة في ارتياد الطرقات كيف شاءت.
ولا يجوز للهندوس تحت أي ظرف من الظروف أن يأكل لحمها، أو يستغل جلدها في أي صناعة من الصناعات، وهي إذا ماتت وجب دفنها بجلال مع أعظم طقوس الدين.
- عبادة القردة، والأفاعي، والفيلة: وأخطر الأفاعي المقدسة أفعى تسمى (ناجن)، ولها عند الهندوس منزلة عالية؛ فعضة واحدة منها تؤدي إلى موت سريع، ولهذا فهم يقيمون لها حفلاً دينيًّا كل عام، تقدَّم لها فيها هي وزميلاتها من الأفاعي قرابين من اللبن والموز عند مداخل جحورها!
وأكبر مركز لعبادة الأفاعي في شرقي ميسور؛ فهناك في معابد هذا الإقليم تسكن جموع زاخرة من الأفاعي؛ حيث يقوم الكهنة على إطعامها والاهتمام بها.
وهم يعبدون الأفاعي والفيلة والقردة؛ لأنهم يزعمون أنها مصادر الرعب التي ترمز إلى طبيعة الألم.
وإذا كانت القردة والأفاعي والفيلة لها قدسية عند الهندوس - فهناك من الحيوانات الأخرى ما يتمتع هو بمثل هذه القدسية، مثل التماسيح، والنمور، والطواويس، والببغاوات؛ لأن لكل منها روحاً، والأرواح - بزعمهم - تمضي متنقلة بين الحيوان والإنسان، ولهذا فهي صنوف إلهية نسجت خيوطها في شبكة واحدة لا نهاية لها.
- ينكرون البعث واليوم الآخر، ويرون أنه لابد من الجزاء والحساب على الخير والشر، لكن ذلك يكون في الحياة الدنيا.
- يعتقدون بتناسخ الأرواح، أو تجوال الروح: وذلك سبب إنكارهم البعث؛ فهم يرون تناسخ الأرواح؛ ليكون الجزاء على الروح إذا انتقلت بين الأجساد، فهي تنتقل - بزعمهم - من جسد إلى آخر سواء أكان في الإنسان، أو الحيوان.
- وحدة الوجود: وهي ما يُعرف عندهم بفكرة الانطلاق، وهي تمثل محاولةَ النفسِ الإفلاتَ من دورات تجوالها، ونتائج أعمالها؛ فالحياة - في عرف البراهمة - شر، وخداع، وأسر.
أما الحياة الحقة فهي في استجلاء طلعة (براهما) التي لا تكتسب إلا بالاتحاد والاندماج فيه، كما تندمج قطرة الماء في المحيط الأعظم.
وذلك إنما يجيء عن طريق الاستنارة الإلهية.
أفكار ومعتقدات أخرى:
- الأجساد تحرق بعد الموت؛ لأن ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى وبشكل عمودي لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً.
- عندما تتخلص الروح وتصعد، يكون أمامها ثلاثة عوالم:
1 - إما العالم الأعلى: عالم الملائكة.
2 - وإما عالم الناس: مقر الآدميين بالحلول.
3 - وإما عالم جهنم: وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب.
- ليس هناك جهنم واحدة، بل لكل أصحاب ذنب جهنم خاصة بهم.
- البعث في العالم الآخر إنما هو للأرواح لا للأجساد.
- يترقَّى البرهمي في أربع درجات:
1 - التلميذ وهو صغير.
2 - رب الأسرة.
3 - الناسك: ويقوم بالعبادة في الغابات إذا تقدم به السن.
4 - الفقير: الذي يخرج من حكم الجسد، وتتحكم فيه الروح، ويقترب من الآلهة.
- المرأة التي يموت عنها زوجها لا تتزوج بعده، بل تعيش في شقاء دائم، وتكون موضعاً للإهانات والتجريح، وتكون في مرتبة أقل من مرتبة الخادم.
- قد تحرق المرأة نفسها إثر وفاة زوجها تفادياً للعذاب المتوقع الذي ستعيش فيه، وقد حرَّم القانون هذا الإجراء في الهند الحديثة.
- الديانة الهندية تجيز عقد القران للأطفال وهم يَحْبُون، ويحدث أن يموت الولد فتشب البنت أرملة ابتداء، ولكن القانون الهندي الحديث حرَّم ذلك، ومنع عقد القران إلا في سن الشباب.
- ليس للفرد أهمية إلا إذا كان عضواً في جماعة، وتكون هذه الجماعة عضواً في جماعة أكبر، ذلك لأن العناية للجماعة لا للفرد.
- يلاحظ هبوط المستوى الاقتصادي لمعتنقي الهندوسية؛ لأن بعض الطبقات لا تعمل؛ ذلك لأن العمل لا يليق بمكانتها السامية كطبقة البراهمة مثلاً.
- نظام الطبقات يعطل مبدأ تكافؤ الفرص.
- رفضت الهندوسية حركة الإصلاح الداخلي المتمثلة في الإسلام، وقاومتها محتفظة بتعليماتها ومعتقداتها.
- حاول الزعيم الهندي (غاندي) تقليص الحدة بين الطبقات وبين المنبوذين، ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح، بل كان هو ذاته ضحية لهذه المحاولة.
- حاولت جماعة (السيخ) إنشاء دين موحد من الهندوسية والإسلام، لكنهم فشلوا إذ سرعان ما أنغلقوا على أنفسهم، وصاروا طبقات متميزة يرفضون التزاوج مع غيرهم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- في القرن الخامس عشر قبل الميلاد كان هناك سكان الهند الأصليين من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية.
- جاء الغزاة الآريون مارِّين في طريقهم بالإيرانيين، فتأثَّرت معتقداتهم بالبلاد التي مروا بها، ولما استقروا في الهند حصل تمازج بين المعتقدات تولَّدت عنه الهندوسية كدين فيه أفكار بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص.
- وفي القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية عندما وُضع مذهب البرهمية، وقالوا بعبادة براهما.
- عصفت بالديانة الهندية حركتان قويتان هما الجينية والبوذية.
- ظهرت قوانين منو فأعادت إليها القوة، وذلك في القرن الثاني والثالث قبل الميلاد.
- انتقلت فكرة التثليث من الفكر الهندي إلى الفكر النصراني بعد رفع المسيح عليه السلام.
- انتقل فكر التناسخ والحلول ووحدة الوجود إلى بعض المسلمين الذين ضلُّوا، فظهرت هذه العقائد عند بعض المتصوفة، وكذلك ظهرت عند الإسماعيلية وعند الفرق الضالة كالأحمدية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
كانت الديانة الهندوسية، تحكم شبه القارة الهندية، وتنتشر فيها على اختلاف في التركيز، ولكن البون الشاسع بين المسلمين والهندوس في نظرتيهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس، ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها؛ كان ذلك سبباً في حدوث التقسيم، حيث أُعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والتي معظمها من المسلمين، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس، والمسلمون فيها أقلية كبيرة.
ويتضح مما سبق:
أن الديانة الهندوسية مزيج من الفلسفة الهندية والديانتين اليهودية والمسيحية، كما أنها عقيدة محدودة الأتباع. ويعتقد الهندوس أنها جاءت عن طريق الوحي، ولو صحَّ هذا فلا بد أنه قد حصل لها الكثير من التحريف والتبديل حتى أصبحت أسلوباً في الحياة أكثر مما هي عقيدة واضحة المعالم. وتشمل من العقائد ما يهبط إلى عبادة الأشجار والأحجار والقرود والأبقار .. إلى غير ذلك من أنواع الوثنية التي تتنافى مع أبسط قواعد التوحيد. كما أن التقسيم الطبقي فيها يتعارض مع كرامة الإنسان ويجعلها بعيدة عن الوحي الرباني.
البوذية
التعريف:
هي فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية الهندوسية في القرن الخامس قبل الميلاد. وكانت في البداية تناهض الهندوسية، وتتجه إلى العناية بالإنسان، كما أن فيها دعوة إلى التصوف والخشونة، ونبذ الترف، والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير. وبعد موت مؤسسها تحولت إلى معتقدات باطلة، ذات طابع وثني، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألَّهوه.
وهي تعتبر نظاماً أخلاقيًّا ومذهباً فكريًّا مبنيًّا على نظريات فلسفية، وتعاليمها ليست وحياً، وإنما هي آراء وعقائد في إطار ديني. وتختلف البوذية القديمة عن البوذية الجديدة في أن الأولى صبغتها أخلاقية، في حين أن البوذية الجديدة هي تعاليم بوذا مختلطة بآراء فلسفية وقياسات عقلية عن الكون والحياة.
بداية البوذية وتطورها:
قامت البوذية في بدايتها على مناهضة الهندوسية البرهمية، التي أغرقت في الشكليات والطقوس.
وكانت - أي البوذية - متجهة إلى العناية بالإنسان، وراغبة في إيصاله إلى مرحلة (النرفانا) وهي السعادة القصوى، وذلك عن طريق خشونة العيش، وتعذيب النفس، وقتل جميع شهواتها، ونبذ الترف، والمناداة بالمحبة، والتسامح، وفعل الخير.
وبعد موت مؤسسها تحوَّلت إلى ديانة ذات طابع وثني، تقوم على تأليه بوذا، وتأخذ طابعاً اجتماعياً دينيًّا يميل إلى الإلحاد، وتختلف باختلاف الأمكنة.
المصدر: رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص 40
تطور البوذية:
قدَّس البوذيون بوذا تقديسا عظيما، وكتبوا كثيرا عن سيرته وأعماله وأفكاره، ودخل في البوذية شعوب وأجناس شتى، ونتج عن ذلك انقسام البوذية إلى قسمين:
1ـ البوذية القديمة:
وتسمَّى الجنوبية؛ لانتشارها في بورما وتايلاند وسيلان، وهي في الحقيقة تؤلِّه بوذا وتعبده، وزعيمها هو (اللاما) ومقره بلاد التبت، ويعتقد أتباعه أن الإله يحلُّ فيه، وتتميز بالرهبانية الشديدة.
2ـ البوذية الجديدة:
وتسمَّى الشمالية؛ لانتشارها في اليابان وكوريا والصين.
وتتميز بالفلسفة والتعمق وتعدد الآلهة، ففي الصين يعتقدون أن الآلهة ثلاثة وثلاثون، واليابانيون يعتقدون أن إمبراطورهم من نسل الآلهة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
أسَّسها سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا (560 - 480) ق. م وبوذا تعني العالم، ويُلقَّب أيضاً بسكيا موني، ومعناه المعتكف. وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال، وكان أميراً فشبَّ مترفاً في النعيم، وتزوَّج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف، والخشونة في المعيشة، والتأمل في الكون ورياضة النفس، وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات، ثم دعا إلى تبني وجهة نظره، حيث تبعه أناس كثيرون.
اجتمع أتباع بوذا بعد وفاته في مؤتمر كبير في قرية راجاجراها عام (483) ق. م لإزالة الخلاف بين أتباع المذهب، ولتدوين تعاليم بوذا؛ خشية ضياع أصولها، وعهدوا بذلك إلى ثلاثة رهبان هم:
1 - كاشيابا، وقد اهتمَّ بالمسائل العقلية.
2 - أويالي، وقد اهتمَّ بقواعد تطهير النفس.
3 - أناندا وقد دوَّن جميع الأمثال والمحاورات.
مؤسس البوذية:
مؤسس البوذية رجل يُلقَّب بـ: بوذا، وأما اسمه فهو: سدهارتا، أو سدذارتا.
وبوذا الذي تنسب إليه هذه الديانة ابن حاكم، وقد ولد في حديقة لومبيني بالقرب من مدينة كابيلا فاستو في شمال الهند من إقليم نيبال، وذلك سنة (568) قبل الميلاد.
وتختلف تواريخ ميلاده، ولكن ما ذكر هو أرجح الأقوال في تاريخ مولده.
عقائد البوذية، وأفكارها، وتعاليمها (1):
تشتمل عقائد البوذية وأفكارها وتعاليمها على خرافات كثيرة، وأباطيل عديدة، ومتناقضات شتى فمن ذلك:
1 - الإلحاد: فقد كان بوذا في أول دعوته لا يتكلم عن الألوهية، ويتحاشى الخوض في أمور الغيب، ثم تحوَّل بعد ذلك إلى محاربة الاعتقاد بوجود الله، وصار ينادي بالإلحاد.
2 - يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلِّص للبشرية من مآسيها وآلامها، وأنه يتحمَّل عنهم خطاياهم.
3 - يقولون: قد دلَّ على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء، ويدعونه (نجم بوذا).
4 - يقولون: لما ولد بوذا فرحت جنود السماء، ورتَّلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك.
5 - يقولون بقانون الجزاء، وإنكار البعث واليوم الآخر؛ فهم يرون أن الإنسان لا بدَّ له من الجزاء على أعماله خيراً وشرًّا، لكنهم يرون ذلك يحدث في الحياة الدنيا، لذلك فهم ينكرون البعث، وينكرون الجنة والنار.
6 - يعتقدون أن هيئة بوذا قد تغيرت في آخر أيامه؛ حيث نزل عليه نور أحاط برأسه، وأضاء من جسده نور عظيم؛ فقال الذين رأوه: ما هذا بشرا إن هو إلا إله عظيم.
7 - يصلي البوذيون لبوذا، ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة، وتُؤَدَّى الصلاةُ عندهم في اجتماعات يحضرها كثير من أتباعه.
8 - لما مات بوذا قال أتباعه: صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض.
9 - يقولون بتناسخ الأرواح: وذلك ناتج عن كفرهم باليوم الآخر؛ حيث قادهم ذلك إلى القول بتناسخ الأرواح؛ فهم يعتقدون أن من مات انتقلت روحه إلى حي جديد؛ فإذا مات الثاني انتقلت إلى الثالث، وهكذا إلى ما لا نهاية له؛ ثم يزعمون - بناء على قانون الجزاء - أن الروح تلقى جزاءها من النعيم أو الشقاء أثناء تنقلها من جسم إلى جسم.
وهذا الاعتقاد سرى إلى كثير من الأديان والفرق التي تقول بالتناسخ.
10 - يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض؛ ليعيد السلام والبركة إليها.
11 - في تعاليم بوذا الدعوة إلى المحبة، والتسامح، والتعامل بالحسنى، والتصدق على الفقراء، وترك الغنى والترف، وحمل النفس على التقشف والخشونة، وفيها تحذير من النساء، والمال، وترغيب في البعد عن الزواج.
12 - ويرى بوذا أن أساس التدين هو التأمل ومقاومة النزعات، وقد وضع أربع حقائق أساسية في زعمه وهي:
أ - الحياة هي العناء.
ب - الشهوات هي أصل هذا العناء.
جـ - يتوقف العناء عندما تتوقف الشهوات.
د - إبطال الشهوات، ويتمُّ باتباع ما سمَّاه بالصراط النبيل، ويقوم هذا الصراط على توافر الصحة، والصواب في الاعتقاد، والعزم، والقول، والسلوك، والمهنة التي تتخذ لكسب العيش، والجهد، والتأمل الفكري والروحي.
وبهذه الذاتية الروحية الفكرية السلوكية يصل إلى النرفانا وهي السعادة القصوى، وعندها تبطل الشهوات، والعواطف ويتوقف تناسخ الأرواح؛ فالبوذي السعيد هو الذي ينجو من الدوران في محيط الولادة والموت؛ إذ يصل إلى النرفانا حيث لا ولادة ولا موت، وهذه المرحلة هي انعدام التناسخ الذي هو من ضرورات النفس الشقية.
ويُروى أن بوذا توصَّل إلى ذلك خلال ست سنوات من تحمل العناء ورياضة النفس، وأنه أنفق السنوات الخمس والأربعين الباقية من عمره في تعليم ما أنتهى إليه من تجربته.
فالنرفانا - إذاً - يبلغها البوذي بعد أن يحطِّم جميع القيود والأغلال التي تُقيِّد نفسه، وتمنعها من إدراك الحقائق، ويعرض عن شهوة البقاء، ويتملَّكُه عقل هادئ مطمئن لا يتسرَّب إليه الخطأ، ويتجرَّد عن كل الأماني والرغبات والجهالات وأسباب الخديعة والإغراء.
بعد هذا كله يبلغ البوذي طور النرفانا.
وقد قيل: إن النرفانا هي الاتحاد بالإله، ولكن البوذية لا تعرف إلهاً.
13 - التسول والبطالة: فمن تعاليم البوذية أنها توصي أتباعها بالتخلي عن أموالهم وعقاراتهم وحرفهم، وتوصيهم بمد اليد للآخرين بالتسول والاستجداء؛ فهم يعيشون على البطالة والكسل.
وهذه تعاليمُ لا تستقيم معها الحياة، ولا ترتقي بها الأمم بخلاف الإسلام؛ فإنه دين يأمر بالعمل والنشاط والقوة، وينهى عن الكسل والبطالة.
هذه نبذة عن عقائد البوذية ويلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من المعتقدات.
الأفكار والمعتقدات:
يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلِّص للبشرية من مآسيها وآلامها، وأنه يتحمَّل عنهم جميع خطاياهم.
يعتقدون أن تجسُّد بوذا قد تمَّ بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا.
ويقولون: إنه قد دلَّ على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء. ويدعونه نجم بوذا.
ويقولون أيضاً: إنه لما ولد بوذا فرحت جنود السماء، ورتَّلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك.
وقد قالوا: لقد عرف الحكماء بوذا وأدركوا أسرار لاهوته، ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى حيَّاهُ الناس، وقد قال بوذا لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً.
وقالوا: دخل بوذا مرة أحد الهياكل فسجدت له الأصنام. وقد حاول الشيطان إغواءه فلم يفلح.
ويعتقد البوذيون أن هيئة بوذا قد تغيَّرت في آخر أيامه، وقد نزل عليه نور أحاط برأسه. وأضاء من جسده نور عظيم فقال الذين رأوه: ما هذا بشراً إن هو إلا إله عظيم.
يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبر من الأتباع.
لما مات بوذا قال أتباعه: صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض.
يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها.
يعتقدون أن بوذا هو الكائن العظيم الواحد الأزلي وهو عندهم ذاتٌ من نور غير طبيعية، وأنه سيحاسب الأموات على أعمالهم.
يعتقدون أن بوذا ترك فرائض ملزمة للبشر إلى يوم القيامة، ويقولون: إن بوذا أسس مملكة دينية على الأرض.
قال بعض الباحثين: إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية، وأنه كان يقول بالتناسخ.
الجانب الأخلاقي في الديانة البوذية:
في تعاليم بوذا دعوة إلى المحبة والتسامح، والتعامل بالحسنى، والتصدق على الفقراء، وترك الغنى والترف، وحمل النفس على التقشف والخشونة، وفيها تحذير من النساء والمال، وترغيب في البعد عن الزواج.
يجب على البوذيِّ التقيد بثمانية أمور حتى يتمكَّن من الانتصار على نفسه وشهواته:
1 - الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من سلطان الشهوة واللذة، وذلك عند الإقدام على أي عمل.
2 - التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالأهواء.
3 - الإشراق الصحيح المستقيم.
4 - الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان إلى ما يقوم به.
5 - مطابقة اللسان لما في القلب.
6 - مطابقة السلوك للقلب واللسان.
7 - الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات.
8 - الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملاذ.
في تعاليم بوذا أن الرذائل ترجع إلى أصول ثلاثة:
1 - الاستسلام للملاذ والشهوات.
2 - سوء النية في طلب الأشياء.
3 - الغباء وعدم إدراك الأمور على وجهها الصحيح.
من وصايا بوذا: لا تقض على حياة حي، لا تسرق ولا تغتصب، لا تكذب، لا تتناول مسكراً، لا تزن، لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه، لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء، لا تتخذ طبيباً، لا تقتن فراشاً وثيراً، لا تأخذ ذهباً ولا فضة.
ينقسم البوذيون إلى قسمين:
1 - البوذيون المتدينون: وهؤلاء يأخذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته.
2 - البوذيون المدنيون: هؤلاء يقتصرون على بعض التعاليم والوصايا فقط.
الناس في نظر بوذا سواسية لا فضل لأحد إلا بالمعرفة، والسيطرة على الشهوات.
وقد احتفظت البوذية ببعض صورها الأولى في منطقة جنوب آسيا، وخاصة في سيلان وبورما، أما في الشمال وعلى الأخص في الصين واليابان فقد ازدادت تعقيداً، وانقسمت إلى مذهبين هما:
1 - مذهب ماهايانا (مذهب الشمال) ويدعو إلى تأليه بوذا وعبادته وترسُّم خطاه.
- مذهب هنايانا (مذهب الجنوب) وقد حافظ على تعاليم بوذا، ويعتبر أتباع هذا المذهب أن بوذا هو المعلم الأخلاقي العظيم الذي بلغ أعلى درجة من الصفاء الروحي.
وقد عبَّروا عن بلوغ النفس الكمال الأسمى والسعادة القصوى، وانطلاقها من أسر المادة، وانعتاقها من ضرورة التناسخ بالينرفانا، وتعني الخلاص من أسر المعاناة والرغبة، واكتساب صفاء الدين والروح، والتحرر من أسر العبودية واللذة، وانبثاق نور المعرفة عن طريق تعذيب النفس، ومقاومة النزعات، مع بذل الجهد والتأمل والتركيز الفكري والروحي، وهو هدف البوذية الأسمى.
علاقتهم بالمسلمين الآن لا تحمل طابع العداء العنيف، ويمكن أن يكونوا مجالاً خصباً للدَّعوة الإسلامية.
كتب البوذية: كتبهم ليست منزلة، ولا هم يدَّعون ذلك، بل هي عباراتٌ منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله، سجَّلها بعض أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين، فبوذيو الشمال اشتملت كتبهم على أوهام كثيرة تتعلَّق ببوذا، أما كتب الجنوب فهي أبعد قليلاً عن الخرافات، تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسام:
1 - مجموعة قوانين البوذية ومسالكها.
2 - مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا.
3 - الكتاب الذي يحوي أصل المذهب والفكرة التي نبع منها.
وتعتمد جميع كتبهم على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال، وتختلف في الصين عنها في الهند؛ لأنها تخضع لتغيرات الفلاسفة.
شعار البوذية عبارة عن قوس نصف دائري وفي وسطه قائم ثالث على رأسه ما يشبه الوردة، وأمام هذا التمثال صورة مجسمة لجرة الماء، وبجوارها فيل يتربع عليه بوذا في لباسه التقليدي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ليس هناك ما يثبت أن للبوذية جذوراً فكرية أو عقائدية، إلا أن الناظر في الديانات الوضعية التي سبقتها أو عاصرتها يجد بينها وبين البوذية شبهاً من بعض الجوانب مثل:
الهندوسية: في القول بالتناسخ والاتجاه نحو التصوف.
الكونفوشيوسية: في الاتجاه إلى الاعتناء بالإنسان، وتخليصه من آلامه.
ينبغي أن يلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية، وبخاصة فيما يتعلق بظروف ولادة المسيح وحياته والظروف التي مرَّ بها بوذا مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من معتقدات هذه الأخير
مراحل انتشار البوذية:
إن التاريخ الإجمالي للبوذية يقرِّر أن هذه الديانة واصلت سيرها طوال خمسة وعشرين قرنا، وفي خلال هذه الفترة الطويلة تطورت البوذية سواء من ناحية العقيدة أو التطبيق أو الأدب أو المؤسسات المرتبطة بها، كالمعابد والمعاهد، وقد اقتحمت البوذية حوالي ثلاثين قطرا في آسيا، وكان تأثيرها عظيما في آداب هذه الأقطار وفي اتجاهاتهم الدينية، ومنذ القرن التاسع عشر اتصل الفكر البوذي ببعض دول أوربا، فأصبح للفكر البوذي أثره في الفلسفة الغربية والأدب الأوربي والموسيقى وغيرها من الفنون الثقافية.
ذلك مجمل القول نحو تمدد البوذية وانتشارها ولكن إعطاء تفاصيل عن هذا الانتشار يكاد يكون أمرا متعذرا لقلة المادة الدقيقة عنه،
الانتشار ومواقع النفوذ:
الديانة البوذية منتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية، حيث يدين بها أكثر من ستمائة مليون نسمة، ولهم معبد ضخم في كاتمندو بالنيبال، وهو عبارة عن مبنى دائري الشكل، وتتوسطه قبة كبيرة وعالية، وبها رسم لعينين مفتوحتين وجزء من الوجه، ويبلغ قطر المبنى (40) متراً، أما الارتفاع فيزيد عن خمسة أدوار مقارنة بالمباني ذات الأدوار، والبوذية مذهبان كما تقدم:
المذهب الشمالي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتبت ونيبال وسومطره.
المذهب الجنوبي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة البالية، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام.
ويمكن تقسيم انتشار البوذية إلى خمس مراحل:
1 - من مطلع البوذية حتى القرن الأول الميلادي، وقد دفع الملك آسوكا البوذية خارج حدود الهند وسيلان.
2 - من القرن الأول حتى القرن الخامس الميلادي، وفيها أخذت البوذية في الانتشار نحو الشرق إلى البنغال، ونحو الجنوب الشرقي إلى كمبوديا وفيتنام، ونحو الشمال الغربي إلى كشمير، وفي القرن الثالث اتخذت طريقها إلى الصين وأواسط آسيا، ومن الصين إلى كوريا.
3 - من القرن السادس حتى القرن العاشر الميلادي، وفيه انتشرت في اليابان ونيبال والتبت، وتعدُّ من أزهى مراحل انتشار البوذية.
4 - من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر، وفيها ضعفت البوذية، واختفى كثير من آثارها؛ لعودة النشاط الهندوسي وظهور الإسلام في الهند، فاتجهت البوذية إلى لاوس ومنغوليا وبورما وسيام.
5 - من القرن السادس عشر حتى الآن، وفيه تواجه البوذية الفكر الغربي بعد انتشار الاستعمار الأوروبي، وقد اصطدمت البوذية في هذه الفترة بالمسيحية ثم بالشيوعية بعد أن صار الحكم في أيدي الحكومات الشيوعية.
ملخص البوذية
الـــتعريـــف:
هي ديانة ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية في القرن الخامس قبل الميلاد. كانت في بدايتها متوجهة إلى العناية بالإنسان كما أن فيها دعوة إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير لكنها لم تلبث بعد موت مؤسسها أن ألهوه.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
أسسها سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا (560-480ق.م) وبوذا تعني (العالم) ويلقب أيضا بسكيا موني ومعناه المعتكف. وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال، وكان أميرا فشب مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون ورياضة النفس وعزم على أن يعمل على تلخيص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات ثم دعا إلى تبني وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون.
الأفكار والمعتقدات:
- يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلص للبشرية من مآسيها وآلامها وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم.
- يعتقدون أن تجسد بوذا كان بواسطة حلول روح القدس على العذراء "مايا".
- يقولون: قد دل على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء ويدعونه "نجم بوذا".
- يقولون: لما ولد بوذا فرحت جنود السماء ورتلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك.
- قالوا: لقد عرف الحكماء بوذا وأدركوا أسرار لاهوته. ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى حياهُ الناس، وقد قال بوذا لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً.
- قالوا: دخل بوذا مرة أحد الهياكل فسجدت له الأصنام. وقد حاول الشيطان إغواءه فلم يفلح.
- يعتقدون أن هيئة بوذا قد تغيرت في آخر أيامه وقد نزل عليه نور أحاط برأسه. وأضاء من جسده نور عظيم فقال الذين رأوه: ما هذا بشراً إن هو إلا إله عظيم.
- يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنهم سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبير من الأتباع.
- لما مات بوذا قال أتباعه: صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض.
- يعتقدون أن بوذا هو الكائن العظيم الواحد الأزلي وهو عندهم ذات من نور غير طبيعية، وأنه سيحاسب الأموات على أعمالهم.
- يعتقدون أن بوذا ترك فرائض ملزمة للبشر إلى يوم القيامة. ويقولون إن بوذا أسس مملكة دينية على الأرض.
- يقول بعض الباحثين إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإِنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ.
- في تعاليم بوذا دعوة إلى المحبة والتسامح والتعامل بالحسنى والتصدق على الفقراء وترك الغنى والترف وحمل النفس على التقشف والخشونة وفيها تحذير من النساء والمال وترغيب في البعد عن الزواج.
- يجب على البوذي التقيد بثمانية أمور حتى يتمكن من الانتصار على نفسه وشهواته:
1- الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من سلطان الشهوة واللذة وذلك عند الإِقدام على أي عمل.
2- التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالأهواء.
3- الإِشراق الصحيح المستقيم.
4- الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان إلى ما يقوم به.
5- مطابقة اللسان لما في القلب.
6- مطابقة السلوك للقلوب واللسان.
7- الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات.
8- الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملاذ.
- في تعاليم بوذا أن الرذائل ترجع إلى أصول ثلاثة:
1- الاستسلام للملاذ والشهوات.
2- سوء النية في طلب الأشياء.
3- الغباء وعدم إدراك الأمور على وجهها الصحيح.
- من وصايا بوذا:
1- لا تقضِ على حياة حي.
2- لا تسرق ولا تغتصب.
3- لا تكذب.
4- لا تتناول مسكراً.
5- لا تزن.
6- لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه.
7- لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء.
8- لا تتخذ طيباً.
9لا تقتن فراشاً وثيراً.
10- لا تأخذ ذهباً ولا فضة.
- ينقسم البوذيون إلى قسمين:
أ- البوذيون المتدينون: وهؤلاء يأخذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته.
ب- البوذيون المدنيون: هؤلاء يقتصرون على بعض التعاليم والوصايا فقط.
- الناس في نظر بوذا سواسية لا فضل لأحد إلا بالمعرفة والسيطرة على الشهوات.
- للبوذية مذهبان كبيران:
1- المذهب الشمالي: وقد غالى أهله في بوذا حتى ألهوه.
2- المذهب الجنوبي: وهؤلاء معتقداتهم أقل غلواً في بوذا.
- علاقتهم بالمسلمين الآن لا تحمل طابع العداء العنيف ويمكن أن يكونوا مجالاً خصباً للدّعوة الإِسلامية.
- كتب البوذية: كتبهم ليست منزلة ولا هم يدَّعون ذلك بل هي عبارات منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله سجلها بعض أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين، فبوذيو الشمال اشتملت كتبهم على أوهام كثيرة تتعلق ببوذا أما كتب الجنوب فهي أبعد قليلاً عن الخرافات.
- تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسام:
1- مجموعة قوانين البوذية ومسالكها.
2- مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا.
3- الكتاب الذي يحوى أصل المذهب والفكرة التي نبع منها.
الجـذور الفــكرية والعقائــدية:
ليس هناك ما يثبت أن للبوذية جذوراً فكرية أو عقائدية إلا أن الناظر في الديانات الوضعية التي سبقتها أو عاصرتها يجد بينها وبين البوذية شبهاً من بعض الجوانب مثل:
1- الهندوسية: في القول بالتناسخ والاتجاه نحو التصوف.
2- الكنفوشيوسية: في الاتجاه إلى الاعتناء بالإِنسان وتخليصه من آلامه.
3- ينبغي أن يلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية وبخاصة فيما يتعلق بظروف ولادة المسيح وحياته والظروف التي مرّ بها بوذا مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من معتقدات هذه الأخيرة.
الانتشــار ومواقــع النفــوذ:
الديانة البوذية منتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية وهي مذهبان كبيران كما تقدم:
1- المذهب الشمالي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتبت ونيبال وسومطره.
2- المذهب الجنوبي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة البالية، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام.
ويتضح مما سبق:
أن البوذية فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية، وقامت على أساس أن بوذا هو ابن الله، ومخلِّص البشرية من مآسيها، وقد قال لأمه وهو طفل: إنه أعظم الناس جميعاً. ولما مات بوذا قال أتباعه: إنه صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض، وإنه سيرجع ثانية إلى الأرض؛ ليعيد السلام والبركة إليها. ويقول البعض: إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ. وتعتمد جميع كتب البوذيين على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال، وتختلف البوذية في الصين عنها في الهند بحسب نظرة الفلاسفة.
مراجع للتوسع:
- الملل والنحل جـ2، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني.
- مقارنة الأديان (الديانات القديمة)، محمد أبو زهرة.
- في العقائد والأديان، د. محمد جابر عبد العال الحيني.
- المجلة العربية: مقال للدكتور محمد بن سعد الشويعر.
- المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب، للعميد عبد الرزاق أسود.
- أديان الهند الكبرى - أحمد شلبي.
- حضارة الهند - غوستاف لوبون.
- أديان العالم الكبرى - حبيب سعيد.
- دائرة معارف القرن العشرين - محمد فريد وجدي.
- الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة - عبد القادر شيبة الحمد.
السيخية
التعريف:
السيخ: جماعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر، وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، داعين إلى دين جديد، زعموا أن فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية، تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمون). وقد عادى المسلمين خلال تاريخهم، وبشكل عنيف، كما عادى الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند. وكلمة سيخ كلمة سنسكريتية تعني المريد أو التابع.
والسيخية دين هندوسي ظهر في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) على يد رجل يدعى (نانك)، أصله من طبقة الكاشتريا، قضى صدرا من حياته في التأمل والتفكر، ورفضت فطرته عبادة الأصنام والتماثيل التي تكثر عن الهندوس، كما رفضت نظام الطبقات المقيت، فأخذ يسيح في الأرض باحثا عن الحقيقة، وأراد أن يتعلَّم الإسلام، ولكن المسلمين في بلاده (البنجاب) كانوا يعبدون الأولياء، ويقدِّسون الأضرحة، كما يفعل الهندوس بالأصنام، فلم يجد (نانك) فرقا كبيرا بين الطائفتين، ولم يوفق لمقابلة من يعلمه الإسلام الصحيح.
ثم إنه لقي صوفيا من أصحاب وحدة الوجود يُدعى (سيد حسين درويش) فتعلَّم منه أن الأديان كلها حق؛ لأن الأصنام ما هي إلا مظاهر وتجليات للحق، ومن عبدها فإنما يعبد الله في الحقيقة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فأعجب ذلك الضال الحائر بهذه العقيدة، وآمن بها، وأخذ يدعو إلى دين جديد، لا هو الهندوسية ولا الإسلام، وزار معابد الهندوس وأضرحة الأولياء، وناظر الكهنة والشيوخ داعيا إلى عقيدته، ويقال: إنه حجَّ إلى مكة وزار العراق أيضا.
وكان (السيخ) ومعنى كلمة السيخ: (السيد) أو (الفارق)، وظلَّ السيخ على طريقة صوفية إلى أن جاء أحد أحفاد (نانك) في القرن الحادي عشر الهجري، فحوَّلهم إلى جماعة حربية منظمة، وغيَّر الاسم من سيخ إلى (سنغ) (وكلمة سنغ معناها: أسد) ولكن اسمهم القديم بقي هو الأشهر، ومنذ ذلك الحين أصبح السيخ أمة شديدة البأس حربية الطبع، وعاشوا في حروب مستمرة مع جيرانهم من الهندوس والمسلمين.
ولما احتلَّ الإنجليز الهند دخل السيخ في طاعتهم، وظلُّوا مخلصين في الولاء لهم، وسخَّرهم الإنجليز لحرب الهندوس والمسلمين.
ولما قُسِّمت الهند إلى دولتي الهند وباكستان، كان السيخ من ضمن المناطق الهندية، لا سيما عاصمتهم المقدسة ذات المعبد الذهبي، وبذلك كانوا ما يزالون من أكبر أسباب الاضطراب والشغب في الهند، كما أنهم يشابهون اليهود في شدة عداوتهم للإسلام.
المؤسس:
المؤسس الأول ناناك، ويدعَى (غورو) أي: المعلم، ولد سنة (1469) م, في قرية ري بوي دي تلفندي التي تبعد (40) ميلاً عن لاهور، كانت نشأته هندوسية تقليدية.
لما شبَّ عمل محاسباً لزعيم أفغاني في (سلطانبور)، وهناك تعرف على عائلة مسلمة ماردانا كانت تخدم هذا الزعيم. وقد أخذ ينظم الأناشيد الدينية، كما نظّم مقصفاً ليتناول المسلمون والهندوس الطعام فيه.
درس علوم الدين، وتنقل في البلاد، كما قام بزيارة مكة والمدينة، وزار أنحاء العالم المعروفة لديه، وتعلَّم الهندية والسنسكريتية والفارسية.
ادَّعى أنه رأى الرب حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام، ظهر بعدها معلناً (لا هندوس ولا مسلمون).
كان يدَّعي حب الإسلام، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين، فأنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية، وبعض الدارسين ينظرون إليه على أنه كان مسلماً في الأصل، ثم ابتدع مذهبه هذا.
أنشأ المعبد الأول للسيخ في كارتاربور بالباكستان حاليا، وقبل وفاته عام (1539) م عيَّن أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة ديرة باباناناك من أعمال البنجاب الهندية الآن، ولا يزال له ثوب محفوظ فيه مكتوب عليه سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة من القرآن.
خلفه من بعده عشرة خلفاء معلمون، آخرهم غوبند سنغ (1675 - 1708) م, الذي أعلن انتهاء سلسلة المعلمين.
صار زعماؤهم بعد ذلك يعرفون باسم المهراجا، ومنهم المهراجا رانجيت سنغ المتوفى سنة (1839) م.
أئمة السيخ وخلفاؤهم:
خلف نانك خلفاء وأئمة للسيخ، وعددهم تسعة، وهم:
1 - الإمام الثاني للسيخ (خليفة نانك) (أنغد) (1504 - 1552) م:
ولد (أنغد) في زمن الملك (إسكندر اللودي) في فيروز فور عام (1504) م، وخلف (نانك) بعد وفاته، وعمره يومئذ خمسة وثلاثون عاماً.
2 - الإمام الثالث (أمرداس) (1479 - 1574) م:
وهو الذي نجح في إدخال كثير من التعاليم السيخية الجديدة التي تميزهم عن الهندوس، فمهدت تلك التعاليم بعد ذلك للفصل بين العقيدتين، وكسر جسور الانتساب لهم، فأقام طقوساً خاصة بالمواليد والوفيات تختلف عن طقوس الهندوس.
كذلك أبطل عزلة المرأة، ودافع عن الزواج بواحدة، وشجَّع الاتصالات بين الطبقات، وزواج الأرامل من النساء.
كما منع بشدة ممارسة عادة الساتي ( sait) أو حرق النساء الأرامل بعد موت أزواجهن.
3 - ثم خلف (أنغد) (رام داس) (1534 - 1581) م: في عهد الإمبراطور (همايون).
4 - الخليفة الخامس (أرجون) (1563 - 1606) م:
أنجب (رام داس) ثلاثة من البنين، واستخلف على سرير الخلافة أصغر أبنائه (أرجن).
ولد أرجن في زمن الإمبراطور المغولي (أكبر) في عام (1573) م في مدينة (غوبندال)، وكرَّس جهوده بعد الاستخلاف لتجميع صفوف السيخ وتوحيدها، ودخل في عهده آلاف الناس في الديانة السيخية.
5 - الخليفة السادس (هرغوبند) (1595 - 1644) م:
وظهر أمام الدنيا كملك لا كناسك، وجعل في حقويه سيفين.
6 - الخليفة السابع (هر راي) (1630 - 1661) م:
نصب (هرغوبند) حفيده (هر راي) خليفة له، ولم يحصل في زمانه كبير شيء، وتوفي وهو ابن إحدى وثلاثين سنة.
7 - الخليفة الثامن (هر راي كرشن) (1656 - 1664) م:
ثم جلس على سرير الخليفة ابن (هر راي)، (هر كرشن).
8 - الخليفة التاسع (تيغ بهارد) (1621 - 1675) م:
ثم جلس على سرير الملك (تيغ بهارد) أصغر أولاد (هاري غوبند) (الخليفة السادس).
9 - الخليفة العاشر والأخير (غوبند) (1666 - 1708) م:
ولما قُتل (تنغ بهادر) خلفه ابنه (غوبند) وهذا الخليفة كان من أشجع خلفاء السيخ، وأخبرهم بأمور الحرب، وهو الذي صرف همَّه كله لتوحيد صفوف السيخ، وبثَّ فيهم روح العداء للمسلمين، وفتح الباب لجميع من أراد الدخول في الديانة السيخية، ولم يفرِّق بين الطبقات، فدخل الناس في دينه أفواجا.
ثم جعل لقومه زيًّا خاصاً يتميزون به عن الآخرين، وأوجب على كلِّ سيخي أن يتخذ لديه قطعة من الحديد؛ وذلك دليلاً على شجاعته وصلابته، وألا يحلق شيئاً من شعر جلده، وأن يكون عنده مشاطة، وأوجب تعظيم البقرة، ورفع القيود عن المأكل والمشرب حتى أباح الخمر، وأوجبَ على كلِّ سيخي إذا قابل أخاه أن يقول: -بول واه غرو جي كا خالصة- ومعناها: لتحيا فكرة حرية الحرية - غوبند رائي، والآخر يرد: - سرى واه غرو جي كي فتح- ومعناها: يا للعظمة لفتوح الشيخ.
واتخذ مع اسمه لقب (سنغ) أي: الأسد، ثم أطلق هذا اللفظ على كل سيخي، فما منهم من أحد إلا وفي اسمه سنغ، وهو الذي لقَّب السيخ بـ: (الخالصة) أي: القوم الأحرار.
وهو الذي فصل الأمة السيخية عن الأمة الهندوسية فصلاً تامًّا.
وفي عهده أصبح السيخ أعدى أعداء المسلمين، وصاروا يسعون للانتقام منهم في كل فرصة سنحت لهم.
وقد نسجت حول شخصيته حكايات عجيبة غريبة تتحدث عن شجاعته وهمته، حتى أنه يقال: إنه قاتل الأعداء إلى أربعة عشر ميلاً في الميدان بعد أن فُصِل رأسُه عن جسده، والحاملُ إذا سمعت اسمه ألقت ما في بطنها. وغيرها من الحكايات.
فلا شك أنه وحَّد قومه وجمعهم على بغض المسلمين وكرههم، وجعل في قتال المسلمين مجداً وشرفاً، ولا يتخلفون عنه أبداً.
وكان (غوبند رائي) آخر الخلفاء العشرة، وانتهت به سلسلة الخلافة في الديانة السيخية.
وانقسم السيخ في هذه الأيام إلى طائفتين لكل منهما أتباع، وتتقاتلان فيما بينهما أحياناً، وليست حقيقتهما إلا مثل (الكاثوليك) و (البروتستانت) عند النصارى.
فطائفة (آكلي خالصة) تعتقد أن الوصول إلى الألوهية لا يمكن إلا بالطريق التي سلكها مؤسس الديانة وخلفاؤه، وأنه يجب اتباع التقاليد والعادات الموروثة فيهم.
وتعتقد في أن كل سيخي إنما هو (سنت) أي: ناسك، وليس (سباهيا) أي جنديًّا؛ فيحرم عليه حمل السلاح إلا إذا طلبت منه الحكومة، وأن سلسلة الخلافة انتهت بموت الخليفة العاشر، وغير ذلك من العقائد.
وطائفة (نرى كاري) لا توجب التزام التقاليد والعادات الموروثة، وتعتقد في أن سلسلة الخلافة لم تنته، وإنما توقفت لمدة، وأن الخليفة الحالي هو (باب غربشن سنغ) ويجب اتباعه فيما أمر ونهى، وأن حمل السلاح ليس محرماً عليهم، بل إذا استطاع فليحمل السلاح معه دائماً؛ للحفاظ على نفسه، وغير ذلك من معتقداتهم.
بقي أن تعرف أن مقصودهم من حمل السلاح هو الحماية من المسلمين ومن معتقداتهم، وأنه لا بد للسيخي قبل أن يموت أن يقتل مسلماً حتى يحوز على رضا الإله. ولقد وقفوا مع الإنجليز، بل انضمُّوا إليهم في حربهم ضد الأفغان سنة 1838م (1).
خلفية فكرية:
يدعون إلى الاعتقاد بخالق واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وينادون بالمساواة بين الناس.
يؤكِّدون على وحدانية الخالق الحي الذي لا يموت، والذي ليس له شكل، ويتعدَّى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء للإله، منها واه غورو والجاب، وأفضلها عند ناناك (الخالق الحق) وكل ما عداه وَهْمٌ (مايا).
يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون بعبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر الغانج، وقد انفصلوا تدريجيًّا عن المجتمع الهندوسي حتى صارت لهم شخصية دينية متميزة.
أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حرَّم لحم البقر مجاراة للهنادكة.
أصول الدين لديهم خمسة بانج كهكها، أي: الكافات الخمس ذلك أنها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية، وهي:
1 - ترك الشعر مرسلاً بدون قص من المهد إلى اللحد، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد التجسس.
2 - أن يلبس الرجل سواراً حديداً في معصميه، بقصد التذلل والاقتداء بالدراويش.
3 - أن يلبس الرجل تباناً، وهو أشبه بلباس السباحة تحت السراويل رمزاً للعفة.
4 - أن يضع الرجل مشطاً صغيراً في شعر رأسه، وذلك لتمشيط الشعر وترجيله وتهذيبه.
5 - أن يتمنطق السيخي بحربة صغيرة أو خنجر على الدوام، وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به عن نفسه إذا لزم الأمر.
يُعتقد بأن هذه الأمور ليست من وضع ناناك، بل هي من وضع الخليفة العاشر غوبند سنغ الذي حرَّم أيضاً التدخين على أتباعه، ويقصد بهذه الأمور التميز عن جميع الناس.
معلمو السيخ ينكرون المعجزات والقصص والخرافات ذات الأساطير، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد خلَّد السيخ معابد لهم (غور دوارا) مبنية على قصص تتحدث عن معجزات وقعت للمعلم ويسمَّى عندهم غورو، درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدلُّ - في نظرهم - على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الإله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون.
يعتقدون بأن ترديد أسماء الإله الناما يطهر المرء من الذنوب، ويقضي على مصادر الشر في النفوس، وإنشاد الأناشيد كيرتا، والتأمل بتوجيه من معلم غورو كل هذا يؤدي إلى الاتصال بالإله.
يعتقدون بأن روح كل واحد من المعلمين تنتقل منه إلى المعلم التالي له.
هناك بعض التنبؤات واسمها ساوساكي المائة قصة، والمنسوبة إلى المعلم غوبند سنغ، والتي تدور حول الانقلابات في الحكم القائم، ومجيء مخلِّص ينشر السيخية في جميع أنحاء العالم.
يؤمنون بولادة الإنسان وموته، ثم إعادة ولادته كارما، بحيث تتقرر حياة الإنسان المستقبلية على ضوء حياته السابقة، ويتوقف خلاصه على هذه المرحلة.
إن توجيه المعلم غورو أساسي للوصول إلى مرحلة الانعتاق موكا.
يقدسون العدد خمسة الذي له معنى صوفي في أرض البنجاب، أي: الأنهار الخمسة.
الخلافات الدينية يحلُّها مجلس ديني يعقد في أمر تيسار، وقرارات هذا المجلس لها قوة روحية.
ليس لديهم طبقة دينية مشابهة للبراهمة الهندوس؛ إذ إنهم - عموماً - يرفضون مبدأ الطبقات الهندوسي، كما يعارضون احتكار طبقة البراهمة للتعاليم الدينية.
يقسِّمون أنفسهم على أساس عرقي .. منهم الجات (قبائل زراعية) وغير الجات، والمذاهبي، وهم المنبوذون، لكن وضعهم أفضل بكثير من وضع المنبوذين لدى الهندوس.
يتزوجون من زوجة واحدة فقط.
أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال في الهند، بالإضافة إلى عيد مولد أول وآخر غورو، وعيد ذكرى استشهاد الغورو الخامس والتاسع.
خالصادال (الباختا):
تعرَّض السيخ لاضطهاد المغول الذين أعدموا اثنين من معلميهم، وقد كان أشد المغول عليهم نادر شاه (1738 - 1839) م, الذي هاجمهم مما اضطرهم إلى اللجوء إلى الجبال والشعاب.
قام غوبند سنغ، وهو المعلم العاشر بإنشاء منظمة الباختا، أي: خالصادال التي سمَّى رجالها (أسوداً) ونساءها (لبؤات).
هدف شباب السيخ أن يصبحوا مؤهَّلين لأن يكونوا من رجال الخالصادال، ويطلعوا على تعاليمها.
إن الخالصادال مجموعة من الشباب الذين يرتبطون بنظام سلوكي ديني قاس، حيث ينصرفون إلى الصلاة والقتال من أجل الحق والعدل الذي يعتقدون به، ممتنعين عن المخدرات والمسكرات والتبغ.
صاروا بعد عام (1761) م, حكاماً للبنجاب، وذلك بعد ضعف المغول، حيث احتلوا لاهور عام (1799) م. وفي عام (1819) م, امتدت دولتهم إلى بلاد الباتان، وقد وصلت إلى ممر خيبر في عهد المهراجا رانجيت سنغ ت (1839) م, متغلبين على الأفغان.
عندما وصل الإنجليز حصلت مصادمات بينهم وبين السيخ، واضطروهم لأن يتراجعوا ويتوقفوا عند نهر سوتلج، واعتبار ذلك حدوداً لدولة السيخ من الناحية الجنوبية الشرقية.
انكسروا بعد ذلك وتراجعوا أكثر، وأجبرهم البريطانيون على دفع غرامة كبيرة، وتسليم جامو وكشمير، كما عيَّنوا في لاهور مقيماً بريطانياً يدير بقية مملكة السيخ.
صاروا بعد ذلك شديدي الولاء للإنجليز، بل ساعدوهم على احتلال البنجاب.
تحوَّل السيخ إلى أداة في أيدي الإنجليز يضطهدون بهم حركات التمرد (1857) م.
حصلوا من الإنجليز على امتيازات كثيرة، منها منحهم أراض زراعية، وإيصال الماء إليها عبر قنوات، مما جعلهم في رخاء مادي يمتازون به عن جميع المقيمين في المنطقة.
في الحرب العالمية الأولى كانوا يشكلون أكثر من (20%) من الجيش الهندي البريطاني.
انضموا إلى حركة غاندي في طلب الحرية، وذلك إثر قيام مشكلات بينهم وبين الإنجليز.
بعد عام (1947) م, صاروا مقسمين بين دولتين: الهند والباكستان، ثم اضطر مليونان ونصف المليون منهم أن يغادروا باكستان إلى الهند إثر صدامات بينهم وبين المسلمين.
ألغت الحكومة الهندية الامتيازات التي حصل عليها السيخ من الإنجليز، مما دفعهم إلى المطالبة بولاية البنجاب وطناً لهم.
على إثر المصادمات المستمرة بين الهندوس والسيخ أمرت أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند في شهر يونيو (1984) م, باقتحام المعبد الذهبي في أمرتيسار، حيث اشتبك الطرفان، وقتل فيه حوالي (1500) شخص من السيخ، و (500) شخص من الجيش الهندي.
وفي يوم (31 أكتوبر 1984) م, أقدم السيخ على قتل رئيسة الوزراء هذه انتقاماً لاقتحام المعبد، وقد حصلت مصادمات بين الطرفين عقب الاغتيال، قتل بسببها عدة آلاف من السيخ يقدرها بعضهم بحوالي خمسة آلاف شخص.
اشتهر السيخ خلال حكمهم بالعسف والظلم والجور والغلظة على المسلمين، من مثل منعهم من أداء الفرائض الدينية والأذان وبناء المساجد في القرى التي يكونون فيها أكثرية، وذلك فضلاً عن المصادمات المسلحة بينهما، والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء.
إضافة إلى ما شرعه (نانك) أحدث خلفاؤه عقائد وعبادات منها ما هو شبيه بالهندوسية، ومنها ما هو قريب الشبه بالإسلام، وجعلوا السيخ أمة متميزة حتى الشعار واللباس،
وهذه هي أهم عقائد السيخ:
1 - الإيمان بعبادة رب واحد خالق، وإنكار عبادة الأصنام.
2 - الإيمان بأن إمامهم (ويسمونه الكورو) يتوسط بين الرب والخلق.
3 - الإيمان بالكتاب المقدس عندهم المسمى (كرانته).
4 - الإيمان بالتناسخ كما هو عند الهندوس.
5 - الحج إلى المعبد الذهبي (أمرتسار) والاستحمام في حوضه الذي يعتقدون فيه مثلما يعتقد الهندوس في نهر (الكانج).
ولعل أبرز عقائد السيخ - غير ما ذُكر - ما يُعرف بالقواعد الخمس للقبيلة السيخية التي يعتمدون عليها اعتماداً كليًّا، وهي أصول الدين لديهم.
وقد سُمِّيت تلك القواعد أو الشارات بالكافات الخمس أو بانج كهكها؛ لأن كلَّ واحدة منها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية، وهي:
- الكيش: اقتداء بشمشون الجبار الذي اشتهر عندهم بأنَّ قدرته الخارقة تَكْمُن في شعر رأسه المسترسل؛ فقد أرخى - على هذا الأساس - السيخية شعور رؤوسهم، وأطالوا لحاهم؛ تقيداً بالقاعدة الأولى الكيش: (عدم مساس الشعر بمقص).
- الكانغا: القاعدة الثانية، وهي عبارة عن الضفائر المجدولة فوق الرأس، وذلك تعويضاً عن المشط، ولكي يكونوا على أهبة الاستعداد لنجدة الطائفة، وذلك يتطلب مهارة في الحركة والوثب (المشط يحمله كل فرد).
- الكاتشا: وهي عبارة عن تحريم ارتداء (الدوتي الهندي) وهو قماش فضفاض يلف حول الجسد فيعوق الحركة؛ لذلك عُدَّ هذا الزي الباهظ الثمن محرماً، ووضع مكانه (الكاتشا) وهو سروال متسع يضيق عند الركبتين للنساء والرجال على السواء: (ارتداء السروال العسكري).
- الكارا: وتيمناً بفضائل نانك الذي لم يعرف البهرجة، حُرمت السيخية الزينة والحلي والجواهر، واكتفوا بسوار حديدي يُلفُّ حول المعصم ويُدعى (الكارا)، والذي اعتمد على التقليد المتوارث، والقائل بأن الحديد يبعد إغواء الشيطان (وضع السوار الفولاذي في اليد اليمنى).- الكريبان: أما القاعدة الخامسة والأخيرة، فقد دعت إلى تقلد (الكيربان) وهو سيف تنطوي قبضته على الحد المستل الذي لا يبين له أثر إلا عند الحاجة فقط. (حمل المُدى أو السيف ذي الحدين) (1).
كتبهم:
كتاب آدي غرانت، وهو مجموعة أناشيد دينية ألَّفها المعلمون الخمسة الأوائل، وتبلغ نحواً من (6000) نشيد ديني، كما ضمَّ إليها المعلم الأخير غوبند سنغ (115) نشيداً، نظمها أبوه تيغ بهادور، كما تحتوي على أناشيد نظمها شيوخ من الخالصادال الباختا وبعض رجال الصوفية المسلمين من مثل ابن الفارض على وجه الخصوص، وبعض شعراء بلاط غورو، وهذا الكتاب هو الكتاب المقدس الذي يعتبر أساس السلطة الروحية لديهم.
أقدم مصدر عن حياة ناناك كتب بعد وفاته بخمسين إلى ثمانين عاماً، ومعظم علماء السيخ يرفضون عدداً من القصص الواردة فيه.
هناك كتابات تاريخية سيخية ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
لهم كتاب مقدس مكتوب باللغة الكورمكية يسمونه كرانته صاحب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ترجع حركتهم في الأصل إلى ظهور حركة فيسنافا باختي التي بدأت بالظهور بين الهندوس في منطقة التأمل، ووصلت إلى الشمال على يد رامانوجا (1050 - 1137) م.
وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وبعد الاحتكاك بالمسلمين، انتشرت هذه الحركة في سهل الغانج.
لذا يقال بأن ناناك (1469 - 1538) م, لم يكن الأول في مذهبه السيخي هذا، وإنما سبقه إليه شخص آخر صوفي اسمه كابير (1440 - 1518) م, درس الدين الإسلامي والهندوكي، وكان حركة اتصال بين الدينين، إذ أراد أن يؤلِّف بينهما عن طريق التوجيه والتأمل الصوفي.
كان كابير هذا يتساهل في قبول كثير من العقائد الهندوكية، ويضمُّها إلى الإسلام شريطة بقاء التوحيد أساساً، لكنه لم يفلح إذ انقرض مذهبه بموته، مخلفاً مجموعة أشعار باللغة البنجابية، تُظهر تمازج العقيدتين المختلفتين الهندوسية والإسلامية، مرتبطتين برباط صوفي يجمع بينهما.
أصل نظريتهم عن الكون مستمدة من النصوص الهندوسية.
إنهم يحرقون موتاهم كالهندوس.
الانتشار ومواقع النفوذ:
لهم بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة، وهي مدينة أمرتيسار من أعمال البنجاب، وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند.
هناك أربعة عروش تتمتع بالقداسة: عقل تخت وهي في أمرتيسار، وأناندبور، وباتنا، وباندد.
لهم في مدينة أمرتيسار أكبر معبد يحجون إليه، ويسمَّى دربار صاحب، أي: مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد فتسمى كرو داوره، أي: مركز الأستاذ.
أكثرية السيخ: وهم الأقلية الثالثة بعد الإسلام والمسيحية، تقطن البنجاب إذ يعيش فيها (85%) منهم، فيما تجد الباقي في ولاية هاريانا، وفي دلهي، وفي أنحاء متفرقة من الهند، وقد استقر بعضهم في ماليزيا وسنغافورة وشرق أفريقيا وإنجلترا والولايات المتحدة وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج العربي بقصد العمل.
لهم لجنة تجتمع كل عام منذ سنة (1908) م، تنشئ المدارس، وتعمل على إنشاء كراسي في الجامعات لتدريس ديانة السيخ ونشر تاريخها.
انشقَّ قسم من السيخ عن الاتجاه العام، متبعين ابن ناناك الأكبر، وسُمُّوا أدواسي؛ إذ يتجه هؤلاء نحو التصوف، أما الخالصادال فلا يؤمنون بانتهاء سلالة الغورو غوبند سنغ العاشر، بل يعتقدون بأن هنالك معلماً حيًّا بين الناس ما يزال موجوداً.
لديهم اعتقاد راسخ بضرورة إيجاد دولة لهم، وأن ذلك أحد أركان الإيمان لديهم، إذ ينشدون في نهاية كل عبادة نشيداً يقولون فيه: (سيحكم رجال الخالصادال) كما يحلمون بأن تكون عاصمتهم في شانديغار.
يقدر عدد السيخ حاليا بحوالي (15) مليون نسمة داخل الهند وخارجها.
ويتضح مما سبق:
إن عقيدة السيخ تعتبر إحدى حركات الإصلاح الديني التي تأثرت بالإسلام، واندرجت ضمن محاولات التوفيق بين العقائد، ولكنها ضلَّت الطريق حيث لم تتعرف على الإسلام بما فيه الكفاية من ناحية، ولأن الأديان ينزل بها الوحي من السماء، ولا مجال لاجتهاد البشر بالتلفيق والتوليف واختيار عناصر العقيدة من هنا وهناك.
وبذلك نكون قد إنتهينا من القسم الأول بعد المقدمة وهو قسم الأديان وسنبدأ بعون الله وتوفيقه فى القسم الثانى وهو قسم الفرق وسيكون الكلام على الفرق الداخلةفى الإسلام ثم الفرق الخارجة عن الإسلام ثم يكون الحديث عن الجماعات الداخلة فى الإسلام الخارجة عن أهل السنة فى القسم الثالث وهو الجماعات ثم أخيرا الحديث عن المذاهب الفكرية المعاصرة بقسميها التى تنتمى للإسلام والتى تخرج عنه وهذا سيكون فى القسم الرابع والأخير إن شاء الله تعالى وبذلك نكون قد عرجنا بشيء من الإختصار لمدخل ودراسة الأديان والفرق والجماعات والمذاهب الفكرية نسأل الله أن ينفعنا وينفع بنا
وصلى الله على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.