البحث العلمي كعامل للتنوع والتغيير - كتاب العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث(مترجم)
البحث العلمي كعامل للتنوع والتغيير
من الصعب على عامة الجمهور أن يدرك الضغوط المتقلبة والمتواصلة، في ذات الوقت، التي تولدت عبر التاريخ بفضلى البحث العلمي، وتسببت في تعديل الطريقة التي يعيش بها الإنسان حياته، وتنويع الاختيارات المتاحة أمامه، وإعادة توجيه فهمه للكون.
غير أن السمة المميزة للأزمنة الحديثة هي أن البحث العلمي مؤتلف مع التكنولوجيا التجريبية قد أديا بلا شك إلى تنوع هائل في المنتجات، وإلى تغييرات هامة في كل من أساليب الإنتاج، وعادات الاستهلاك. على حين أن فهم الإنسان للكون، ولذاته، ولعلاقاته برفاقه من بني البشر قد شهد دفعات من التقدم لم يسبق لها مثيل. وللمرء أن يتأمل فقط، على سبيل المثال، التغييرات التي حدثت في الحراك الجغرافي والاجتماعي في منتصف القرن التاسع عشر خاصة في البلدان المتقدمة صناعيا، مع مجيء الطاقة البخارية والسكك الحديدية- وهي تغييرات تكررت في جميع أنحاء العالم، بل إ ا كانت أكثر روعة مع
اختراع محركات الاحتراق الداخل! والطائرات.
وربما كان هناك، على المستوى غير المادي وفي هذه اللحظة بالذات ، تعبير أهم من ذلك كله آخذ في الحدوث قي اﻟﻤﺠتمع العالمي، ألا وهو الوعي المتزايد بأن العلم والتكنولوجيا يقدمان إضافات واضحة للإرادة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات اﻟﻤﺨتلفة للتحكم في أقدارها، ويوفران لها الوساثل والقوة اللازمتين لتحقيق ذلك، وعلاوة على ذلك يمد العلم والتكنولوجيا اﻟﻤﺠتمعات باختيارات واسعة التنوعلما يمكن أن يكون عليه مصير البشرية. وليست كل الاختيارات المطروحة جيدة. ففي الماضي لم يكن بالوسع التنبؤ بالعواقب اﻟﻤﺠتمعية للتقدم العلمي إطلاقا، ولا كانت تؤخذ في اعتبار المشتغلين بالبحث العلمي في واقع الأمر كما أفها لم تكن متوقعة من جانب أولئك الذين كلفوا الباحثين بالعمل، أو تؤخذ في اعتبارهم. وكانت النتيجة فيضا من النتائج الجامعة غير المرغوب فيها وغير المقصودة للبحوث التي كانت تجرى لأسباب أخرى رباما. ويبدو أن هذه النتائج غير المباشرة ستبقى بدرجة ما كسف دائمة من سمات العمل العلمية. غير أن التخلص من فرسان سفر الرؤيا الأربعة: الحرب، والجسع، والوباء، والموت، من كل بقاع الأرض، يبدو اليوم هدفا يمكن تحقيقه، والحفاظ عليه بالتدبر اللازم. ويقدم هذا المنظور الفرصة لاستكشاف إمكانات أخرى ثقافية، واجتماعية، واقتصادية مرغوب فيها. وتتسع آفاق الحرية الإنسانية بتنوع الاختيارات المتاحة. على حين أن الاختيارات التي تتخذ في الواقع العملي سوف تعكس بدقة متزايدة الأحكام القيمية لكل من الفرد واﻟﻤﺠتمع.
وقد أوضحت الخبرة الماضية أن أي محاولة لتقرير ما هو التغيير اﻟﻤﺠتمعي المرغوب فيه، لابد من أن يشوبها نوع من الاجتراء م و الاستبداد.
والمحاولات المعاصرة لإحداث مثل هذا التغيير عن طريق تحديد أنواع المعارف المطلوبة، وتكثيف البحث العلمي لتوفير هذه المعارف، وتأسيس التغيير المقصود في النهاية تشكل عملية حافلة بكل صعوبات المنطق الاستدلالي، وتحمل في طياته احتمال أن تكون غير ممكنة\ن عمليا\ن أو في غير فعالة. لذا فعندما تريد اﻟﻤﺠتمعات التغيير في مجال أو آخر، ولا تعلم في أي اتجاه يكون هذا التغيير فعليها أن تدعم البحث العلمي والتفكير المتفتح بصفة عامة وفي نفس الوقت. وعندما تكون إمكانات التغيير واضحة، ويتم تقو آثار وعواقب كل منها، ويصبح من الضروري تحديد الاختيارات، حينئذ تعتمد اﻟﻤﺠتمعات على ألحس السليم الجماعي لاختيار، وقبول، أ رفض مثل هذا التغيير وآثاره البعيدة، ويعد مثل هذا الإجراء موازيا بأوسع المعاني الممكنة للمنهج العلمي.
الجوانب الاجتماعية والاقتصادية من المعتقد أن التغيير التكنولوجي ماضي على صورة ثورات، ومع ذلك، وعلى الرغم من الكثير من الأماني فإن هذه الأمور لا تحدث بين عشية وضحاها، بل إنها تعتبر سريعة حقا إذا أمكن إنجازها ني فترة جيل واحد. ولإعطاء فكرة عن النطاق الزمني الذي تستغرقه عادة ما يمكن أن نذكر، على سبيل المثال، حال المملكة المتحدة، فقد حدثت التغييرات الأساسية لثورتها الصناعية بين عامي ١٧٨٠ و ١٨٣٠ تقريبا، كما أن التغييرات الناتجة عن تأثير تكنولوجيا جذا ذات السيكيلون، والتي ستكون بلا شك مساوية لسابقتها من حيث العمق، قد بدأت في وقت مبكر من منتصف عقد الستينات من هذا القرن. ويبدو من المرجح أنها ستستمر لبعض الوقت في المستقبل، حتى في أكثر الدول الصناعية تقدما ما يمكن أن نذكر أيضا ما هو مسلم به عامة من أي تعميم واستحداث، وتوزيع أي منظومة للأسلحة تستغرق نحو عشر سنوات. حتى في حال التطبيقات التي يتوافر فيها مستوى معقول من الفهم الجيد لقواعدها الأساسية. وأسباب هذا البطء ليست صعبة على الإدراك. فالتغيير التكنولوجي أساس عملية ذات تقدم ذاتي. وفهم مبدأ علمي جديد، أو تكنولوجيا عملية جديدة لابد من أن ينتقل من اﻟﻤﺨترع إلى دوائر دائمة الاتساع من المنتفعين المرتقبين، ثم من المندفعين الفعليين بعد. وتحل التكنولوجيات الجديدة محل التكنولوجيات القديمة، لذا ففي الدول الصناعية نجد أن آلة حصد ودرس المحاصيل قد حلت بدورها محل كل من آلة الحصد وآلة الدرس الميكانيكية. وهاتان الأخيرتان قد حلتا من قبل محل الطرق اليدوية التقليدية للحصاد والدرس والتذرية. وبالمثل نجد أن الإضاءة بالغاز قد حلت محل الإضاءة بالشموع، ثم حلت الكهرباء محل الغاز في الإضاءة، وكذلك حلت طاقة البخار محل طاقة الرياح، وعضلات الحيوان. وتحل محلها الآن على نطاق واسع آلة الاحتراق الداخلي، والطاقة الكهربائية الهيدروليكية والنووية. و lكن استخدام هذه الأمثلة لإيضاح الطريقتين اﻟﻤﺨتلفتين اللتين يؤثر بهما التغيير التكنولوجي على الأ اط المهنية.
ففي الحالة الأولى نجد أن التكنولوجيا الجديدة تؤدي إلى رفع كفاءة الفرد العامل عدة مرات، بل عشرات أو مئات المرات ،ان يقلل بشدة من عدد العمال المطلوبين لإنجاز عمل ما مثل الحصاد. فمع الأخذ بالتكنولوجيا الجديدة يصبح العمال ذوو المهارات والقدرة دون عمل، وغالبا لا lكن تشغيلهم. والعملية كلها تحدث ~زقا عنيفا. لجماعات بأسرها داخل أي مجتمع عندما تكون التكنولوجيا القد lة فيها من القطاعات الرئيسة للعمالة. ومن الدروس الواضحة ا *ستفادة أن العواقب الاجتماعية Q ا فيها من الأ اط الجديدة للسكان والعمالة ، يجب تقو lها وتخطيطها قبل إدخال هذا النوع من التكنولوجيا الجديدة على نطاق واسع. وفي الحالة الثانية نجد التكنولوجيا الجديدة لا تغير طريقة صنع الأشياء فحسب Q بحيث يستخدم العامل نفسه أساليب فنية مختلفة لتحقيق نفس الأهداف Q بل إنها تؤدي أيضا إلى تغيير الأشياء التي lكن صنعها Q مع استخدام مهارات sاثلة أساسا. ولهذا فعلى مستويات متعددة في العمليات
التصنيعية lكن انتقال مهارات يدوية وهندسية أساسية من إحدى الصناعات إلى الأخرى تبعا لتغير الاحتياجات وا *تطلبات. فا *هندس الذي كان في العام ا *اضي يحتمل أن يتحول هذا العام إلى ميكانيكي متخصص في المحركات.
والاستجابات لهذه التغييرات متعددة الجوانب Q ويبدو أنها تتوقف بدرجة كبيرة على عوامل ثقافية. فقد يكون أحد ردود الفعل هو رفض التغيير بعمل منظم Q العمل النقابي النضالي مثلا Q وملاذ هذا النضال في النهاية هو العنف Q مثلما فعل اﻟﻤﺨربون الأصليون من العمال محطمو ا *اكينات الإنجليز «Luddies(2)» في أوائل القرن التاسع عشر. والاستجابات الأخرى تعمد إلى الهروب من التغيير نتيجة الاعتقاد الخاطئ بأن ذلك أمر lكن الهروب منه Q أو اللجوء إلى السلبية واليأس. ولكن السلوك البناء في هذا الصدد هو الترحيب بالتغيير Q عن طريق الاستعداد للبحث عن مهن جديدة Q وحشد مهارات جديدة.
ومن الواضح Q على الأقل في حال كثير من الدول ا *تقدمة صناعيا Q أن استمرار العمالة يتوقف بشدة في ا *دى الطويل على أنشطة البحث العلمي الأساسي التي تستحدث بسرعة مباد a علمية جديدة lكن تطويرها تكنولوجيا Q غير أنه لوحظ في هذه الدول اتجاه إحصائي خلال السبعينات من هذا القرن يشير إلى ابتعاد حكوماتها عن مساندة البحوث الأساسية. ولكن الركود التجاري الواسع الانتشار Q وتصاعد نسب البطالة حاليا ر ا يؤديان إلى عكس هذا الاتجاه فعلا. والواقع أن هناك بعض العلامات التي تبشر بأن متخذي القرارات قد بدءوا يؤمنون بالقول ا *أثور »لابد من البيضة حتى توجد الدجاجة Q« أو كما قال شكسبير بطريقة أكثر أناقة: »لا شيء يأتي من لا شيء « وبعبارة أخرى إذا كنت تتطلع إلى نتائج فاستثمر. وكلما أصبحت الصناعة القائمة على التكنولوجيا أكثر كفاءة نجد أن عدد العمال ا *طلوب Z بالفعل لتشغيلها في الدول الصناعية يتناقص باستمرار Q على الرغم من التنوع ا *تزايد دائما. هذا الاتجاه يواكبه تزايد في الطلب على الخدمات والوظائف البيروقراطية Q وهو يتغير أيضا بنزوح القوى العاملة من الإنتاج الحقيقي إلى قطاع الخدمات Q مثل الرعاية الصحية Q والنقل Q والسياحة Q والترفيه Q ثم من قطاع الخدمات إلى ا *واقع التي تتولى أعمال التنظيم والضبط ﻟﻤﺠالات الصناعة Q والخدمات Q والاستثمار Q والتنظيم الاجتماعي. وبينما نجد في الدول النامية أن أكثر من ٨٠ % من قوة العمل ا *تاحة تعمل مباشرة في إنتاج الطعام Q فإنه يلاحظ في البلدان الأكثر
تقدما من الناحية الصناعية-وأحيانا ما تؤثر في بلدان ما بعد التصنيع-أن أقل من نصف قوة العمل تشترك في إنتاج السلع Q بينما البقية الباقية منها تعمل في صناعات الخدمات Q ومواقع التنظيم Q أو في الأعمال الابتكارية التي lثل البحث العلمي أحد جوانبها.
وليست الثروة القومية ظاهرة تقاس فقط ببعض ا *قاييس اﻟﻤﺠردة مثل الناتج القومي الإجمالي للفرد الواحد Q أو تختتم مناقشتها جرد مقارنة القيم النسبية للأوراق النقدية Q ولكنها عبارة عن مفهوم أكثر دقة وعمقا Q ويعكس نوعية وتنوع البيئة Q والسلع Q والخدمات ا *توافرة لكل فرد في مجتمع بعينه. فالدولة التي تتاح فيها حرية الحصول على خدمات الرعاية الصحية Q والتعليم Q والنقل لجميع ا *واطن QZ lكن أن تعتبر بالتالي أكثر ثراء من دولة أخرى ليس لديها-مثلا-إلا مناجم كثيرة للذهب أو الكروم.
والفكرة التي ينادي بها هذا الكتاب هي الاعتراف بان البحث العلمي يشكل عنصرا أصليا في تكوين الثروة Q لأنه يجلب زيادة في إنتاجية العمل ورأس ا *ال sا يؤدي في الوقت نفسه إلى تنوع السلع والخدمات ا *تاحة ذات النوعية العالية. وقد يظن أن هذا الرأي فيه شيء من الجرأة. غير أنه في الواقع إ ا يعبر بصراحة عن ا *طلب ا *شروع للبحث العلمي بان يعامل على أنه نشاط ذو أهمية بالغة في تكوين الثروة القومية. فإلى أي مدى يصل سلوك اﻟﻤﺠتمعات الحديثة Q وا *مارسات الحكومية بشأن الاعتراف شروعية هذا ا *طلب Q وبالأهمية البالغة لوظيفة البحث العلمي في تكوين الثروة القومية? الحقيقة ا *ؤ *ة هي أن البحث العلمي كثيرا ما يقال عنه في ظل تقلب ا *زاج العام Q والنظرية الاقتصادية Q بأنه مهنة sتعة-ولا شك- *ن lارسونها Q ولكنها مع ذلك ترف مغالى فيه Q لأنها ~تص من الثروة Q أو بالأحرى تستهلك من الدخل ا *يسر أكثر sا تولد. وما كان هذا القول لينطوي على خط كبير لو كان مجرد رأي Q وان كان رأيا قائما على معلومات مبتورة Q وإرشادات خاطئة Q ولكن Q لسوء الحظ Q كثيرا ما ينعكس على تصرفات صانعي القرار السياسي وا *سؤول Z عن إقرار الإنفاق العام. فأنشطة البحوث Q وخاصة البحوث الأساسية طويلة ا *دى Q عادة ما تكون الضحية الأولى عندما يبدأ الركود الاقتصادي. حقيقة هناك اتجاه لدى الصناعة والحكومات Q عندما
يكون الاقتصاد تحت ضغط مع QZ يغري كلا منها بتخفيض الإنفاق على اﻟﻤﺠالات التي يكون فيها كامل الخسارة النهائية غير مرئي Q أو غير عاجل. وإلى هذا الحد lيل كل من الصناعة والحكومات إلى اعتبار أنشطة البحوث شيئا كماليا.
وعند عرض الحجة ا *ضادة Q lكن أن نبدأ بالتذكير لقول »جيبسون « »إذ ا كنت ترى أن البحث الطبي شيء مكلف Q فجرب ا *رض .« والحق أننا عندما نحسب مقدار التكاليف الفعلية لتوفير الرعاية الصحية ﻟﻤﺠتمع صناعي عصري مثل الولايات ا *تحدة نجد أن استعمال أمصال سولك ( Salk ) Q وساب Z ( Sabun ) ضد شلل الأطفال يوفر ما يزيد على ا *يزانية الكلية للمعاهد القومية للصحة بأسرها. وعلى مستوى أعم Q فإن العديد من الكتاب مثل ايفنسون ( (Evenson وآخرين Q وفودنبرج ( Fudenberg ) Q وتوكسبري( Tewkesbury ) وآخرين قد قدموا شواهد وأمثلة موثقة توضح أن البحث العلمي نشاط ذو فعالية عالية بالنسبة لتكاليفه Q عنى أنه بالرغم من قلة العائد النقدي للمستثمر في مجالات البحوث Q فإن انتشار الفوائد التي لا تقدر بثمن ب Z ا *ستهلك Z تجعله عظيم النفع بالنسبة للمجتمع ككل. وعلاوة على ذلك Q هناك اتجاه عام يتمثل في أن ا *ؤسسات الصناعية والتجارية التي تستثمر بهمة وباستمرار في البحث والتطوير العلمي Z هي التي تصبح أكثر نجاحا على ا *دى الطويل.
وقد بدأت الصناعة في أغلب الدول ا *تقدمة تعي بشدة ضرورة قيامها بتطوير منتجاتها وتغييرها إذا كان لها أن تظل قادرة على ا *نافسة Q ومستجيبة لاحتياجات اﻟﻤﺠتمع ومتطلباته. لذلك لكي تستطيع أي دولة الحفاظ على وضعها التنافسي في عالم اليوم Q وتعمل على تلبية التطلعات ا *تزايدة لشعوبها Q فلا يكفي أن تكون قد وصلت أو دفعت الثمن إلى مشارف التكنولوجيا. بل لابد لهذه الدولة Q بعد ذلك للمحافظة على مجرد بقائها الاقتصادي Q من أن تسعى بكل ما في وسعها لكي تقوم الصناعة بالاستثمار الكثيف والفعال في أنشطة البحث والتطوير التجريبي. ولا مفر للدول التي تفشل في تحقيق ذلك من أن تتوقع التخلف عن ركب التقدم.
الجوانب الثقافية:
ليس ثمة مجموعات معينة من الأفراد لديها قابلية فذة لتحقيق التقدم. والدليل على ذلك أن أعدادا كبيرة من مواطني الدول النامية( ٣) يعملون بنجاح وعلى مستوى sتاز في أرقى مؤسسات البحث العلمي في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك Q وبالرغم من أن حضارات آسيا Q وأمريكا اللاتينية Q وشمال أفريقيا قد أسهمت فيما مضى بالعناصر الأولى في التقدم العلمي Q فإننا نجد في الواقع أن التطورات العلمية الأساسية خلال القرون ا *اضية قد نبتت في اﻟﻤﺠتمعات الأوربية. وإنه *ما يتجاوز نطاق هذا الكتاب محاولة تحديد الأحداث التاريخية Q وا *واقف القائمة على الثقافات Q والظروف والعوامل الأخرى التي شجعت على هذه النهضة العلمية التي اختصت بها مناطق جغرافية معينة في الأزمنة الحديثة نسبيا Q على الرغم sا تتسم به هذه ا *سالة من أهمية لا يتطرق إليها الشك. بيد أنه يبدو من الضروري أن نب Z في هذا السياق أنه إلى جانب نهضة العلم الحديث في أوروبا ساد اعتقاد شائع بإمكانية وصف
الطبيعة وصفا منهجيا Q وفهمها فهما عقلانيا Q والتحكم فيها بكفاءة. وهو اعتقاد شمل اﻟﻤﺠتمع بحيث غدا قوة ثقافية عميقة ومؤثرة. وفي مثل هذا ا *ناخ الثقافي Q لا يدخل الأفراد عادة مجال البحث العلمي أملا في مغا ¤ شخصية كبيرة Q بل يودون أن يحيوا حياة كر lة Q وأن يحظوا-بالطبع- كانة محترمة Q وأن يعترف أقرانهم بجهودهم وكفاءاتهم Q يعترف اﻟﻤﺠتمع ككل بإنجازاتهم. والدول وا *ؤسسات تحسب ا *رة تلو ا *رة عدد الحاصل Z فيها على جوائز نوبل بنفس الهمة التي تحسب بها عدد ا *يداليات الذهبية الأو *بية التي اكتسبتها في مضمار الرياضة. ولاشك في أن دوافعها-فيما تضطلع به من بحوث-تتضمن بالتأكيد كسب ا *كانة اللائقة إلى جانب الفوائد الاقتصادية. ولكن عندما تصبح دوافع اﻟﻤﺠد والشهرة هي السائدة فإن البحث العلمي يفقد مغزاه الأساسي من هدف واتجاه Q وتشهد بذلك معامل البحوث الاستعراضية Q التي تقام ﻟﻤﺠرد الدعاية Q أو التمتع بإعفاءات ضريبية. وأخيرا Q فغني عن البيان أن الرفاهية ظاهرة معقدة وحساسة. فالرخاء ا *ادي لا lكن أن يواصل مسيرته إذا تقوضت Q أو أهملت الرفاهية الفكرية والأخلاقية. فالعلاقة بينهما هي علاقة ترابط وتكامل.
وتسجل وسائل الاتصال الجماهيري هذا الترابط بطريقة مؤ *ة Q إذ تب Z الأضرار الشديدة التي تنجم عن فشل المحاصيل Q والكوارث الطبيعية Q والعنف Q وتفكك أو انهيار التعليم Q والاغتراب الثقافي الناجم عن تدهور القانون والنظام... الخ.
ولا يكاد يكون الحديث عن غرس القيم الروحية والأخلاقية فيما يتعلق بضحايا هذه الأوضاع. فالبقاء الطبيعي المحض Q سواء أكان للذات أم- بالأحرى-ﻟﻤﺠموع الأسرة Q هو الاعتبار الغالب. وليس الفقر واﻟﻤﺠاعة كارثة وشرا في حد ذاتهما Q بل هما أيضا أرض خصبة لتوالد آفات أخرى لا حصر لها Q منها: تدهور الشخصية Q وتجريد الفرد من الصفات الإنسانية Q وبلادة الفكر في كل شيء عدا مجرد الرغبة في البقاء. وقد تولد مثل هذه الأوضاع في الدول ا *تقدمة Q والتي تجسدت في أولئك الذين قاسوا محنة نقص التغذية مدة طويلة Q مثل نزلاء معسكرات الاعتقال Q والناج Z من حوادث الطائرات في ا *ناطق ا *عزولة... الخ. وعلى ذلك كم هي قاسية ومؤ *ة حال اﻟﻤﺠتمعات التي تسودها ظروف الكوارث Q وهي مجتمعات يكون استمرار النشاط الفكري فيها على أحسن الأحوال Q هو الامتياز النادر وا *زعزع للقلة القليلة من أبنائها. وهل من حقنا أن نعجب إذا كان هناك بعض الناس Q في ظل هذه الظروف Q يعتبرون البحث العلمي ترفا مقززا لا غناء فيه.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.