القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

1. لماذا السعادة ؟ تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم


بسم الله، والحمد لله، وما توفيقي إلا بالله


أما بعد:
فقد كان وما زال لي اهتمام كبير بمفهومي السعادة والإيجابية في الحياة، وتأثيرهما في الكثير من قراراتنا وأحكامنا، وعلاقاتنا بمن حولنا، ودورهما أيضاً في رؤيتنا للتحديات التي تواجهنا، وإسهامهما في الكثير من نجاحاتنا، وفي تحقيق السعادة لنا كأشخاص أو كأمم وشعوب.

في هذا الكتاب المختصر في كلماته، السريع في عباراته، أحببت أن أتناول مفهومي السعادة والإيجابية من زوايا جديدة وظلال مختلفة؛ فوضعت مجموعة من التأملات الإدارية في السعادة والإيجابية، وتأثيرهما في الإنجاز والإنتاج والإبداع، ودورهما في تعزيز روح الفريق، وكيف يمكن استخدامهما في التخطيط وصنع السياسات وتطوير الخدمات، وأهميتهما للقائد في صياغة الرؤى والإستراتيجيات، وغيرها لتحقيق النجاحات الإدارية والقيادية.

وضعت كل ذلك في قالب سهل وبسيط، مدعم بالقصص والمواقف من تجربتي ومسيرتي واحتكاكي بأصحاب الهمم والإنجازات ومما قرأته وسمعته، وما شهدته من سير ونجاحات.

هذا الكتاب وغيره هو جزء من واجبنا تجاه الأجيال الجديدة، تجاه أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا، واجبنا نحو تعليمهم فنون الحياة ودروسها، ونقل خبراتنا وتجاربنا إليهم، فزكاة العلم في تعليمه، ونماء الحكمة في نشرها، وزيادة المعرفة في نقلها ونقدها وإعمال الفكر حولها.

أسأل الله أن ينفع بما كتبنا، وأن يوفق الجميع للحكمة والصواب في القول والعمل، والله الموفق، وهو الهادي إلى خير السبيل.

محمد بن راشد آل مكتوم


1. لماذا السعادة؟


سؤال يتردد كثيراً، وخاصة خلال السنوات الأخيرة في عمر الحكومة، لماذا التركيز على السعادة؟ لماذا أصبحت السعادة جزءً مهماً من خطاب الحكومة ومن خطاب محمد بن راشد وضمن أجندة الحكومة ومبادراتها وأعمالها؟


سؤال يتكرر باستمرار.. سأحاول من خلال هذا الكتاب بإذن الله الإجابة عنه، وسيجد القارئ بأنني قرنت السعادة بالإيجابية وتوسعت كثيراً في تناول الإيجابية، مفهوماً وتطبيقاً، بطريقة سيلاحظها القارئ خلال الفصول التالية.


وللإجابة عن سؤال السعادة أولاً، أود أن أصارح القارئ بأنني، ومنذ زمن ليس بالقصير، كنت دائماً أطرح على نفسي سؤالاً بسيطاً، لكن فيه من العمق ما كان يجعل الإجابة عنه مسألة غير سهلة.
سؤال أحاول فيه تلخيص الهدف من جزء كبير من حياتي، الجزء المتعلق بدوري كقائد في دولة الإمارات وكحاكم لإمارة دبي، عملي الرسمي، أو ما أسميه حياتي.


ما هو دوري الحقيقي كقائد؟ ما هي وظيفتي الأساسية؟ أن أدير حكومة؟ ما هو دور الحكومة الحقيقي؟ هل دور الحكومة سن القوانين والسياسات وإنفاذها فقط؟ هل دورها هو حماية المكتسبات وحفظ الحقوق فقط؟ هل دورها هو توفير مقومات الحياة للمجتمع من صحة وتعليم وسكن وطرق وبنية تحتية فقط؟ ألا يمكن أن يكون لنا دور أكبر وأعمق وأكثر إلهاماً؟


                نعم يمكن أن يكون دورنا أعمق وأكثر تأثيراً وإلهاماً عندما نسعى لإسعاد الناس. دور الحكومات هو خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وذواتهم، خلق البيئة وليس التحكم فيها.. نعم، وظيفة الحكومات تمكين الناس وليس التمكن منهم. نعم... وظيفة الحكومات تحقيق السعادة.
هل يمكن أن نتخيل تأثير هذه الإجابة في مئات الآلاف ممن يعملون في الحكومات؟ أن يكون لوظيفتهم هذا المعنى العظيم؟ أن يكون لعملهم هذا الهدف الحضاري والإنساني العميق؟ أن يستيقظوا كل يوم وفي مخيلتهم وأمامهم هدف قريب من قلوبهم كبشر؟ كيف يمكن أن يساهموا في سعادة الناس؟


بعض البشر يقضون جل حياتهم وهم يعملون ضمن المنظومة الحكومية، عندما ينظرون وراءهم بعد 30 أو 40 سنة من العمل الحكومي، من حقهم أن يفخروا بأنهم قضوا جل حياتهم في سعي دائم لإسعاد البشر.
السعي لإسعاد الناس سعادة يحقق ذاتها.. حتى في ديننا، فإن إدخال السرور على البشر من أعظم الأعمال، وخير الناس أنفعهم للناس.


هل يمكن أن نتخيل أيضاً تأثير هذه الإجابة في الشعوب عندما يؤمنون بأن الحكومة تسعى لخيرهم وسعادتهم تسعى لتوفير الفرص لهم ولأبنائهم ليكونوا سعداء، تسعى لتمكينهم بالأدوات والمهارات لتحقيق أحلامهم.. هل يمكن أن نتخيل وجود أي نوع من العداوات بين الحكومات وشعوبها إذا كانت العلاقة التي تحكمهم أساسها تحقيق السعادة؟


                لسنا حالمين ولا مثاليين، ولسنا جدداً في الحديث عن السعادة منذ فجر التاريخ والكل يطلب السعادة. أرسطو ذكر قبل 2400 سنة بأن غاية السياسة هي تحقيق السعادة، وذكر أن الدولة كائن حي يتطور ويسعى لتحقيق الكمال المعنوي والسعادة للأفراد، وابن خلدون كذلك. والدستور الأمريكي ينص، في مقدمته، على حق الجميع في السعي لتحقيق السعادة، بل إن هنالك مطالبات من الأمم المتحدة بتغيير المعايير المعتمدة لقياس نجاح الحكومات، من معايير اقتصادية إلى معايير تتعلق بسعادة الإنسان. وخصصت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للتأكيد على أهمية السعادة.


السعداء ينتجون أكثر. ويعيشون أطول.. ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل وفق دراسات عدة.. أستغرب من استغراب البعض من حديث الحكومة عن السعادة، السعادة لها مؤشرات وبرامج ودراسات، السعادة يمكن قياسها، وتنميتها وربطها بمجموعة من القيم والبرامج، سعادة الأفراد، وسعادة الأسر، وسعادة الموظفين في عملهم، وسعادة الناس بحياتهم، وتفاؤلهم بمستقبلهم، ورضاهم النفسي والمهني والمجتمعي، كل ذلك يحتاج لبرامج ومبادرات في قطاعات الحكومة كافة، ولا بد من متابعة ذلك مع مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية. عندما نقول بأن هدف الحكومة هو تحقيق السعادة فنحن نعني ذلك حرفياً وسنطبقه حرفياً وسنسعى لتحقيقه بما يتناسب مع طموحات شعبنا وتطلعاته وعاداتنا وثقافتنا.


نعم، نحن نسعى لإسعاد الناس، وسيظل إسعاد الناس غاية وهدفاً وبرامج عمل؛ حتى يترسخ واقعاً دائماً ومستمراً. لا توجد حكومة كاملة، ولا يوجد عمل دون أخطاء ولكن الخطأ الحقيقي هو التخلي عن دورنا الحقيقي في إسعاد البشر، وما هذا الكتاب اليوم إلا محاولة للمساهمة في هذه الغاية والله الموفق أولاً وآخراً.


(نعم نحن نسعى لإسعاد الناس، وسيظل إسعاد الناس غاية وهدفاً، وبرامج عمل حتى يترسخ واقعاً دائماً ومستمراً).

تعليقات