تأملات في السعادة والإيجابية
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
18. الإيجابيون العظماء
هل الإيجابية مفهوم جديد في علم الإدارة والقيادة والسياسة؟ أم هي مفهوم له جذوره وامتداداته التاريخية؟ إجابتي باختصار هي أن القادة العظماء هم قادة إيجابيون بطريقة أو بأخرى، بصرف النظر عن المصدر الذي وجدوا فيه، هم قادة ينظرون للأمور بطريقة مختلفة ومتفردة ممن عاصروهم ونظرتهم هذه هي مصدر الإلهام لمن حولهم، وهي أيضاً المحرك لتغيير أفكار الأجيال التي عاصرتهم وحتى تلك التي جاءت بعدهم، إيمانهم العميق بنظرتهم الإيجابية للحياة وتفرد رؤاهم أعطت أفكارهم هذه القوة، قوة البقاء والاستمرار.
وليس هناك ما هو أعظم إيجابية من ديننا الإسلامي، ولا يوجد قائد تتمثل فيه كل نواحي القيادة الإيجابية أكثر من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
انظر لإيجابية نظرته للمستقبل ويقينه العظيم بالنصر، نتعلم الكثير كل يوم من قيادة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، من إعطائه الصلاحيات لمن حوله والثقة الكبيرة في جيل الشباب، وإشاعة روح المحبة والأخوة العميقة فيمن حوله -فريق عمله- ونظرته للمخالفين لدينه ورحمته بهم لأنه أرسل رحمة للعالمين. لم تكن نظرته نظرة انتقام أو رغبة في الانتصار بأي ثمن بل كانت رغبة في نشر الخير والرحمة للجميع.
ومثال آخر من تاريخنا الإسلامي لقائد كانت أيضاً له نظرة إيجابية ومتفردة أيضاً، وهو الخليفة المأمون. كانت للمأمون نظرة مختلفة في كيفية البناء الحضاري لدولته، وكانت أيضاً له نظرة إيجابية وغير تقليدية لإنجازات الحضارات الأخرى من حوله، لم تكن نظرته قائمة على الخوف من تلك الإنجازات، بل التعرف عليها، والاستفادة منها والبناء عليها، ولنتذكر دائماً أن الإيجابية هي في تغيير نظرتنا للأمور من حولنا. نظر المأمون لغيره من الحضارات والدول على أنها مصدر التعلم ومصدر التطوير للحضارة الإسلامية. نظر المأمون للحضارات الأخرى نظرة تسامح، وهذه إحدى أهم الصفات التي نحتاج إليها في عالمنا العربي فأخذ من علومهم، واستقبل علماءهم، وترجم كتبهم، ووضع الجوائز لأصحاب الفكر وأصحاب العلم منهم، وشهد بيت الحكمة في بغداد في عهده نشاطاً فكرياً عظيماً، حيث استضاف فيه العلماء والباحثين من جميع الحضارات والأديان واللغات. وكان يخصص رواتب مجزية يدفعها للعلماء والمترجمين والفلكيين في بيت الحكمة، إلى جانب تكاليف الحبر والورق والتجليد، ويقال إنه كان يعطي بعض المترجمين وزن الكتب التي يترجمونها ذهبا، حتى أصبحت بغداد منارة للحضارة، واستفادت البشرية كلها من الحضارة الإسلامية، وخرجت مئات الاختراعات والإضافات في كل مجالات العلوم، وتطورت البلاد لأنه غير نظرته للحضارات الأخرى من نظرة سلبية إلى نظرة إيجابية.
هكذا هم القادة العظماء يحملون رؤية متفردة وإيجابية ومتفائلة لما يدور حولهم. لذلك لا ينساهم التاريخ.
ولنأخذ قائداً من عصرنا الحديث، لننظر إلى نيلسون مانديلا الذي دخل التاريخ لأن نظرته كانت مختلفة، وكانت إيجابية عندما خرج مانديلا من السجن وحكم بلاده لم يبدأ في الانتقام ولم ينصب أعواد المشانق لأعدائه الذين قتلوا أبناء شعبه، بل نظر نظرة السامع لأبناء بلده، ودعا إلى الوحدة وإلى التعاون، وإلى بناء الوطن وإلى بناء المستقبل، نظر إلى الأمام بتفاؤل بدلاً من أن ينظر إلى الخلف بالحقد، فأحبه الناس في أنحاء الأرض كافة، وأعطى دروساً لكل العالم في كيفية توحيد أي بلد يعاني صراعات عرقية أو دينية أو سياسية، ولنا في ذلك نحن العرب عبرة لمن يعتبر.
القادة الإيجابيون العظماء هم الذين يحملون أهدافاً عظيمة وينفذونها بطريقة إيجابية تعود بالخير عليهم وعلى مجتمعهم، هم قادة لديهم أفكار مميزة متفردة، أفكار لها حياة قائمة بذاتها لأنها أفكار إيجابية وفطرة الإنسان أن يكون إيجابياً.
مانديلا أعطى دروساً لكل العالم في كيفية توحيد أي بلد يعاني صراعات عرقية أو دينية أو سياسية. ولنا في ذلك نحن العرب عبرة لمن يعتبر.
هكذا هم القادة العظماء، لهم نظرة مختلفة للأمور، فخلدهم التاريخ في سجل القادة الإيجابيين.
انظر مثلاً إلى القائد الهندي العظيم المهاتما غاندي الذي كانت له غاية عظيمة وهي تحرير بلده من الاستعمار، ولكنه كان يفكر بطريقة غير تقليدية وإيجابية، ألهم غاندي العالم أجمع بطريقته في مقاومة الاستعمار، عن طريق حملات المقاومة السلمية والعصيان المدني وحملات المقاطعة الاقتصادية للمستعمر.
لا يوجد قائد في التاريخ أعظم تأثيراً من غاندي عندما يتعلق الأمر بأفكار المقاومة غير العنيفة. حقن غاندي بنظرته الإيجابية دماء أبناء بلده وحقق حلمه بتحرير وطنه من أكبر قوة عظمى في ذلك الوقت. وأحسب أن قادة مثل مانديلا في جنوب أفريقيا، ومارتن لوثر كينج في أمريكا، استلهموا أفكارهم من هذا القائد العظيم.
هكذا هم القادة العظماء لهم نظرة مختلفة للأمور، فخلدهم التاريخ في سجل القادة الإيجابيين، التاريخ خلد أيضاً قادة عظماء لكن في سجل القادة السلبيين، قادة كانت نظراتهم التي حكموا من خلالها نظرة سلبية ملومة بالحقد والكراهية.
انظر لقائد مثل أدولف هتلر، حيث لا يختلف اثنان على قدرته على حشد الجهود وتوجيه الطاقات وإلهاب حماسة الجموع عبر خطبه وأعلامه، لكن نظرته المليئة بالحقد والكراهية، وخاصة بعد هزيمة ألمانيا في الحروب العالمية الأولى. أضف لذلك نظرته العنصرية لغير عرقه من الأعراق البشرية جعلته قائداً سلبياً بامتياز، قاد هتلر بعد عام 1933 أعظم ثورة تصنيعية وعسكرية شهدها العالم بفضل حنكته وقدرته على تحريك الشعب الألماني، ثم قاد غزواً سريعاً على 10 دول بفضل إستراتيجياته العسكرية السريعة والذكية أيضاً. وتسبب هتلر بسبب نظرته المشوهة وطموحاته المجنونة والعنيفة في حرب راح ضحيتها أكثر من 600 مليون إنسان بمن فيهم 4 ملايين من أبناء شعبه. وانتهى به الأمر منتحراً ومسجلاً اسمه في قائمة أسوأ القادة التاريخيين وأكثرهم سلبية.
القائد الإيجابي العظيم هو القائد الذي يحمل بداخله الخير للناس جميعاً، ويعمل على تحقيق هذا الخير بأفضل الطرق وأكثرها خيراً.
(إيمان القادة العظماء بنظرتهم الإيجابية للحياة، وتفرد رؤاهم أعطت أفكارهم قوة البقاء والاستمرار).
(القادة العظماء لديهم أفكار لا لها حياة قائمة بذاتها لأنها أفكار إيجابية، وفطرة الإنسان أن يكون إيجابياً).
(القائد الإيجابي العظيم يحمل بداخله الخير للناس جميعاً ويعمل على تحقيق هذا الخير بأفضل الطرق).
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.