مدخل تمهيدي :
بسم الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد :
فمن المعلوم من الدين بالضرورة و الذي لا خلاف فيه بين ذوي العقول والالباب أن اللغة العربية اصل من الأصول التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية ، وانها احد اقطاب التي يدور عليها الاسلام وهي فرض من فروض الكفايات يجب التزامها وحق من حقوق الدين يتعين احكامها واعتزامها ،لان بها نزل القران العظيم قال تعالى ( وكذلك انزلناه قرانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا)[1]. وبها بعث خير الخلق صلى الله عليه وسلم ودليل من دلائل نبوته انه صاحب الحكمة البالغة والكلمة الصادقة واللسان العربي الفصيح المبين وقد فضله الله على غيره من الأنبياء بان أعطاه جوامع الكلم فكان عليه الصلاة والسلام يتكلم بالكلام الموجز القليل اللفظ كثير المعاني قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابي هريرة رضي الله عنه (فضلت على الأنبياء بست :أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب واحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ،وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون ) [2].وهذه اللغة متنوعة من جهة ظهور المعنى فيها او خفائه او من حيت استنباط المعنى من الجمل المركبة او المفردات المستقلة ، قال الزركشي ( اعلم ان الالفاظ ظروف حاملة للمعاني والمعاني المستفادة منها تارة تستفاد من جهة النطق والتصريح وتارة من جهة التعريض والتلويح ) [3].
ولاشك ان الفاظ العربية تنقسم الى قسمين: مفردة ومركبة، ومعرفة المفردة مقدمة على معرفة المركبة ،لان التركيب فرع عن الافراد.
والالفاظ المفردة تنقسم الى قسمين احدهما خاص واخر عام ، اما العام فهو ما اشترك في معرفته جمهور اهل اللسان العربي مما يدور بينهم في الخطاب ، فهم في معرفته سواء او قريب من السواء لانهم تناقلوه فيما بينهم وتداولوه وتلقوه من حال الصغر ن واما الخاص فهو ما ورد فيه من الالفاظ اللغوية والكلمات الغريبة التي لا يعرفها الامن عني بها وحافظ عليها واستخرجها من مظانها ، فكان الاهتمام بهذا النوع أولى مما سواه واولى بالبيان مما عداه اذ الحاجة اليه ضرورية في البيان لازمة في الايضاح والعرفان ، قال الشاطبي ( استفادة الاحكام الشريعة لابد فيه من النظر في معاني المفردات اتفاقا ، والمعاني التركيبية التابعة لها فهي محل تردد)[4].
والقران العظيم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين فلا مناص لمن رام تفسريهما وعرفة علومهما من ان يتعلم لسان العرب ، فلا يقتحم باب تفسير الكتاب او شرح السنة والاستنباط منهما من جهل سعة لسان العرب قال الشافعي ( وانما بدأت بما وصفت من ان القران نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا يعلم من إيضاح الكتاب احد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه ن وجماع معانيه وتفرقهما .)[5]والقارئ والمستنبط من سنة رسول الله صلى عليه وسلم يحتاج الى معرفة الأصل والفرع من علم العربية ، قال ابن فارس ( ان لعلم العربية أصلا وفرعا ، اما الفرع فمعرفة الأسماء والصفات كقولنا رجل وفرس طويل وقصير ، واما الأصل فالقول على موضوع اللغة واوليتها ومنشئها ثم على رسوم العرب في مخاطبتها ومالها من الافتنان تحقيقا ومجازا...)[6].
والشريعة الإسلامية متوقفة على معرفة اللغة العربية وأصلوها و فروعها ووجوهها ومعانيها قال ابن دقيق العيد ( واشتراط الأصل فيه امر متعين ، لان الشريعة الإسلامية متوقفة على معرفة اللغة ، نعم ، لا يشترط التوسع الذي احدث في هذا العلم ، وانما المعتبر ما يتوقف عليه فهم الكلام[7]
وقال ابن السمعاني ( معرفة لسان العرب فر ض على العموم في جميع المكلفين ، الا أنه في حق المجتهد على العموم في اشرافه على العلم بألفاظه ومعانيه ،ما في حق غيره من الأمة ففرض فيما ورد التعبد به في الصلاة من القراءة والأذكار لأنه لا يجوز بغير العربية )[8].
فمن الواجب معرفة مصطلحات الشرع باللفظ العربي وادراك استعمالات القرءان والسنة باللفظ العربي الذي صار متضمنا معنى شرعيا زائدا على مطلق المراد منه من جهة العربية ، قال ابن برهان (اذا كان للفظ عرف في الشرع وحقيقة في اللغة حمل على العرف الشرعي ، كالنكاح فانه في الشرع عبارة عن العقد وفي اللغة عبارة عن الوطأ ، فاذا ورد في الشرع حمل على العقد دون الوطأ وقال أبو حنيفا يحمل عليهما جميعا واتفق العلماء على أن اللفظ اذا كان له معنى في اللغة ومعنى في العرف ، كالدابة في اللغة اسم لكل ما يدب على الأرض وفي العرف يقع على حيوان مخصوص ،فهو محمول عند الاطلاق على العرف، وعمدتنا أن المقصود من الخطاب التفاهم والذي يسبق الى الفهم عند الاطلاق عرف الشرع دون عرف اللغة . فان عرف صاحب الشرع الى كلامه أقرب من وضع اللغة اليه وصار بمنزلة عرف الاستعمال )[9]
والسنة النبوية كلام النبي صلى الله عليه وسلم التي اوحاها الى نبيه مع كتابه وسماها الحكمة قال تعالى ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة )[10] وهي بيان القران الكريم قال تعالى ( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون)[11]. كما سبق ذكره انفا أن الله خص نبيه صلى الله عليه وسلم بجوامع ومعرفة فنون الكلام وصنوف الخطابات وتصارف الحوارات وادراك ما عند العرب من لهجات في كلامها ، فكان أسلوبه العربي أفصح ومعرفته بسعة كلام العرب اوفر ودل على ذلك مرتبة النبوة واحاديثه القولية وأمثاله المضروبة والتشبيهات المبذولة والاستعارة والتمثيل بل والكلام الذي لم يسبقه اليه عربي، وهذه الاقوال والالفاظ والامثال ... كان لابد من شرحها وبيان معانيها وحملها على الأوجه التي تليق بها ، لأنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم واقواله صلى الله عليه وسلم سنة ، والسنة هي المصدر الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرءان الكريم لذا الزم السلف رحمهم الله انفسهم على شرح هذه الاقوال والالفاظ فألفو كتبا في هذا الفن الذي يسمى غريب الحديث .
ومن بين من الف في هذا العلم النظر ابن شميل والزمخشري وابن الاثير والقاضي عياض رحمهم الله جميعا ولاشك انهم ما الفو كتبهم هكذا عبثا وانما كان ذلك وفق مناهج أدت بهم بر السلام، لذا فكما الزموا هم انفسهم وتعبو في شرح هذه الالفاظ علينا نحن أيضا ان نلزم انفسنا في بيان منهجهم الطرق التي سلكوها لبلوغ بغيتهم من هذه الكتب ، لهذا جعلت قضيتي الأساسية من هذا البحث تخريج بعض الاحاديث الواردة في كتاب النهاية في غريب الحديث والاثر لابن الاثير والتعريف ببعض رجال السند وكذا تزكية شرح ابن الاثير ببعض الشروح الأخرى من كتب اللغة وبعض كتب غريب الحديث ، وقبل ذلك سأتطرق الى ذكر بعض المبادئ ، وكما لا يخفى أن لكل علم مبادئ لذا نجد أن المؤلفين يعنون في أوائل مؤلفاتهم بذكر مبادئ العلم الذي يؤلفون فيه واعني بالمبادئ حد الفن وموضوعه وواضعه وثمرته والى ما ذلك مما يعين على إعطاء تصور عام عنه
وبيان اهم مبادئ غريب الحديث يجد سبيله فيما يلي لإتمام القراءة انقر على الصفحات التالية:
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقكم يعكس شخصيتكم ، دعونا نتمتع باللباقة في الكلام.