القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

المرأة هي أساس المجتمع وربة الأمة الإسلامية لذلك اعتنى بها الإسلام

المرأة هي أساس المجتمع وربة الأمة الإسلامية لذلك اعتنى بها الإسلام







المرأة وعلو الهمة
المرأة مصنع الرجال، ومنبع الأبطال، فبصلاحها يعم الخير الكثير، وبفسادها ينتشر الشر الوبيل، كيف لا تكون كذلك وهي الأم المربية، والأخت الناصحة، والزوجة المرشدة، والبنت الطائعة.
وفي التاريخ الإسلامي الكثير والكثير من النماذج المشرقة لنساء صالحات مرشدات تائبات قانتات، أصلحن علاقتهن مع خالقهن ومع كل من حولهن.
تشريف الإسلام للمرأة
المرأة نصف الأمة، ثم هي تلد لها النصف الآخر، فهي أمة بأسرها، يقول الشاعر وهو الشيخ يوسف القرضاوي: يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يرجونها للهو واللعبِ هل يستوي مَن رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطا حمالة الحطب أختاه لست بنبت لا جذور له ولست مقطوعة مجهولة النسب أنت ابنة العُرْب والإسلام عشت به في حضن أطهر أم من أعزّ أبِ فلا تبالي بما يلقون من شُبه وعندك العقل إن تدعيه يستجب سليه من أنا ما أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب وما مكانيَ في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكتسبي سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب في ركبه شرف الدنيا وعزتها ويوم نبعث فيه خير منقلب فإن أبيتِ سبيل الله فاتخذي سبيل إبليس رأس الشر والحرب إن ضياع الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً كان بسبب المرأة، فهذه إيزابيلا زوجة فرديناند ملك إسبانيا، أسقطت حكم المسلمين في إسبانيا يوم أن كان آخر خلفاء المسلمين اسماً على مسمى: أبو عبد الله الصغير.
فأضاع ملك المسلمين نظير أن يكون ملكاً من قبل فرديناند ملك إسبانيا، ويكون الملك لبنيه ولأحفاده من بعده، هناك رواية التاريخ الأسباني تسمى: إيزابيلا صاحبة القميص العتيق، فالأسبان يمجدون هذه المرأة التي أقسمت ونذرت ألا تخلع قميصها الداخلي، وألا تهنأ بزوج حتى يسقط ملك المسلمين من إسبانيا، وكان لها ما أرادت.
ويوم أن أخرجت أبو عبد الله الصغير من ملكه في قصر الحمراء بكى أبو عبد الله كالصغار، فقالت له أمه عائشة: ابك كالنساء، ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
والمرأة التي أذاقت المسلمين في العصر الحديث الويلات، والتي ثأرت لدينها ولبني قومها باحتلال أرض العرب والمسلمين، هي غولدا مائير، وقد قال عنها بن غريون في مذكراته: سيذكر التاريخ يوماً من الأيام أن امرأة طافت أوروبا وأمريكا وجمعت ملايين الدولارات؛ من أجل إقامة إسرائيل، وسيذكر التاريخ أن غولدا مائير هي الرجل الوحيد في إسرائيل.
عناية الإسلام بالمرأة
إن المرأة أمرها عظيم؛ لذا فقد شرفها الإسلام وكرمها، وجعلها هي والرجل من أصل واحد، فقال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)، وساوى الله تبارك وتعالى بين الرجل والمرأة في العمل وفي الأجر فقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124]، وقال تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
فالإسلام هو الذي شرف المرأة، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والجار الصالح، والمركب الهنيء)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، والطيب لا يحب إلا الطيب، يقول عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة)، فيابن آدم! خل بينك وبين سيدك وداً وصلة تدخل عليه أنى تشاء.
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الطيبات المرأة، ثم ذكر الطيب، ثم ذكر الصلاة، فجمع المرأة إلى الطيبات، إلى الطيب وإلى الصلاة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك، خير ما اكتسبه الناس).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يوصيكم بالنساء خيراً).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لنسائهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خيركم لأهله).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وقال الأديب الرافعي: النساء منجم السعادة، فرجل واحد لا يكاد يمد يده حتى يضعها على الجوهرة المشرقة، ومائة رجل يغربلون حصى شارع؛ ليجدوا فيها جوهرة تلمع فما يجدونها.
ولذلك المرأة لزوجها رزق من الله تبارك وتعالى، يقولون: كم من امرأة جميلة تراها أصفى من السماء، مثل النسيم العليل، ثم تثور يوماً فلا تدل ثورتها على شيء إلا كما يدل المستنقع على أن الوحل في قاعه، الخبيثات للخبيثين كما إن الطيبات للطيبين.
قيل لأرض حصيبة -أرض ملؤها الحصى نكدة -: ما تشتهين أن يكون زوجك لو كنت امرأة؟ فقالت: الفأس، أي: حتى تقطعها من رأسها.
وقال مصطفى صادق الرافعي أديب الإسلام يرحمه الله: المرأة ريحانة بيتها، إذا ضاقت الدار فلم تتسع فلم لا تتسع النفس التي فيها؟ المرأة وحدها هي الجو الإنساني لدار زوجها، فواحدة تدخل الدار تجعله روضة نضرة متروحة ساكنة، وإن كانت الدار قحطة ليس فيها كبير شيء، وامرأة أخرى تدخل الدار فتجعله مثل الصحراء، برمالها وقيظها وعواصفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنة السندسية، مثلما قال الحطيئة لأمه وزوجته: أغربالاً إذا استودعت سراً وكانوناً على المتحدثينا إنما تكون المرأة مع رجلها من أجله؛ لأنه زوجها، ومن أجل الأمة، فعليها حقان لا حق واحد، أصغرهما كبير، ولو إن المرأة عاشت بهذه الذات فإنها نصف الأمة، فإن أخبرها زوجها تقول: أعيش من أجل الجماعة الكبرى، فتكون المرأة مع رجلها من أجله ومن أجل الأمة معاً، فعليها حقان لا حق واحد أصغرهما كبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلح للبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده! لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه) والحديث صحيح.
فالإسلام العظيم كرم المرأة حين وضعتها الجاهلية الخبيثة القديمة، والجاهلية الحديثة في الحضيض.

إهانة الجاهلية الحديثة للمرأة
في أمريكا في السبعينات كانت هناك إحصائية رسمية طلبت من المكتب الرسمي للإحصائيات، فقالوا: إن في أمريكا عشرين مليون لقيط، وكان ساعتها عدد أمريكا مائتين مليون، يعني: كان في أمريكا كل واحد من عشرين ابن حرام، هذا في السبعينات أما في هذا الوقت فكيف؟! وأيضاً في الثمانينات عملوا إحصائية، وجدوا فيها أن 46% من النساء يمارسن السحاق، وهذا في سنة ستة وثمانين.
ورصدوا إحصائية: أن كثيراً من النساء يرضعن أولادهن مع الحليب المخدرات، من أجل أن ينام الطفل؛ حتى أصيب الأطفال الرضع بالإدمان، وهذا من كلامهم.
كما أباحت الكنائس في أوروبا وفي أمريكا أن يتزوج الرجل بأمه وبأخته!! يقول الشيخ عبد الله عزام رحمه الله في كتابه مستقبل الإسلام: كنت أحتفظ في جيبي دائماً بصورة شاب في العشرين من عمره، وقد تزوج جدته وهي في السبعين من عمرها، في قرية بالقرب من لوس أنجلوس.
فهذه الحضارة الأوروبية النكدة، وهذا ما يريدون للمرأة، علاوة على نوادي العراة، وحفلات الشذوذ الجنسي الجماعي، وتبادل الزوجات.
ووجدوا أن من أخطر المجرمات في أمريكا عشر من النساء، ثلاث منهن من رائدات التحرر المثالي.


صور من إكرام الإسلام للمرأة
الإسلام العظيم كرم المرأة حين صور بيتها تصويراً بديعاً يشع منه التعاطف والندى، ويفوح منه العبير.
أي تكريم للمرأة فوق أن يسمي الله عز وجل سورة من كلامه في القرآن باسم النساء؟ وسورة أخرى باسم امرأة وهي مريم البتول رضي الله عنها؟! وأي تكريم للمرأة أجل من أن القرآن كان ينزل في مخدع عائشة؟! أي تكريم أعلى من أن الله ينزل قرآناً في براءة امرأة كما قالت: وبرأني الله من فوق سبع سماوات، وهي الصديقة بنت الصديق؟! أي تكريم أجل من أن يتولى الله بنفسه تزويج امرأة، وهي زينب بنت جحش فكانت تفتخر على أمهات المؤمنين فتقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات؟! فلا التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال وأكمل النساء تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة؛ بنور الإيمان، تقر في كل شيء معناه السماوي، فهذه المرأة كالمعبد، وكالقوة المسعدة لزوجها، فالمرأة الحق هي تلك التي خلقت لتكون خلف الرجل، مادة الفضيلة والصبر والإيمان تكون له إلهاماً وعزاء وقوة، وزيادة في سروره ونقصاً من آلامه، ولن تكون المرأة في الحياة أعظم من الرجل إلا بشيء واحد، وهي أن تجعل زوجها أعظم منها، فنحن لا نعرف اسم زوجة الشافعي، ولا زوجة البخاري، ولا من تكون أم سفيان الثوري، فهذه المرأة وأمثالها اختفت خلف زوجها وصنعت منه رجلاً عظيماً.


علو الهمم عند النساء
تعال إلى علو الهمة لنحلق في آفاق عالية، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل في بيوتنا حظاً من هذه الهمة العالية.
العلماء عندما يقارنوا بين السيدة خديجة وبين عائشة رضي الله عنهما يقولون: إن خديجة أفضل؛ لأن الله تبارك وتعالى سلم بنفسه عليها فقال: (أقرئ خديجة من ربها السلام)، أما عائشة فقد سلم عليها جبريل، يعني: الأولى سلم الله عليها بنفسه، وبلغها ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه سلم عليها جبريل فقط.
فمن أمثلة علو الهمة عند النساء:

علو همة امرأة فرعون
زوج فرعون مثال عال للاستعلاء على عرض الدنيا النتنة، فحينما تطل بكبرياء أهل الجنة على زخرف الأرض وتقول: لا أريده، قال الله تبارك وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]، فهي لم يصدها طغيان الكفر الذي تعايشه في قصر فرعون عن طلب النجاة من ربها؛ وإنما تبرأت من قصر فرعون طالبة من الله بيتاً في الجنة، ولما حرمت من السكن في دار الدنيا تبرأت من صلتها بفرعون، وتبرأت من عمله، وخافت أن يلحقها شيء لأنها ألصق الناس به، وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم، فهذه المرأة السيدة الكاملة مثل للاستعلاء على عرض الدنيا في أبهى صوره، فلقد كانت امرأة فرعون الذي كان أعظم ملك في الأرض يومئذ، وكانت في قصره الذي يمثل أمتع مكان تجد فيه المرأة ما تشتهيه، فاستعلت على هذا بالإيمان وحده، واعتبرته شراً ودنساً وبلاء تستعيذ بالله منه، وطلبت النجاة منه.
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية، وهذا فضل آخر؛ فالمرأة أشد شعوراً بوطأة المجتمع وبتطوراته، وهذه المرأة كانت وحدها في وسط هذا المجتمع الكافر العريض، في وسط ضغط القصر وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، ففي وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي.
وهي نموذج عال في التجرد لله عز وجل من كل هذه المؤثرات، ومن كل هذه الأواصر والمعوقات، ومن ثم استحقت أن تذكر في كتاب الله الخالد، الذي تتردد كلماته في جنبات النفوس.
فهي امرأة عظيمة بحق، يذكرها الله عز وجل في كتابه العظيم.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد رضي الله عنها).
علو همة مريم البتول
ومريم البتول رضي الله عنها رمز للتجرد لله تبارك وتعالى وكمال العبادة، قال الله تبارك وتعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37]، فقد كانت ولية من أولياء الله تبارك وتعالى، تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
والكرامة ثابتة عند أهل السنة والجماعة للصالحين من عباد الله تبارك وتعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه، إلا مريم وابنها)؛ ولذا قال الله عز وجل: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران:37]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان؛ فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه).
فضل أم المؤمنين خديجة
ولو لم يكن للنساء من فضل في هذه الأمة إلا أن أول مسلم كانت خديجة بإجماع المسلمين كما قال ابن الأثير، وأول شهيد في الإسلام سمية أم عمار.
قال ابن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين.
ويقول سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب)، ومعنى: (من قصب) أي: من عيدان اللؤلؤ، وعيدان اللؤلؤ مستقيمة مستوية، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (لا صخب فيه ولا نصب)، وكذا كل بيوت الجنة، كما قال الله عز وجل: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26]، ولكن ينص النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الخاصية في بيت خديجة بالذات، وقد بشر عليه الصلاة والسلام خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب؛ وذلك لما دعاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام أجابته خديجة طوعاً، ولم تحتج إلى منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عن النبي صلى الله عليه وسلم كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، كما قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس).
وهي التي واست النبي صلى الله عليه وسلم، وآزرته وقالت له: (أبشر فوالله! لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق)، فهي خاصية من جمل الخصائص التي تميزت بها السيدة خديجة على باقي أمهات المؤمنين! وما عارضت النبي صلى الله عليه وسلم في أمر، وهناك من يقول: الأولى للداعية أن يتزوج داعية أو عالمة فإن لم تتحل بالورع فستجعل حياته نكداً، فعندما يقول لزوجته الفقيهة -مثلاً- قال الشافعي أو قال مالك، فستقول له: أنا على رأي الأحناف، فإن لم يرزقها الله عز وجل ورعاً ستشعل بيته حريقاً.
ولكن عندما تكون لا تعرف إلا أعمال البيت، وتصلي خمسها، وتصوم شهرها، وتحفظ فرجها، وتكون ذاكرة عادلة فهذا خير لها ولزوجها، فأنت لا تريد من المرأة إلا أن تحسن التبعل لك، فلا ترفع صوتها على صوتك، وأحلى وأعطر كلمة تقولها المرأة لزوجها: يا سيدي، تعطر بها فمها وتنال بها رضا ربها.
فقد كانت رابعة بنت إسماعيل الشامية إذا طبخت قدراً من الطبيخ تقول لزوجها: كله يا سيدي، فوالله! ما نضج إلا بالتسبيح.
وأم الدرداء كانت إذا ذكرت زوجها بعد موته، تقول: حدثني سيدي أبو الدرداء.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تعلم المرأة حق الزوج لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه)، فنحن نقول: لو أن المرأة تعلم حق زوجها فسيكون عندها شيئاً كبيراً عظيماً، هو سيدها فلو أقرت لزوجها بالأمر هذا سيكون البيت أجمل ما يكون، ولو نظرت إلى زوجها وكأنه أقل منها في شيء فسيكون البيت دماراً.
ونحن نعرف امرأة حاصلة على الدكتوراة في العلوم الشرعية، وهي متزوجة من مكنيكي لا يعرف إلا الصامولة ونحوها، ولكنه ملتزم، وبرغم هذا فهي من أسعد الزوجات وزوجها من أسعد الأزواج.
فلا يصح أن تنظر المرأة لزوجها بعين النقص فتجعل البيت شجاراً ودماراً.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يركز على هذه النقطة فبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
صبر وتوكل هاجر
والمرأة عظيمة في توكلها على الله عز وجل، فهذه أم إسماعيل زوج الخليل إبراهيم، لما أتى بها سيدنا إبراهيم إلى جبال فاران موضع مكة الآن، وهي لا ترى إلا رمال الصحراء، وهديرها الكالح، فتقول: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ يقول: نعم، تقول: إذاً فلن يضيعنا.
وهذا ليس بكلام عفوي، أي: يخرج تلقائياً، فلو لم يكن عندها يقين لما تركته يذهب، فهي تعلم - إن لم يكن عندها يقين بربها - أن في ذهابه موتها، فهو لمن سيتركها ورضيعها في الصحراء؟ ليس عندها إلا تمر، وجراب من ماء فقط، لكنها قالت له: اذهب؛ لأنه بقي عندها الزاد العظيم من التوكل، ولكنه بالله تبارك وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل)، أي: بطول الأمل.
ولما ظلت تلهث بحثاً لرضيعها عن الماء سمعت صوتاً، فقالت لنفسها: صه، وكأنها تسمع نفسها، ثم قالت: أغث إن كان عندك غوث، وهنا تبدا لها جبريل أمين وحي السماء، وقال لها: من أنت؟ قالت: أنا أم إسماعيل وزوج إبراهيم، قال: إلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله، فقال لها: وكلكما إلى خير كاف، لا تخشي الضيعة، إن الله لا يضيع أهله.
صبر ويقين أم موسى
وأم موسى كان اليقين يملأ قلبها بما عند الله تبارك وتعالى، قال الله عنها: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص:10] أي: من كل شيء إلا من محبة ابنها فقد ملأت شغاف قلبها، وبرغم هذا ألهمها الله عز وجل بقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص:7]، ومعلوم أن المرأة إذا خافت على ولدها تضمه إلى صدرها، فما بال أم موسى تلقيه إلى البحر؟! وذلك ليقينها بما عند الله عز وجل، فهي مثل عال في اليقين، وفي التوكل على الله عز وجل، وفي الثقة به سبحانه وتفويض الأمر إليه، وقال بعضهم: لا تدبر لك أمراً فأولوا التدبير هلكى سلم الأمر تجدنا نحو أولى بك منكا

فضل فاطمة بنت رسول الله
وفاطمة عليها السلام، البضعة النبوية والجهة المصطفوية، يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية)، كانت رضي الله عنها تدير الرحى حتى ظهرت في يدها وفي كفها الثآليل - الفقاقيع - وحتى تأثرت يداها وأثرت الرحى في صدرها، وكانت تستعين على خدمة البيت بالتسبيح.
وعن الشعبي رحمه الله أنه قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة! هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ فقال: نعم -قال الذهبي: عملت السنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره- قال: فأذنت له، فدخل عليها يترضاها، وكان هذا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى رضيت.
والإسناد صحيح.
وكان مهرها درع علي الحطمية، ومن من النساء الآن تقبل هذا؟! فكيف نريد دولة إسلامية، أو خلافة على منهاج النبوة، ولا يوجد من النساء من تقبل هذا؟! قال: كان مهرها درع علي الحطمية، أهديت إليه، ومعها خميلة، ومرفقة من أدم حشوها من الليف، وقربة، ومنخل، وقدح، ورحى، وجرابان، ولم يكن لها فراش غير جلد كبش، ينامان عليه بالليل وتعلف عليه الناضحة بالنهار، والناضح يعني: الإبل التي تحمل الماء.
وهي من هي، فهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنست وطحنت وأثرت الرحى في صدرها، واستعانت على خدمة البيت بالتسبيح، كما وصاها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي: تالله! ما ضرها ذلك.
أذهب الله عنها وعن سائر بيتها الرجس، وطهرها تطهيراً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسر إليها، وكانت صابرة على شظف العيش مع زوجها علي رضي الله عنه، دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله.
عن أبي البحتري: قال علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجاً، وتكفيك هي العمل في البيت أي: من العجين والخبز.
ونساءنا اليوم لا يعرفن الطحن أو الخبازة والعجين، بل لا يعرفن ما هو العجين، ولا ما هو الخبز، فليحمدن الله عز وجل على ذلك.
وتجد المرأة في الستين من عمرها وهي تقول لمن هن دونها في السن: احمدن الله عز وجل، فأنتن في كامل الراحة، فاجعلوا بيوتكن جنات لأزواجكن، يكفي شظف العيش الذي يلاقيه الرجال.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزل ملك من السماء فاستأذن الله أن يسلم علي لم ينزل قبلها، فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)، وكل الأحاديث التي ذكرتها ذكرها الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
وكان الإمام أحمد إذا سئل عن علي وأهل بيته، قال: أهل بيت رسول الله لا يقاس بهم أحد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قبسات من حياة أم المؤمنين عائشة
أما الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجة نبينا في الدنيا والآخرة، الفقيهة الربانية، مات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أقام معها تسع سنوات، وحين مات صلى الله عليه وسلم ما كانت قد بلغت بعد السنة التاسعة عشرة يعني: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم كان سنها ثماني عشرة سنة، على أنها ملأت أرجاء الدنيا علماً، فقد وعت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تعه امرأة من نسائه، وروت عنه ما لم يرو مثلها أحد من الصحابة إلا أبو هريرة وعبد الله بن عمر.
قال الإمام الذهبي: لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها.
نشهد أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وما نزل الوحي إلا والنبي صلى الله عليه وسلم في لحاف عائشة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها).
وكانت رضي الله عنها من أنفس الناس رأياً في أصول الدين، ودقائق الكتاب المبين، وكان لها الاستدراكات العظيمة على الصحابة، فإذا علموا ذلك منها رجعوا إلى قولها.
يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.
وقال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس.
وقال الزهري: لو جمع علم الناس كلهم وعلم أمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعهم علماً.
ويبلغ مسند عائشة رضي الله عنها (2210) أحاديث.
ولما ذكر الإمام ابن حزم أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام، على كثرة ما نقل قدم عائشة على سائر الصحابة في نقل الفتاوى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروت عائشة من جملة صحيح البخاري ومسلم مائتين ونيفاً وتسعين حديثاً، وحمل عنها ربع الشريعة بأكملها.
قال عروة بن الزبير: ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بخطب ولا بشعر من عائشة.
يقول أيضاً: لقد صحبت عائشة -وهي خالته- فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية نزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى للشعر، ولا بيوم من أيام العرب -أي: تاريخ العرب- ولا بنسب، ولا بقضاء منها.
فهذا فضل عائشة رضي الله عنها.
عبادة أم المؤمنين عائشة
أما عبادتها، فقد قال القاسم: كانت عائشة تصوم الدهر -أي: تسرد الصوم- ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
وعن عروة: أن عائشة كانت تسرد الصوم، يقول: كانت تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
وعن القاسم رحمه الله قال: كنت إذا غدوت -يعني: إذا صلى الغداة أو الصبح- أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها فأسلم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27]، تدعو وتبكي وترددها، فظللت منتظراً حتى مللت القيام.
ثم ذهبت إلى السوق لحاجتي فرجعت فإذا هي قائمة تصلي وتبكي وتقول: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27].
وعن عروة رضي الله عنه قال: كانت عائشة رضي الله عنها لا تمسك شيئاً جاءها من رزق الله إلا تصدقت به.
وقال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بـ (100000) درهم، فقسمتها، لم تترك منها شيئاً، فقالت لها بريرة: أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحماً، فقالت: لو ذكرتيني لفعلت.
أي: أنها تنسى نفسها عند الصدقة.
وعن عروة قال: إن عائشة تصدقت بـ (70000) درهم، وإنها لترقع جانب درعها.
ما منا أحد حتى ممن ضيق الله عز وجل عليه الرزق يرضى أن يكون له ثوباً مرقعاً، هذا بالنسبة للرجل فما ظنك بالنسوة! مالوا فملن، ولما يفسد الرجال تفسد النسوة.
وعن محمد بن المنكدر عن أم ذرة كانت تغشى عائشة رضي الله عنها، قالت: بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين كبيرتين بمائة وثمانين ألف درهم، فدعت في طبق وهي صائمة يومئذ، فجعلت تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم، فلما أمست قالت: يا جارية! هلمي فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمتي اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه، قالت: لا تعنفيني، لو كنت ذكرتيني لفعلت.
تواضع أم المؤمنين عائشة
وفي مرض موتها دخل عليها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: أبشري فوالله! ما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنت أحب نساء النبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيباً، فقالت: يا ابن عباس! دعني منك ومن تزكيتك، فوالله! لوددت أني كنت نسياً منسياً.
وهذا من تواضع عائشة رضي الله عنها.
فكانت قدوة من حيث الصدقة، ومن حيث صيام الدهر، ومن حيث العلم، ومن حيث العبادة.
ومن ذلك أنه يذهب ابن أختها إلى السوق وهي تصلي ثم يشتري حاجته، ثم يقف عندها حتى يمل من القيام، وهي ما خرجت بعد من سنة الضحى.
صبر الخنساء
والخنساء التي صاغها الإسلام، ملأت في الجاهلية البوادي نياحاً على شقيقها صخر، وقالت: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار وقالت أيضاً: يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمس فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي بكت عليه، وقد مات مشركاً، وكان شجاعاً، لكن هذا لا ينفعه مع عدم الإسلام.
وفي الإسلام قدمت أفلاذ كبدها ونياط قلبها، أربعة من الأسود، خرجوا في يوم واحد؛ يوم القادسية، وكان مما أوصتهم به قولها: يا بني! إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو! إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، اعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، فاظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فلما كشرت الحرب عن أنيابها تدافعوا عليها وتواقعوا إليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم، حتى قتلوا واحداً إثر واحد، فلما وافتها النعاة خبرهم لم تزد على أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة.
وخولة بنت الأزور من ذوات الخدور، ولكن ليس كمثلها النسور.
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
وهكذا أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط زوجة عبد الرحمن بن عوف كان أبوها شيطاناً من شياطين الكفر، فأسلمت وفارقت خدرها ومستقرها ومأمنها تحت جنح الليل وحيدة فريدة شريدة، تطوي بقدميها ثنايا الجبال وأغوار التهائم بين مكة والمدينة، إلى مفزع دينها ودار هجرتها؛ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتت بعد ذلك أمها فاتخذت سنتها، وهاجرت هجرتها، وتركت شباب أهل بيتها وكهولتهم وهم في ضلالهم يعمهون.
وأم كلثوم المغنية كانت دماء المسلمين التقية الندية تسيل على رمال سيناء وهي تصيح في المخدرين والسكارى والنائمين: هذه ليلتي وحلم حياتي! ولو أن الخيال يبعث حياً هوت الكأس من يديه حطاما كوكب الشرق ذل قومي لما جعلوك على الصدور وساما وأم حواري الرسول صلى الله عليه وسلم وعمته، أول امرأة قتلت رجلاً من المشركين، صفية بنت عبد المطلب، حدث عنها ولا حرج.
حفظ زيب النساء للقرآن
وأعجوبة النساء الأميرة مفسرة القرآن، زيب النساء، بنت الملك أورنك زيب عالمكير سلطان الهند، كانت حافظة للقرآن مفسرة له، كتبت تفسيراً لكتاب الله عز وجل، ويعد تفسيرها هذا من أوائل التفاسير التي انفردت بها النساء، تفردت بتفسير القرآن العظيم كاملاً.
اسمها زيب النساء، يعني: زين النساء، بنت الملك أورنك زيب عالمكير سلطان الهند في عهده.
زهد وتقوى زوجة صلاح الدين الأيوبي
وأيضاً المرأة التقية الزاهدة زوجة صلاح الدين، اسمها عصمة الدين، وهذه المرأة كانت زوجة نور الدين محمود زنكي، ثم لما مات عنها تزوجت صلاح الدين الأيوبي.
هذه المرأة العظيمة قامت ذات ليلة وهي غاضبة من نومها، فسألها زوجها عن سر غضبها؟ فقالت: فاتني وردي البارحة، فلم أصل من الليل شيئاً.
وهي امرأة ملك، وكانت زوجة سلطان دمشق، بل سلطان الشام كله، وتقوم من الليل غاضبه؛ لأنها لم تصل بالليل.
وكانت ترسل إلى زوجها؛ لأنها كانت كثيرة الصدقة، فتأخذ منه المال الكثير فيقول: والله! لا أدخل النار بسببك، وكان نور الدين محمود زنكي زوجها سلطان دمشق، كل أكله من عمل الأقفال، أي: يصنع الأقفال بيده، ثم يذهب بها فيبيعها، وكان هذا دخله الذي يعيش منه، وهو ملك الشام قاهر الصليبين.
وكان من قواده في مصر أسد الدين شيركوه وهو عم صلاح الدين، فلما مات أسد الدين شيركوه عهد نور الدين محمود زنكي بالعمل من بعده لـ صلاح الدين الأيوبي، فقضى صلاح الدين الأيوبي على سلطان الدولة الفاطمية من مصر.
يحفظ التاريخ العديد من العابدات التقيات، الصوامات القائمات في الليل، وكانت المرأة منهن إذا دخل عليها الليل تقول: بخ بخ، يا نفس! قد جاء سرور المؤمن، فإذا اشتدت في عبادتها تقول: لا تأنسن بمن توحشك نظرته فتمنعن من التذكار في الظلم واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن يسقيك كأسه باب العز والكرم فإذا مضى عنها الليل بكت وقالت: واحرماه واسلباه.
ذهب الظلام بأنسه وبإرثه ليت الظلام بأنسه يتجدد
أمثلة لعلو الهمة عند النساء من التاريخ الإسلامي
يحفظ التاريخ منهن رابعة العدوية، أثنى عليها شيخ الإسلام ابن تيمية، وأثنى عليها ابن القيم، وأثنى عليها ابن مفلح، وأثنى عليها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الثامن، وأثنى عليها ابن كثير في المجلد العاشر من البداية، وقال: رابعة العابدة التقية، أكثر الناس من الثناء عليها، ورؤيت لها منامات صالحة، إلا أن أبا داود السجستاني كان يتهمها بالزندقة، وربما بلغه عنها الشيء، ولكن أكثر أهل العلم على توثيقها، أما الكلام الذي صدر عنها إن صح منها فلا يقبل، ولكن هذا في جانب صيامها وقيامها.
وهذه عاتكة المخزومية تعاتب في كثرة بكائها، فقالت: ما ينبغي للمخوف بالنار أن تجف له دمعة، حتى يعرف موقع الأمان من ذلك.
وعفيرة العابدة، تعاتب في قلة نومها وكثرة قيامها، فقالت: ربما اشتهيت أن أنام فلا أقدر، وكيف ينام من لا ينام عنه حافظاه ليلاً ولا نهاراً؟! وفاطمة النيسابورية تقول: الصادق المقرب يدعو ربه دعاء الغريق يسأل ربه الخلاص والنجاة.
وعائشة بنت سعيد الحيري عابدة نيسابور، مجابة الدعوة، سمعت ابنتها تتكلم وهي فرحة ببعض ما لديها من العلم، وببعض ما لديها من حطام الدنيا، فقالت: لا تفرحي بفان، ولا تجزعي من ذاهب، وافرحي بالله عز وجل، واجزعي من سقوطك من عين الله عز وجل.
وقالت لابنتها: الزمي الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً، ولا أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً.
ومليكة بنت المنكدر تقول: دعوني أبادر طي صحيفتي.
وزوجة صلة بن أشيم: معاذة العدوية تلميذة السيدة عائشة رضي الله عنها، لما أتاها نعي زوجها وولدها، وأتت النسوة يعزينها، قالت: إن كنتن قد جئتن لتهنئنني فأهلاً بكن وسهلاً، وإلا فارجعن من حيث أتيتن.
ولبابة العابدة تقول عن لذة عبادتها في محرابها: ما زلت مجتهدة في العبادة حتى صرت أستريح بالعبادة، فإذا تعبت من لقاء الخلق آنسني بذكره، وإذا أعياني الخلق روحني للتفرغ لعبادة الله عز وجل، والقيام إلى خدمته.
ومخة أخت الإمام بشر بن الحارث الإمام الورع وأخته ورعة كذلك، تأتي إلى الإمام أحمد وتقول له: أنين المريض شكوى؟ أي: المريض عندما يئن ويقول: آه، هل هذا كأنه يشكو الله عز وجل إلى خلقه؟ قال: والله! ما سئلت عن مثل هذا السؤال من قبل، فلما كان في مرض موته قيل للإمام أحمد: إن طاوس يقول: إن أنين المريض شكوى، فما أنَّ الإمام أحمد حتى مات.
المسألة التي غابت على إمام أهل السنة حفظتها امرأة.
وقالت: يا إمام! إنا نغزل غزلنا على ضوء مصباح الشارع، فإذا انطفأ مصباح الشارع ومرت مصابيح الظاهرية -وكانوا قوماً من الحكام ظالمين- غزلنا على ضوء مصابيحهم، أفنبينه للناس؟ قال: بيني ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله: اتبعها يا بني، وانظر إلى أي بيت تدخل، فدخلت بيت بشر بن الحارث، فقال: من بيتهم خرج الورع.
أي: مثل هذه لا تخرج إلا من بيت بشر.
وماجدة القرشية كانت تبكي وتقول: كفى المؤمنين والمؤمنات طول اهتمامهم بالمعاد شغلاً عن الناس.
ونفيسة بنت الحسن بن زيد التي تقول عنها زينب بنت يحيى: خدمت عمتي فما رأيتها نامت بليل إلا قليلاً، ولا أفطرت بنهار، فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ قالت: كيف أرفق بنفسي وقدامي عقبات لا يقطعها الفائزون!! ورابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري يقول عنها زوجها: كنت يرق قلبي بالنظر إلى وجه زوجتي أكثر مما يرق بالحديث مع إخواني؛ لما رأى عليها من أثر الزهد والعبادة.
وبوب الإمام محمد بن نصر المروزي تلميذ الإمام البخاري باب: إن الرجل أو المرأة إذا اعتاد القيام نبه لذلك بالملائكة أو بعمار الدار من الجن.
وذكر قصة رابعة: إن زوجها يقول: ما رأيك تقومين من أول الليل، قالت: أوتحسبني أقوم بخاطري، إنما أقوم إذا نوديت.
وبوب الإمام محمد بن نصر المروزي تلميذ الإمام البخاري باب: إن الرجل أو المرأة إذا اعتاد القيام نبه لذلك بالملائكة أو بعمار الدار من الجن.
وذكر قصة رابعة: إن زوجها يقول: ما رأيك تقومين من أول الليل، قالت: أوتحسبني أقوم بخاطري، إنما أقوم إذا نوديت.
وهكذا الجواري والعبيد قال خالد الوراق: كانت جارية لي شديدة الاجتهاد في الطاعة والعبادة، فدخلت عليها يوماً فأخبرتها برزق الله وقبوله ليسير العمل، فبكت وقالت: يا خالد! إني لأؤمل من الله تعالى آمالاً لو حملتها الجبال لأشفقت من حملها كما ضعفت عن حمل الأمانة، وإني لأعلم أن في كرم الله مستغاثاً لكل مذنب، ولكن كيف لي بحسرة السباق؟ قال: قلت: وما حسرة السباق؟ قالت: غداة الحشر إذا بعثر ما في القبور، وركب الأبرار نجائب الأعمال، فاستبقوا إلى الصراط، وعزة سيدي! لا يسبق مقصر مجتهداً أبداً ولو حبا المجد حبواً.
أم كيف لي بموت الحزن والكمد، إذا رأيت القوم يتراكضون وقد رفعت أعلام المحسنين، وجاز الصراط المشتاقون، ووصل إلى الله المحبون، وخلفت مع المسيئين المذنبين!! ثم بكت وقالت: يا خالد! انظر لا يقطعك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال، فإنه ليس بين الدارين دار يدرك فيها الخدام ما فاتهم من الخدمة، فويل لمن قصر عن خدمة سيده ومعه الآمال، فهلا كانت الأعمال توقظه إذا نام البطالون! هذه صفحات من علو همة النساء.
كتب تتحدث عن علو الهمة عند النساء
وكل أخت تريد أن تقرأ كثيراً في التراجم عليها بكتاب: سير أعلام النبلاء في تراجم النساء، وعليها بتاريخ دمشق، وتاريخ بغداد في تراجم النساء، وعليها بصفة الصفوة، وعليها بكتاب شيخنا وسيدنا الشيخ محمد المقدم عودة الحجاب، الجزء الثاني، وكتاب: تراجم أعلام النساء لـ عمر كحالة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الكتاب: دروس الشيخ سيد حسين العفاني
المؤلف: أبو التراب سيد بن حسين بن عبد الله العفاني
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
[  الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 58 درسا]

الحجاب يا أختاه!
إن الإسلام الحنيف حريص على حفظ المرأة في أرفع المقامات، فهو يحفظ لها مكانتها في مجتمعها، ويحجبها عما يزري بكرامتها، ويهدم وظيفتها التي خلقت من أجلها، فشرع لها الحجاب الذي يستر جميع جسمها ووجهها، لتتقي به شر الفتنة.
ولقد أمر الله به أفضل نساء الدنيا زوجات نبينا، فكان الأحرى أن تلتزم به من دونهن من نساء المؤمنين.
مفهوم الحجاب
الحمد لله رب العالمين، الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وما كان معه من إله الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض، فلا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه وأمره، هو الأول فلا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه، وهو على كل شيءٍ قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة عن هذه الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين، حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمَّن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد، كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فمرحباً بكم أحبتي في الله، ومع الدرس الخامس من دروس سورة الستر والعفاف سورة النور.
وما زلنا بفضل الله جل وعلا نتحدث عن الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام العظيم حمايةً لأفراده من الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله، ولقد تكلمنا في اللقاء الماضي عن الضمان الثاني، ألا وهو تحريم التبرج وفرض الحجاب، وقلنا بأن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمعٍ طاهرٍ نظيف، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستثار فيه دوافع اللحم والدم في كل حين؛ لأن عمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعارٍ شهوانيٍ لا ينطفئ ولا يرتوي.
إن اللحم العاري، والزينة المتبرجة، والرائحة المؤثرة، والنبرة المعبرة، والمشية المتكسرة، كلها من الأشياء التي تثير الشهوة، وتؤجج نار الفتنة والهوى.
لذا أيها الأحبة: من هنا حرم الإسلام التبرج، وفرض الحجاب على المرأة المسلمة لماذا؟ ينبغي أن تعلم المسلمة وأن يعلم الناس جميعاً أن الإسلام ما فرض هذه الضوابط على المرأة المسلمة في ملبسها وزينتها وعلاقتها بالرجال إلا لصيانتها وحمايتها من عبث العابثين، ومجون الماجنين، ولتكون المرأة المسلمة كالدرة المصونة، وكاللؤلؤة المكنونة التي لا تصل إليها الأيدي الآثمة.
تكلمنا في اللقاء الماضي عن التبرج ومظاهره وخطورته، ولقاؤنا اليوم عن الشق الثاني من الضمان الثاني ألا وهو فرض الحجاب على المرأة المسلمة، وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في أربعة عناصر: أولاً: الحجاب لغةً وشرعاً.
ثانياً: الأدلة الشرعية من القرآن والسنة على وجوب الحجاب.
ثالثاً: شروط الحجاب الشرعي.
رابعاً: شبهات والرد عليها.
نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الصواب والإخلاص والتوفيق.
معنى الحجاب في اللغة
أولاً: الحجاب لغةً وشرعاً: أحبتي في الله! الحجاب: جمعه حُجب، ومعناه لغةً يدور بين الستر والمنع، لذا يقال للستر الذي يحول بين الشيئين حجاباً؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما، ولذا يقال لحجاب المرأة: (حجاب) وسمي حجاب المرأة حجاباً لأنه يستر المرأة عن الرؤية، ويمنع الرجال من أن يشاهدوا أو أن ينظروا إلى المرأة.
ووردت لفظة الحجاب في القرآن في ثمانية مواضع، وكلها تدور حول هذا المعنى -أي: حول معنى الستر والمنع- كما قال الله جل وعلا في سورة الأعراف: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الأعراف:46] أي: بينهما سورٌ يمنع الرؤية، أو حاجزٌ يمنع الرؤية، وكما قال الله جل وعلا: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] أي: حتى منعت هذه الخيول من الرؤية، وأصبحت لا ترى، وكما قال الله جل وعلا: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً} [مريم:17] على مريم عليها السلام، أي: استترت مريم بستارٍ عن أعين الرجال، وكما قال الله جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] أي: من وراء ساترٍ أو حاجزٍ أو حائلٍ يمنع من رؤيتهن.
إذاً: فالحجاب يدور بين معنى الستر والمنع، ولذا يُفهم المعنى الشرعي من هذه المعاني اللغوية لحجاب المرأة المسلمة بأنه الذي يحجب المرأة المسلمة عن نظر الرجال الأجانب، وله صورٌ متعددة هي: صورة الأبدان وصورة الوجوه، أي حجاب الأبدان، وحجاب الوجوه.
وللمرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب ببيتها، وبالستائر السميكة بداخل البيت، وللمرأة أن تحتجب بثيابها من رأسها إلى قدمها إذا ما خرجت من بيتها لحاجةٍ ضرورية، أو دينية، أو دنيوية، وهذا جائزٌ في حقها ولا إثم عليها إذا خرجت بشروط الحجاب الشرعي التي سأبينها إن شاء الله جل وعلا، مع غطاء الوجه بالحجاب، أو الخمار، أو النقاب.
وهذا ما يسميه علماؤنا بحجاب الوجه.
بعض الأخطاء في مفهوم الحجاب
الخمار: وانتبهوا معي إلى أن هناك خلطاً بين هذه المعاني عند كثيرٍ من الناس، فالخمار عندنا مثلاً يراد به الطرحة التي تلبسها المرأة على رأسها ويظهر منها الوجه، وهذا خطأٌُ لغوي، ويقال أيضاً للحجاب عندنا، وهذا ما ذكره بعض أهل العلم في كتبهم، قالوا: بأن الحجاب هو الطرحة التي تلبسها المرأة على رأسها، ويظهر منه الوجه أيضاً وهذا خطأٌ لغوي، فانتبهوا معي لنتعرف على معنى الخمار وعلى معنى النقاب، حتى نضع النقط على الحروف من بداية هذا اللقاء.
الحجاب بمفهومه الصحيح
الخمار أيها الأحبة -وربما سيعلم ذلك لأول مرة كثيرٌ من المسلمين والمسلمات- هو ما تخمر به المرأة وجهها.
من أين لك بهذا التأويل والتفسير؟ من كتاب الله جل وعلا، ومن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال أئمة الهدى ومصابيح الدجى عليهم رحمة الله، يقول الله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31].
قال الحافظ ابن حجر إمام أهل الحديث في الفتح في تعريف الخَمْر: ومنه خمار المرأة، وهو الذي تخمر به المرأة وجهها -أي: تغطي به المرأة وجهها- وأعظم دليلٍ على صحة هذا الكلام ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وهل تريدون أوضح من هذا؟ هل تريدون دليلاً أوضح من دليلٍ ورد في حديثٍ رواه البخاري ومسلم من حديث أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟ أتدرون ماذا قالت أمنا رضي الله عنها في حادثة الإفك؟ تقول السيدة عائشة: لما رآها صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه، لما تخلفت عن الجيش، ونامت وجاء صفوان فوقعت عينه عليها، وكان صفوان بن المعطل يعرف السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كان قد رآها مراراً قبل نزول آية الحجاب، فلما رآها صفوان وعرفها استرجع، أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رأى زوج نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم تخلفت عن الجيش، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
تقول سيدتنا عائشة: (فلما رآني عرفني، وكان يعرفني قبل الحجاب، فلما رآني استرجع -أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون- تقول عائشة رضي الله عنها: فاستيقظت باسترجاعه) أي صحت سيدتنا عائشة على قولته: إنا لله وإنا إليه راجعون.
اسمع ماذا قالت أمنا رضي الله عنها؟ قالت: (فاستيقظت باسترجاعه، وحين عرفني خمرت وجهي بجلبابي) فخمرت وجهي بجلبابي: هذا هو معنى الخمار في حديثٍ في الصحيحين فماذا تريدون بعد ذلك من أدلة!! قالت: (فخمرتُ وجهي بجلبابي) وفي راويةٍ: (فسترت وجهي بجلبابي) أي: خمرت.
ويؤكد ذلك أيضاً حديث فاطمة بنت المنذر رضي الله عنها ورحمها الله تعالى، تقول: (كنا نخمر وجوهنا من الرجال في الإحرام مع أسماء بنت أبي بكرٍ) رضي الله عنها، وحديثها رواه الإمام مالك في الموطأ ورواه الحاكم في المستدرك، وقال الحاكم: حديثٌ صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي.
إذاً: الخمار -أيها الأحبة- هو ما تخمر به المرأة وجهها، أي: ما تغطي به المرأة وجهها.
النقاب الشرعي
أما النقاب: فهو حجابٌ للوجوه أيضاً، وسمي النقاب بالنقاب؛ لوجود نقبين بمحاذاة العينين لتتعرف المرأة من خلال هذين النقبين على الطريق.
ولكن: ينبغي أن أنبه هنا إلى أمرٍ خطير، ألا وهو أن بعض المسلمات اللائى يلبسن النقاب، قد حولنه هو الآخر إلى مصدر فتنةٍ وإغواءٍ وإغراء، كيف ذلك؟ وسعت المرأة فتحة العين على وجهها، فظهر من خلال هذه الفتحة حاجبها، وظهر جزءٌ كبيرٌ من وجنتيها، وهذه هي الفتنة بعينها.
وليس معنى أن كثيراً من النساء قد حولن النقاب إلى مصدر فتنةٍ وإغراءٍ وإغواء أن نقول بعدم شرعية النقاب، فليس معنى أن يختل المسلمون في تطبيق أمرٍ أو جزءٍ شرعي أن نلغي هذا الجزء، وإنما ينبغي أن يؤمر المسلمون بأن يردوا هذا الأمر إلى ما أراده الله، وإلى ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيجب على المرأة التي انتقبت أن تظهر من عينها بمقدار الرؤية، وأن تظهر الفتحة لعينها لتتعرف من خلالها على الطريق، أما أن تتفنن في أن تظهر جمال عينها، وقد امتلأت كحلاً وجمالاً وفتنةً وتأثيراً، وظهر حاجبها وجزءٌ كبيرٌ من وجنتيها، وتدعي بأنها منتقبة، فإنما هي خادعة أو مخدوعة، فينبغي أن تتوب وأن ترجع إلى الله جل وعلا، وأن تتقي الله، وأن تعلم بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
هذا هو الخمار، وذاك هو النقاب، وهذا هو معنى الحجاب.
إذاً: هناك حجابٌ للأبدان وللوجوه معاً، إما من وراء ستارةٍ سميكة أو من وراء جدار كما قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] أو إذا خرجت المرأة من بيتها لحاجةٍ دينية أو دنيوية فعليها أن تلبس الثياب من رأسها إلى قدميها، وأن تغطي وجهها بالخمار أو النقاالأدلة الشرعية من القرآن والسنة على وجوب الحجاب
أولاً: أدلة القرآن:ب، بالشروط والضوابط التي أشرت إليها آنفاً.
الدليل الأول: قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك)
وهي قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهل تعرف المرأة إلا من وجهها؟ انتبهوا معي أيها الأحبة، وانتبهن معي أيتها الفضليات؛ لنتعرف على هذه الآية، وعلى ما تحمله من أحكامٍ عظيمة غابت عن كثيرٍ من المسلمين والمسلمات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59] إذاً: الأمر هنا من الله جل وعلا لزوجات النبي الطاهرات، وبنات النبي العفيفات، ونساء المؤمنين الصالحات القانتات، ليس الأمر هنا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن كما هو واضحٌ بمنطوق الآية ومفهومها أيضاً.
قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير آية الإدناء، واحفظوا هذا القول لـ ابن عباس رضي الله عنه؛ لأنه قد افتري عليه قولٌ آخر، وقد ادعي عليه ما لم يقله وهو بريءٌ منه كما سنرى بالأدلة وبطرق أهل الحديث إن شاء الله جل وعلا، قال: [أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجةٍ أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة] أي: لتتعرف بها على الطريق.
ويقوي هذا الإسناد ما صح عن ابن سيرين رحمه الله تعالى عن عبيدة السلماني، وعبيدة السلماني هو التابعي الجليل الفقيه العلم الذي آمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم ينزل المدينة إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يزل عبيدة السلماني بـ المدينة حتى توفاه الله جل وعلا، وأنا تعمدت أن أقول ذلك لتعلم أنه إن فسر عبيدة السلماني آية الإدناء تفسيراً عملياً، فإنما هو يوضح حال نساء أصحاب النبي رضي الله عنهن جميعاً، ويوضح ما كان عليه النساء في عهد الصحابة رضي الله عنهم، يقول ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن معنى آية الإدناء وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] فقال عبيدة بثوبه هكذا، فغطى وجهه بثوبه، وأبرز بثوبه عن إحدى عينيه، توضيحٌ عملي من تابعيٍ جليلٍ عاش في المدينة المنورة من عهد عمر بن الخطاب إلى أن مات رحمه الله.
فقال بثوبه هكذا، فغطى رأسه ووجهه بثوبه وأبرز الثوب عن إحدى عينيه، تفسيرٌ عملي لآية الإدناء، ووالله إنه من أعظم الأدلة من تابعيٍ رأى ما كان عليه النساء في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59].
وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورةٌ بستر وجهها عن الأجانب، وإظهار الستر والعفاف إذا خرجت لحاجة حتى لا يطمع أهل الريب فيها.
من العلماء من يقول: بأن الصحابيات رضي الله عنهن كنّ يخرجن كاشفات الوجوه، وهذا والله بهتانٌ عظيم؛ لأن الوجه أيها الأحبة هو أصل الجمال في المرأة، وأنا أسألك: بالله عليك أيها المسلم المنصف، لا أريد منك جواباً وإنما أريدك أن تجيب أنتَ بنفسك على نفسك في جلسة صدقٍ ولحظة صدقٍ مع الله جل وعلا: أسألك بالله لو أن شاباً تقدم لخطبة فتاة، وقيل له لن ترى الفتاة إلا في صورةٍ من الصورتين، فقال الشاب ما هما: قالوا: الصورة الأولى: أن تخرج الفتاة في كل زينتها وقد غطت وجهها أي: غطت بدنها بالثياب، وغطت وجهها، إلا أنها من تحت هذه الثياب، ومن تحت هذا الغطاء وضعت كل ما يمكن أن تضعه المرأة من زينة سبحان الله!! وماذا استفاد هذا المسلم؟ إذاً ما رأى شيئاً وما استفاد من تلك الزينة شيئاً.
الصورة الثانية قالوا: أن تقف لك الفتاة من خلف نافذة، وتنظر لك بوجه مبتسم وقد يتغطى كل البدن من خلف جدار هذه النافذة، بشرط أن تظهر الوجه فقط، فبالله عليك ماذا يختار الشاب؟ هل يختار الحالة الأولى التي خرجت إليه المرأة في كل زينتها وقد تغطت من قمة رأسها إلى أخمص قدميها وغطت وجهها؟ أم أنه يريد أن ينظر إلى الوجه؛ لأنه هو عنوان الجمال الخلقي في الإنسان، ومن خلاله يستطيع الإنسان أن يتبين الجمال أو القبح، والدمامة أو النضارة فيقول بالمنطق -وهذا لا يحتاج إلى دليل- يقول: لا.
أريد الصورة الثانية، والحالة الثانية، ألا وهي أن ينظر إلى وجه المرأة ليتعرف من خلال وجهها على جمالها، وقبحها، أو دمامتها، وهذا لا يحتاج إلى دليل، وإن كل منصفٍ لم يمت إنصافه في قلبه -فيعمى بذلك قلبه وعقله- سيقول هذا.
إذاً أيها الأحباب: الله تبارك وتعالى هنا يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر زوجاته وبناته ونساء المؤمنين جميعاً بالحجاب الساتر لجميع الجسم، ومن العلماء من قال: بأن الحكم هنا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، قلتُ: سبحان الله! كيف يكون الحكم خاصاً بزوجات النبي والله تبارك وتعالى يقول في نفس الآية: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59]، ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي الآية قرينةٌ واضحة ٌعلى وجوب ستر الوجه، ما هي هذه القرينة؟ يقول: هي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب:59] ومعلومٌ أن وجوب احتجاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسترهن لوجوههن أمرٌ لا نزاع فيه بين المسلمين، فكيف تستقيم دعوى الخصوصية لنساء النبي وحدهن والله تعالى يقول في الآية: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59] وهذا واضح.
وأكتفي بذلك القدر في هذه الآية؛ لأن الموضوع طويل.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً)
يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} [الأحزاب:53].
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] لماذا؟ ما هي العلة من فرض الحجاب بين الرجال والنساء؟ قال الله تعالى الخالق وهو الذي يعلم من خلق {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] وقال جل وعلا: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] هذه هي آية الحجاب، وهي معنىً واضح في وجوب احتجاب النساء عن الرجال، ولكن من العلماء أيضاً من قال -وإنا لله وإنا إليه راجعون- بأن هذه الآية خاصةٌ بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن.
قلتُ: إن كانت الآية خاصةً بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم من جهة السبب، فهي عامةٌ من جهة الأحكام، والقاعدة الأصولية تقول: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولو فهمنا كل أوامر القرآن هكذا، بأنه لو جاء أمرٌ خاص لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا إذاً: هو لزوجات النبي وحدهن، لو جاء أمرٌ خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قلنا إذاً: هو للنبي وحده دون سائر المؤمنين لو كان الأمر كذلك لعطلنا معظم أوامر ونواهي القرآن.
وبالله عليكم أيها الأحبة: هل تظنون أن الله جل وعلا لو أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله في أول سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] هل يقول عاقل بأنه لا يجب علينا أن نتقي الله لأن الأمر هنا خاصٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! وهل لو أمر الله نبيه بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة:73] هل يقول عاقل بأنه لا يجب علينا أن نجاهد الكفار والمنافقين؛ لأن الأمر هنا خاصٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهل لو أمر الله المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53] هل يقول عاقل بأنه يجوز لهم أن يدخلوا غير بيوت النبي من غير أن يؤذن لهم.
إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا ما قال به علماؤنا، فالحكم هنا أيها الأحباب: إن كانت الآيات خاصةً بزوجات النبي الطاهرات من ناحية السبب فهي عامةٌُ من ناحية الأحكام، وإلا فبالله عليكم اسألوني: ما هي العلة في فرض الحجاب؟ سأجيب: بأن العلة من فرض الحجاب بنص الآية هو قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] أتدرون لمن هذا الأمر؟ إنه لنساء النبي الطاهرات، ولأشرف نساء العالمين، ولأطهر نساء الدنيا اللائى تربين في بيت النبوة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللائى شربن من نبع الوحي الزلال الصافي، وهن المطهرات من السفاح، والمحرمات علينا بالنكاح، والموصوفات بأنهن أمهات المؤمنين؛ يأمرهن الله بالحجاب حمايةً لقلوبهن، وطهارةً لقلوبهن وقلوب أبنائهن المحرم عليهم نكاحهن، فما نقول في غيرهن المحللات لنا بالنكاح، المتطلع لهن أهل السفاح، هل يجوز أن يخرجن، أو أن يكن سافرات غير منتقبات، وبارزات غير محجبات؟! الأولوية في هذه الآية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ لأنه إذا أمرت عائشة بالحجاب فهل يترك غيرها؟ وإذا أمرت حفصة بالحجاب طهارةً لقلبها وهي حفصة فهل يترك غيرها؟ أو فهل نترك غيرها؟ وإذا أمرت أم سلمة بالحجاب طهارةً لقلبها فهل نترك غيرها؟ وإذا أمرت سودة، وزينب وغيرهن رضي الله عنهن بالحجاب فهل نترك غيرهن؟ إن دليل الأولوية واضحٌ في هذه الآية، وهذا المسلك في القرآن معلومٌ عند أهل الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه.
إن الأمر بيِّن؛ إن الأمر واضح: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] لماذا؟! {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53].
الدليل الثالث: قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)
وهي قول الله جل وعلا: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31].
يستدل العلماء من هذه الآية بثلاث مواضع وهي: الموضع الأول: هو قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] أعيروني القلوب والأسماع أحبتي في الله، يقول الله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] بغير قصدٍ وعمدٍ بل وهي مضطرة لإظهاره رغماً عنها، ألا وهو ظاهر الثياب، فإن الثياب على بدن المرأة زينة وأي زينة؟ إلا ما ظهر منها: ظاهر الثياب، وحتى لا نتهم بأننا نتعسف في لي أعناق الآيات لياً فتعالوا بنا إلى صحابيٍ جليلٍ، وعلم من أعلم الصحابة بكتاب الله جل وعلا، ما من آية نزلت إلا وهو يعلم متى نزلت وأين نزلت وفيم نزلت، إنه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ماذا قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية، والإسناد صحيحٌ إن شاء الله جل علا؟ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] قال: الثياب] هذا قول ابن مسعود: زينة المرأة الظاهرة الثياب، وهذا ثابت عنه بإسناد صحيح.
أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في أنه قال: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] قال: [الوجه والكفان] فإسناده إلى ابن عباس لا يصح بحال كما هو معروف لعلماء الحديث وعلماء التخريج لماذا؟ لأن هذا الأثر المروي عن ابن عباس ورد من طريقين: الطريق الأول: رواه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري.
الطريق الثاني: أخرجه الإمام البيهقي في السنن الكبرى، فتعالوا بنا نقف مع هذين الإسنادين لنتعرف على صحتهما من ضعفهما؛ حتى يتضح لنا أن هذا القول لا يصح إسناده بحالٍ إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
أما الطريق الأول: وهو الذي أخرجه الإمام ابن جرير الطبري في التفسير: هذا لا يصح بحال؛ لأنه إسنادٌ ضعيفٌ جداً، بل هو منكر؛ لأن في رجاله مسلم الملائي الكوفي، قال فيه البخاري: تكلموا فيه، وقال الحافظ الذهبي: ضعفوه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال يحي بن معين: ليس بثقة، وقال النسائي: متروكٌ الحديث.
إذاً: الإسناد بهذا الطريق لا يصح بحال كما هو معلوم لكل علماء الحديث.
أما الإسناد الآخر الذي أخرجه الإمام البيهقي، فهو ضعيف جداً أيضاً؛ لضعف راويين من رجال سند هذا الطريق الثاني: أحدهما أحمد بن عبد الجبار العطاردي، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال فيه الحافظ الذهبي: ضعيف.
أما الرجل الثاني فهو عبد الله بن هرمز بن مسلم بن هرمز، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال فيه الحافظ الذهبي: ضعفه ابن معين والنسائي.
إذاً: الإسنادان لا يصحان بحال، ولا يصح أن يحتج بهما في المتابعات والشواهد فضلاً عن أن يحتج بهما عالمٌ في أمرٍ من الأمور الواجبة كما هو معلومٌ لكل طالب علمٍ مبتدئٍ في علم الحديث.
إذاً: لا يصح الإسناد إلى ابن عباس رضي الله عنهما في أنه فسر الزينة الظاهرة بالوجه والكفين، ويؤكد صحة ذلك ما ذكرته في أول اللقاء، حينما فسر آية الإدناء بقوله: [أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجةٍ أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة].
إذاً: الزينة الظاهرة هي الثياب، وهي ما يظهر من المرأة من غير عمدٍ وعلى حين غفلةٍ من المرأة، ومن علم أحوال النساء علم ذلك جيداً، إذا هبت ريح فتكشف وجه المرأة، أو اضطرت المرأة حين شرائها وبيعها لتكشف عن وجهها الغطاء فنظر رجلٌ خلسةً إلى وجهها على حين غرة منها، هذه زينةٌ تظهر من المرأة من غير عمد ومن غير قصد، وهي بإذن الله لا تؤاخذ عليها بدليل قول الله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31].
الموضع الثاني في الآية: هو قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] وأوضحنا ذلك بأنه ضرب الخمار على الوجه وتغطية الوجه، بدليل حديث عائشة الذي رواه البخاري ومسلم: (فخمرت وجهي بجلبابي) وبدليل حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) والحديث رواه مالك، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورواه الحاكم في المستدرك من طريقه، وقال: حديثُ صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي على ذلك.
ويؤكد ذلك أيضاً قول فاطمة بنت المنذر رحمها الله تعالى الذي أشرت إليه آنفاً، قالت: (كنا نخمر وجوهنا من الرجال ونحن مع أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها) والأثر رواه الإمام الحاكم في المستدرك أيضاً من طريقه، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين البخاري ومسلم، وأقره الذهبي على ذلك.
إذاً: أيها الأحبة! {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] المفهوم من ضرب الخمار: هو أن تضرب المرأة الخمار من على رأسها على وجهها، وما سميت الخَمْر خَمْراً إلا لأنها تغطي العقل، وقال الحافظ ابن حجر في تعريف الخَمْر: ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها.
أما الموضع الثالث في هذه الآية فهو قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31].
قلنا: إن كان الإسلام قد حرم على المرأة أن تضرب الأرض برجلها؛ خشية أن يفتتن الرجال بسماع صوت خلخالها، فبالله عليكم هل يحرم الإسلام على المرأة ذلك ثم يبيح لها أن تكشف وجهها الذي قد امتلأ نضارةً وجمالاً وحسناً وتجميلاً وتزييناً! أي الفتنتين أعظم، فتنة الوجه أم فتنة القدم؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] ورحم الله من قال:
إن الحجاب الذي نبغيه مكرمة لكل مسلمةٍ عادت ولم تعدِ

نريد منها احتشاماً عفةً أدباً وهم يريدون منها قلة الأدب

يا رُبَّ أنثى لها عزمٌ لها أدبٌ فاقت رجالاً بلا عزمٍ ولا أدب

ويا لقبح فتاةٍ لا حياء لها وإن تحلت بغال الماس والذهبِ
إن الحجاب عفة، إن الحجاب مكرمة، إن الحجاب شرف، إن الحجاب مروءة، إن الحجاب إيمان، إن الحجاب طاعة، إن الحجاب امتثالٌ لأمر الله ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيا أيتها اللؤلؤة المكنونة المسلمة! يا أيتها الدرة المصونة الغالية! والله ما نريد لك إلا العفة، ووالله ما أراد الإسلام لك إلا الكرامة وأن يحميك من عبث العابثين، ومجون الماجنين، والله لا نريد لك إلا الخير في الدنيا والآخرة:
أختاه يا بنت الإسلام تحشمي لا ترفعي عنك الحجاب فتندمي

صوني جمالك إن أردت كرامةً فالناس حولك كالذئاب الحومِ
إي والله! كالذئاب الحوم، خاصة في زمان قل فيه الإيمان والورع والزهد، وقلّت فيه التقوى، وإلى الله المشتكى، والله المستعان.
وأكتفي بهذا القدر من الأدلة القرآنية أحبتي في الله.
ثانياً: الأدلة من السنة على وجوب الحجاب
أما الأدلة النبوية فهي كثيرة ولله الحمد والمنة، ووالله لو لم يكن منها إلا هذا الحديث الذي رواه البخاري، ومالك في الموطأ، والترمذي في السنن وقال: حديثٌ حسن صحيح، ورواه أحمد في مسنده وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) أي: التي أهلت بالإحرام في الحج أو العمرة، لا تنتقب ولا تلبس القازين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: دل هذا الحديث على أن النقاب والقفازين كانا معروفين لدى النساء اللاتي لم يحرمن، وأظنه واضحٌ جداً: لا تنتقب المحرمة، إذاً: غير المحرمة كانت في الأصل منتقبة، وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم في حال إحرامها ألا تنتقب، وهو الذي نهيت عنه، وهذا هو الذي أمرت به.
وفي الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الركبان -أي: الرجال الذين يركبون الدواب- يمرون علينا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا -أي اقترب هذا الركب منا وفيه من الرجال من فيه- سدلت إحدانا جلبابها من على رأسها على وجهها، فإذا ما جاوزونا كشفناه) والحديث للأمانة بذاته ضعيف، وله شاهدٌ قوي من حديث أسماء، وحديث فاطمة بنت المنذر اللذين ذكرتهما آنفاً، والحديث الأول رواه مالك في الموطأ، وابن خزيمة في الصحيح، وابن حبان في الصحيح، والحاكم من طريقه في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي، والآخر رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
أما أحاديث النظر إلى المخطوبة، فهي والحمد لله أحاديث صحيحة بطرقها: الأول: كحديث محمد بن مسلمة، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم جميعاً، وهذه الأحاديث تدل على أن الخاطب كان يتكلف مشقة وعناءً في النظر إلى وجه مخطوبته، وهي تجيز أيضاً للخاطب أن ينظر إلى وجه مخطوبته، سأختار منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهذا الحديث يقول فيه جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة؛ فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال جابر بن عبد الله: فخطبت جاريةً فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها) يقول علماؤنا: إن المرأة في هذا الزمان تخرج متبرجةً مكتحلةً متزينةً متطيبةً متعطرة ما تكلف الرجل مشقةً في أن يختبئ لينظر إلى وجه مخطوبته، بل ما عليه إلا أن يمشي إلى جوارها في الشارع، ليرى منها كل شيء كما نرى في زماننا هذا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهكذا أيها الأحباب: إن من لم يمت إنصافه في قلبه، ومن لم يعمَ بذلك قلبه وعقله لا يحتاج إلى سرد هذه الأدلة، وإلى كل هذه الأدلة، وإنما هو بفطرته النقية الطيبة سيعلم علم اليقين أن أصل الفتنة والجمال في المرأة هو وجهها، وليعلم علم اليقين أن حجاب المرأة شرف لها قبل أن يكون شرفاً وكرامةً لأفراد المجتمع.
فيا أيها الأخ الكريم! عليك بزوجتك، وبابنتك، وبأختك، وأنتِ أيتها الأخت الفاضلة الكريمة! اتقي الله جل وعلا، واعلمي أن في الحجاب الشرف، والعزة، والمنعة، والكرامة، وخيري الدنيا والآخرة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم الصواب.
يبقى لنا بعد ذلك أيها الأحبة أن نتكلم عن عنصرين أخيرين في هذا اللقاء ألا وهما: شروط الحجاب الشرعي وبعض الشبهات والرد عليها، وسوف أرجئ الحديث عن هذين العنصرين إلى ما بعد جلسة الاستراحة؛ لأشير إليهما في عجالةٍ سريعة.
وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
شروط الحجاب الشرعي
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فيا أيها الأحبة: أما عن شروط الحجاب الشرعي؛ حتى تعلم المرأة أنه ليس كل ثوبٍ تستطيع أن تخرج به خارج البيت، فللحجاب الشرعي شروط فلتتعلمها كل امرأة:
الشرط الأول: أن يكون ساتراً لجميع البدن
فلا يجوز بحالٍ أن تغطي المرأة رأسها وبدنها ثم يكون الثوب قصيراً لتظهر قدميها، أو ساقيها، ومنهن من تتفنن في ذلك لستر هذا الجزء الباقي من أسفل؛ فتلبس حذاءاً برقبة طويلة لتستر هذا الجزء، ثم تدعي وتزعم أنها محجبة.
الشرط الثاني: ألا يكون زينةً في ذاته
ألا تلفت المرأة الأنظار إلى ثوبها بألوانه الفاقعة التي تلفت الأنظار، وتجذب الأنظار، فلا ينبغي أن يكون الثوب في حد ذاته زينة، لا ينبغي أن يكون معطراً حتى يلفت إليه الأنظار كما سنرى؛ لأن هذا شرطٌ مستقلٌ من شروط الحجاب الشرعي.
الشرط الثالث: ألا يكون شفافاً
بل يجب أن يكون الثوب صفيقاً -أي: سميكاً- حتى لا يشد بدن المرأة أو ما تحته، ومن النساء من تلبس ثوباً صفيقاً -أي سميكاً- وتأتي على مكانٍ بمحاذاة الصدر، أو على الذراعين، وتلبس ثوباً شفافاً يظهر ما تحته، وهذه هي قمة الفتنة.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة: (صنفان من أهل النار لم أرهما -وذكر منهما عليه الصلاة والسلام- ونساءٌ كاسياتٌ عاريات) وهذا وجهٌ من أوجه التفسير لهذا الحديث؛ أن تلبس المرأة ثوباً شفافاً يُظهر ما تحته.
الشرط الرابع: ألا يكون ضيقاً
لأن الثوب الضيق يكون من أعظم الفتن، ومن أعظم سهام الشهوات؛ لأن الثوب الضيق وإن كان صفيقاً وسميكاً لا يشد فإنه يبين حجم عظام المرأة، وهذه من قمم الفتن التي ترسل بها النساء -اللائي يلبسن مثل هذه الثياب الضيقة- إلى قلوب الشباب والرجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الشرط الخامس: ألا يكون معطراً
أيضاً من الشروط -وهذا بإيجازٍ أيها الأحباب- ألا يكون الثوب مبخراً أو معطراً أو مطيباً، وهذا بالطبيعة هو الثوب الذي تخرج به المرأة إلى الشارع، أما الإسلام فيأمرها بأن تتعطر وتتطيب وتتزين لزوجها في داخل بيتها، وإن همت بالخروج فلا يجب أن يكون الثوب معطراً؛ لأن العطر من ألطف وسائل المخابرة بين الرجل والمرأة كما أوضحت قبل ذلك آنفاً، وفي الحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً) فما ظنكم إذا خرجت إلى الأسواق والشوارع والطرقات!! والحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح من حديث أبي موسى الأشعري، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة استعطرت فخرجت فمرت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا -أي: زانية- وكل عينٍ زانية -أي: وكل عينٍ تنظر إليها بشهوة فهي زانية-) وأسلفنا أن العينين تزنيان وزناهما النظر.
الشرط السادس: ألا يكون ثوب شهرة
أيضاً من شروط الحجاب الشرعي: ألا يكون ثوب المرأة لباس شهرة، كأن تلبس المرأة ثياباً غاليةً في الثمن، ليشار إلى ثوبها بالبنان، ويقال: إن فلانة بنت فلان تلبس من الثياب ما قيمته كذا وكذا، هذا ثوب شهرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي حسنه شيخنا الألباني، وحسنه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب عليه ناراً) ولا يشترط بالضرورة أن يكون ثوب الشهرة غالياً، وإنما من الممكن أن يكون ثوب الشهرة رخيصاً جداً، يلبسه الرجل ليظهر التواضع، وليظهر المسكنة، وليظهر الذلة، وهذا من ثوب الشهرة أيضاً.
الشرط السابع: ألا يشبه ثياب الرجال
كذلك من شروط الحجاب الشرعي: ألا يشبه ثياب الرجل، وألا تتشبه المرأة في لباسها أو صوتها، أو حتى في مشيتها بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول والحديث رواه البخاري: (لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء) هذا ملعونٌ على لسان رسول الله، وهذه ملعونةٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عباس: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المرأة تلبس لبسة الرجل، والرجل يلبس لبسة المرأة) (ولعن النبي صلى الله عليه وسلم: المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) أي: المرأة التي تريد أن تظهر كالرجل، بل وهي تسعد إن أشير إليها بذلك، هذه ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الرجل الذي يتشبه بالمرأة فرجلٌ مخنث، يتكسر في مشيته، ويتغنج في لفظه، ويلبس من الثياب ما لا يليق أن يلبسه، ولا تلبسه إلا المرأة، هذا ملعونٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرط الثامن: ألا يشبه ثياب الكافرات
الشرط الأخير أيها الأحباب: ألا يشبه ثوب المرأة لباس الكافرات، وهذه من النكسات النفسية التي أصبنا بها، حتى أصبحت المسلمة تقلد الكافرة في كل شيء، حتى في قصة شعرها، وهذه من الهزيمة النفسية التي أصابت قلوب كثيرٍ من النساء.
يجب على المسلمة ألا تقلد الكافرة في شيءٍ أبداً، وفي جزءٍ من الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم) إلخ، حسنه شيخنا الألباني، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح، وصححه الحافظ العراقي.
هذه بعض الشروط بإيجازٍ أيها الأحباب.
شبهات والرد عليها
يبقى بعض الشبهات والرد عليها في كلمتين اثنتين وهي: الحديث الذي يستدل به بعض العلماء الذين يقولون بجواز كشف الوجه، ونحن نحسن الظن بهم ولا نتهمهم والعياذ بالله، فنحن نحب شيوخنا وعلماءنا، ولكن الحق أحب إلينا منهم، يستدلون بحديث أسماء الذي رواه أبو داود والبيهقي من حديث خالد بن دريك، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق -أو رقيقة- فأعرض عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وقال يا أسماء: إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى وجهه وكفيه) هذا الحديث كما هو معروف لكل طالب علم مبتدئ في علم الحديث لا يصلح بحالٍ للمتابعات والشواهد، ولا يحتج به أبداً؛ لأن به ثلاث علل من علل الحديث القادحة: العلة الأولى: أنه حديثٌ مرسل من طريق خالد بن دريك عن عائشة؛ لأن خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها، وخالد من أتباع التابعين، ومعلومٌ لكل علماء الحديث أنه لا يحتج بالحديث المرسل، بل ومنهم من قال: لا يحتج إلا بحديث مرسل عن كبار التابعين فقط، كـ سعيد بن المسيب وغيره، وخالد من أتباع التابعين.
العلة الثانية: فيه سعيد بن بشير الأزدي وهو ضعيفٌ كما ضعفه الحافظ الذهبي وضعفه الحافظ ابن حجر، ومن رجال هذا الحديث أيضاً قتادة وهو مدلس، فبالله عليكم! حديث انقطع فيه السند، مرسلٌ ضعيفٌ، وفيه ضعفٌ في رواته، وفيه تدليس، فعند كل طالب علم مبتدئ يعلم علم اليقين أن هذا الحديث لا يحتج به، ولا يصلح أبداً للمتابعات والشواهد.
كنتُ أود أن أفند معظم الشبه الباقية، ولكن إن في هذا كفاية، وإن هذا لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ورحم الله من قال نداءً إلى المسلمة الطاهرة:
فلا تبالي بما يلقون من شبهٍ وعندك العقل إن تدعيه يستجب

سليه: من أنا؟ ما أهلي؟ لمن نسبي؟ من غرب أم أنا للإسلام والعرب؟ ِ

لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذبِ؟
فيا أيها الأحباب ويا أيتها الأخوات: أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الصواب، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك ومولاه.
ومعذرةً لكم؛ لأنَّا قد أطلنا عليكم اليوم كثيراً، أسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الوقت في ميزان حسناتكم، وميزان أعمالكم في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
وأسأل الله جل وعلا أن يطهرنا وإياكم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم بارك في حكام المسلمين، وفي نساء المسلمين، وفي شباب المسلمين، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشدٍ، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمركم الله جل وعلا بذلك في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه.
هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ أو سهوٍ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
الخلوة والاختلاط
جاء دين الإسلام بحفظ ضروريات خمس لا تقوم المجتمعات إلا بحفظها، ومن هذه الضروريات: حفظ الأعراض؛ ولأجل ذلك سن الدين الحنيف للمسلمين الزواج؛ حتى لا تختلط الأنساب، ومنع الفاحشة بعد أن وضع لها البديل، ثم لما حرم الفاحشة حرم مقدماتها، ومن مقدماتها: الخلوة والاختلاط.
ضمانات وقائية من الوقوع في الفاحشة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فمرحباً بكم -أحبتي في الله- وأسأل الله جل وعلا بدايةً أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يجعل شهر رمضان شاهداً لنا لا علينا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار بمنه وكرمه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الأحبة: لقد توقفنا في شهر رمضان مع فضائل هذا الشهر العظيم، فتعالوا بنا لنواصل حديثنا مرة أخرى ألا وهو: دروسٌ من سورة النور، فنحن اليوم على موعدٍ مع الدرس السادس من دروس سورة الستر والعفاف سورة النور، وما زال حديثنا بفضل الله جل وعلا عن الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام سياجاً حامياً وواقياً لأفراده من الوقوع في الفاحشة الكبرى -والعياذ بالله- ولقد جمعنا هذه الضمانات الوقائية في عدة ضمانات: أولاً: تحريم النظر إلى المحرمات.
ثانياً: تحريم التبرج وفرض الحجاب على المرأة المسلمة.
ثالثاً: تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر.
رابعاً: تحريم الغناء الخليع الماجن.
خامساً: الحض على الزواج لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، والحض على الصوم لمن لا يستطيع، والحض على عدم المغالاة في المهور.
ونحن اليوم بفضل الله جل وعلا على موعدٍ مع الضمان الثالث من هذه الضمانات ألا وهو: تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر، فأعيروني القلوب والأسماع -أحبتي في الله- ونسأل الله بدايةً أن يرزقنا التوفيق والصواب، إنه ولي ذلك ومولاه.
أيها الأحبة: إن الإسلام منهج حياةٍ متكامل لا يقوم على العقوبة ابتداءً، وإنما يقوم على توفير الأسباب للحياة النظيفة الطاهرة، ثم يعاقب بعد ذلك من ترك هذه الأسباب الميسرة، وذهب ليتمرغ في الوحل والطين والتراب طائعاً مختاراً غير مضطر.
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع طاهرٍ نظيف لا تستثار فيه الدوافع والشهوات الكامنة؛ لذا فقد وضع مثل هذه الضمانات والضوابط والقيود.
إن الإسلام العظيم إنما هو تشريع الذي يعلم من خلق: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه} [البقرة:140] {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] إنه دين الله جل وعلا، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
تحريم الخلوة والاختلاط
أيها الأحبة في الله: ومن أعظم الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام سياجاً واقياً للمرأة المسلمة أولاً، ولأفراد المجتمع الإسلامي ثانياً أن حرم الخلوة بين المرأة الأجنبية والرجل الأجنبي، وأن حرم الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء، لماذا؟ لأن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق في التكوين النفسي والحيوي؛ لأن الله قد أناط به امتداد الحياة على ظهر هذه الأرض، لذا فهو ميلٌ دائمٌ لا ينقطع ولا ينتهي، والمرأة بطبيعتها فطرت على الأنوثة والجمال وحب الزينة؛ ليتم الانسجام بينها وبين شريك حياتها كما أراد الله، والإسلام لم يتنكر لتلك الفطرة التي فطرت عليها المرأة، ولم يعاكسها الإسلام في أنوثتها، وحبها للزينة والجمال، ولكن الإسلام أحاطها بسياجٍ من الوقاية لا كما يقول زعماء وعبيد المدنية السوداء: بأنكم تخافون على نسائكم أكثر من خوف الغرب الملحد والكافر على نسائه، نقول: ليس كذلك يا دعاة الغربية والمدنية! تحت ستار التحرر والتطور الأسود، وإنما لأن امرأتنا في الإسلام درةٌ مصونة، ولؤلؤة مكنونة، لا يريد الإسلام لها أن تعبث بها الأيدي الآثمة، ولا أن تمتد إليها النظرات السانية، إنما هي أمنا وأختنا وبنتنا وزوجتنا، فهي في غاية من الصون والحفظ والعفاف.
الإسلام ما أحاط المسلمة بهذه الضمانات إلا حماية لها، وحرصاً عليها، وحفظاً لها ابتداءً، ولأفراد مجتمعها المسلم الذي تعيش فيه انتهاءً.
فالخلوة محرمة بين الرجال والنساء، والاختلاط محرم في دين الله جل وعلا، ونظراً لأن هذا الموضوع طويل -أيها الأحبة- فسوف أركز فيه الحديث في عدة عناصر: أولاً: خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية والأدلة على تحريمها.
ثانياً: صورٌ من الخلوة المحرمة شرعاً.
ثالثاً: مأساة من الواقع، وعظة من القرآن.
رابعاً: خطورة الاختلاط والأدلة على تحريمه.
خامساً: صورٌ من الاختلاط المحرم شرعاً.
سادساً: مأساة من الواقع، وصورة مشرقة من القرآن.
سابعاً: فهل من مدكر؟ فأعيروني القلوب والأسماع أحبتي في الله!
خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية والأدلة على تحريمها
الخلوة هي: أن ينفرد الرجل بامرأة أجنبية عنه في غيبة عن أعين الناس، هذه خلوة محرمة في دين الله، ولو كانت بين أصلح الرجال وأتقى النساء فهي حرام في دين الله جل وعلا.
والأدلة على تحريمها من شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، من هذه الأدلة -أيها الأحبة- حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم) وفي رواية أخرى في البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون أحدكم بامرأة ليس معها ذو محرم، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجّة -خرجت تحج بيت الله الحرام- وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا) أتدرون ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ارجع فحج مع امرأتك) هل تفلسف هذا الرجل وقال: لا يا رسول الله! كيف أدع الجهاد في سبيل الله وأذهب لمرافقة زوجتي؟ أنا أثق في أخلاقها يا رسول الله! أنا لا أشك في تربيتها يا رسول الله! كيف تأمرني بهذا وهي بنت بيت التقى والورع والدين والالتزام، لا، إن المرأة هي المرأة وإن الرجل هو الرجل، والمرأة تضعف أمام شهوتها وغريزتها ولو كانت ذات شرفٍ ومنصبٍ وجمال إلا لمن عصم الكبير المتعال جل وعلا.
فرجع الرجل فحج مع امرأته بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي مكانتك عندنا أيتها الأخت الكريمة الفاضلة، هذه هي مكانتك أيتها المسلمة الكريمة، أنت درتنا المصونة، أنت لؤلؤتنا المكنونة التي حرص الإسلام على ألا تمتد إليك الأيدي العابثة، ولا أن تلوثك النظرات الآثمة، لا والله، بل أنت مكرمةٌ في دين الله وعزيزة في شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث -أيها الأحباب- الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الترمذي في سننه وقال: حديث حسنٌ صحيح، ورواه الإمام الحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) هذا كلام الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى.
أسمعت أيها الحبيب الكريم؟ أسمعتِ أيتها الأخت الكريمة الفاضلة؟: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) لا تقل: أنا أثق في أخلاق المرأة، ولا تقل: أنا أثق في تربيتها، ولا تقل: أنا أثق في أخلاق الرجل، وأثق في ورعه وزهده وتقواه، المرأة امرأة، والرجل هو الرجل: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) بشهادة من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأةٍ ليس معها ذو محرم، فإن ثالثهما الشيطان) هذا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، إن الشيطان ثالثهما وشريكٌ في هذا اللقاء، فيزين المرأة للرجل ولو كانت دميمة، وسيزين الرجل للمرأة ولو كان قبيحاً، وكثيراً ما نرى من الجرائم والحوادث التي ينخلع لها القلب.
إننا نرى رجلاً قد ارتكب معصية الزنا مع امرأةٍ وهو متزوج، ولو نظرت إلى زوجته لرأيت أن الله قد أعطاه امرأةً حسناء جميلة، على خلقٍ ودين، وذهب إلى امرأةٍ قبيحة دميمة ليفعل بها الفاحشة، ما هذا؟! إن الشيطان قد زينها له، وزينه لها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان) ما معنى استشرفها؟ علاها، أي: علا الشيطان المرأة، إنها جنديٌ من جنود إبليس إذا خرجت على غير شرع الله وعلى غير الضوابط التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا خرجت استشرفها الشيطان، فيزينها في قلوب الرجال، ويزين الرجال في قلبها، وربما تكون المرأة تقية نقية طاهرة وخرجت لحاجة من حوائجها الضرورية دينية كانت أو دنيوية، إلا أن الشيطان لا يدعها وإنما يزينها للرجال -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- فما ظنك بعد ذلك بامرأة متبرجة متعطرة متزينة متكسرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ولذا أيها الأحباب: حذر النبي صلى الله عليه وسلم، تحذيراً صريحاً واضحاً كما في حديث البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والدخول على النساء -تحذير شديد اللهجة- فقام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحمو الموت) وزاد مسلم قال الليث: الحمو: أخو الزوج وأقارب الزوجة من غير المحارم، إذا دخل أخوك على زوجتك وخلا بها فهي خلوةٌ محرمة في دين الله.
سترى كثيراً من الناس يعجبون لهذا الكلام، ويقول: ما هذا التنطع والتطرف يا شيخ؟! إنه أخي يدخل على أولادي ماذا في هذا؟! ما هذا التطرف الذي أنتم فيه؟! ما هذا الدين الجديد الذي جئتمونا به؟! هل أخي لا يدخل على زوجتي في غيبتي؟! نقول: نعم، لا يدخل عليها، إنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، دين الله -يا عبد الله- هل أنت أعلم بالناس من الله؟ هل أنت أعلم بطبائع البشر ممن لا ينطق عن الهوى، من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الحمو هو: أخوك وأقاربك، وأقارب الزوجة من غير المحارم لا يدخلون على الزوجة في غيبتك، وإلا فالموت والهلاك والدمار بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) الهلاك في ذلك، وربما لا تقع المعصية من أول مرة، والشيطان له خطوات: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:208] وله مداخل -يا عباد الله- لا تقل: أنا أثق فيها، إنها امرأة يا عبد الله! وإنه رجلٌ يا عبد الله! هل يقرب (البارود) من النار ونقول: إننا قد وضعنا تحذيراً شديداً للنار ألا تشتعل في (البارود)؟! إنه خداعٌ في خداع، لا يدخل أخوك على زوجتك في غيبتك.
مأساة من الواقع
إن ما سبق يجرنا للحديث عن العنصر الثاني ألا وهو: مأساة من الواقع، وهذه طالعتنا به جرائدنا السوداء التي راحت هي الأخرى تنم عن نفسها بمنتهى الصراحة والوضوح كوضوح الشمس في رابعة النهار، طالعتنا الجرائد بمأساة وسوف ألخصها بقدر ما يسمح به الحياء والمقام، وتتلخص هذه المأساة في قصة امرأة غاب عنها زوجها وترك لها من وسائل الإفساد والفساد ما الله به عليم؛ ترك لها التلفاز ذلك الصنم الأكبر، ذلك الشيطان الذي جثم على الصدور في البيوت والقلوب، ودخل عقر دور المسلمين برغبتهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- يبث الرذيلة بثاً، ويدمر الأخلاق تدميراً على مرأى ومسمعٍ منا، وكان لبناتها غرفة خاصةٌ بهن، أودعت بداخلها التلفاز والفيديو -احذر أيها المسلم! احذري أيتها المسلمة- تركت لبناتها في غرفتهن التلفاز والفيديو، وبعد مرور الزمان ومضي الأيام دخلت البنات بشريطٍ جنسيٍ -والعياذ بالله- ليشاهدنه في غرفتهن الخاصة، وأصبح الأمر عادياً لدى البنات بعد ذلك، والأب مشغول، والأم مشغولة لا تدري عن حال بناتها شيئاً، ولا يعلم الأب عن حال بناته شيئاً، إنه مشغولٌ بهذا أو ذاك، ودخل عم البنات يوماً عليهن، وكان يدخل كعادته بغير ضوابط وبدون قيود وشروط، أمر عادي، إنه عم البنات، إنه أخو الزوج، فما في ذلك؟ ما هذا التنطع والتشدد؟ دخل العم كعادته فما الذي جرى؟ دخل إلى غرفة البنات وهو لا يعلم شيئاً، وبتلقائية طبيعية وضع يده على زر جهاز الفيديو اللعين ليشغل الجهاز ليقضي الوقت حتى ترجع البنات، وإذ به يرى الفاجعة الكبرى، يرى الشريط الذي نسي في هذا الجهاز، ويضعف هذا الرجل أمام هذه المناظر التي تحول العباد الزهاد إلى فساق فجار، يضعف ويجلس ليرى، وتدخل عليه زوجة أخيه بكأس من الشاي قد أعدته له، فترى المرأة ما يحول التقيات الطاهرات إلى فاسقات ماجنات، وباختصار بقدر ما يسمح به الحياء والمقام أوقع الشيطان بينهما فزنى بها.
والمؤلم في هذه المأساة -يا عباد الله- أن المرأة تقول: إن الأمر أصبح عادياً، بعد ذلك كثرت هذه الكبيرة وهذه المعصية، والذي يزعجها على حد قولها: أنها أرسلت رسالة إلى أهل الفتوى من العلماء والدعاة تقول: إن ما يزعجني في هذه الأيام أنني حاملٌ من أخي الزوج، فماذا أصنع؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! هذه ثمرة حنظلٍ مرّة من ثمرات البعد عن كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن عاند الناس شرع ربهم ونبيهم، هذه هي الثمار -يا عباد الله- هذه هي الثمرات المرة التي نجنيها من وراء عنادنا لشرع الله وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرك تحذيراً صريحاً، وقال: (الحمو الموت) فأبيت إلا أن تعاند أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: أنا أثق في أخلاق زوجتي ولا أشك في تربيتها، وأثق في أخلاق أخي ولا أشك في تربيته، هذا -يا عبد الله- لا ننكره، ولكن المرأة تضعف أمام شهوتها، وكذلك الرجل، إلا من عصم الله جل وعلا، وإلا من رحم الله جل وعلا.
صور من الخلوة المحرمة شرعاً
العنصر الثالث من عناصر هذا اللقاء هو: صور من الخلوة المحرمة شرعاً: لأن كثيراً من الناس قد وقع في الحرام وهو لا يدري، فمن صور الخلوة المحرمة: أن تفتح المرأة بيتها لأصدقاء زوجها، وأقاربها من غير المحارم، وأقارب الزوج من غير المحارم، تفتح البيت في غياب الزوج تقول: تفضل استرح وتعطيه فنجاناً من القهوة أو من الشاي حتى يعود زوجي، وحتى يعود صديقك، فيدخل الرجل ويخلو بها وتخلو به، وقد لا تقع المصيبة أول مرة؛ لأن الشيطان يسير على خطوات كما قال رب الأرض والسماوات، هذه خلوةٌ محرمة في دين الله عز وجل.
ثانياً: من صور الخلوة المحرمة: أن يخلو السائق بالمرأة في السيارة في غيبة عن أعين الناس، وهذا مما ابتلي به كثيرٌ من المسلمين -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وربما كان السائق شاباً وسيماً جميلاً يخلو بالمرأة في سيارةٍ واحدة في غيبة في بعض الطريق عن أعين الناس، ولا يعلم طبيعة الحوار الذي يدور في السيارة إلا الذي يسمع ويرى، خلوة محرمة في دين الله.
ثالثاً: من صور الخلوة المحرمة: أن يخلو الخطيب بمخطوبته بحجة أن يتعرف كل منهما على أخلاق الآخر، وخاب الجميع وخسروا، وبعد ذلك نندم يوم لا ينفع الندم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! رابعاً: من مظاهر وصور الخلوة المحرمة: أن تذهب المرأة وحدها بغير محرم إلى الطبيب، فيخلو الطبيب بها بحكم عمله، ويكشف عن مواطن حساسة في جسدها بحكم وظيفته، وهي خلوة محرمة في دين الله، أسمعت يا عبد الله؟! أسمعت يا أمة الله؟! خلوة محرمة في دين الله جل وعلا، إن اضطرت المرأة إلى الطبيب حينما عجزت عن عدم وجود الطبيبة المسلمة فيجوز لها أن تذهب إلى الطبيب مع محرمٍ من محارمها، لا تذهب وحدها ويخلو بها الطبيب وتخلو بالطبيب، وهذه خلوة محظورة شرعاً في دين الله جل وعلا.
خامساً: من أخطر مظاهر وصور الخلوة المحرمة في دين الله عز وجل: أن يخلو الخادم في البيت بالمرأة وحدها، وأن يخلو الرجل في البيت بالخادمة وحدها، وكم وقع من المآسي والمصائب بسبب ذلك، أن يخلو الخادم بالمرأة، يخرج الرجل إلى عمله أو إلى شأنٍ من شئونه، ويترك الخادم في البيت طوال الساعات، وربما يكون الخادم شاباً وسيماً جميلاً، وربما يكون الزوج مسناً أو كبيراً أو دميماً أو مخاصماً لزوجته أو هاجراً لفراش زوجته، فتقع المصيبة -يا عبد الله- لأن الكلفة ترفع على مدى الأيام والزمان، هي تناديه وتأمره وتنهاه وهو يجيب بحكم طبيعة عمله، ولكن المرأة امرأة، والرجل هو الرجل، والرسول أخبر بأنه: (ما خلا رجلٌ بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) وقد تقع المصيبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!




خطورة الاختلاط والأدلة على تحريمه
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة: العنصر الرابع هو: خطورة الاختلاط، والأدلة على تحريمه.
والاختلاط أيها الأحباب: هو اختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم بلا شك في مكانٍ واحدٍ بدون حجبٍ ولا حواجز، ووالله إن الاختلاط حتى في أماكن العبادة حتى في بيت الله الحرام خطر جسيم وشرٌ عظيم، ولقد قال الله سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب:53] ولكننا نرى النساء يدافعن ويزاحمن الرجال حتى حول بيت الله الحرام بصورة يندى لها الجبين ويقشعر لها البدن أسفاً وحزناً، ترى النساء بصورة متبجحة -إلا من رحم الله جل وعلا- وهن كثرة ولله الحمد والمنة، إن الخير لا ينقطع في هذه الأمة أبداً إلى قيام الساعة، فإننا نرى نساءً على قمة الحياء والالتزام والورع والدين -نسأل الله أن يكثر من أمثالهن، وأن يزيدهن حياءً وشرفاً وعفة.
الاختلاط أما تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصص باباً في مسجده للنساء حتى لا يختلط النساء بالرجال، قال نافع: [لما خصص النبي صلى الله عليه وسلم باب النساء قال عبد الله بن عمر: والله لن أدخل منه أبداً.
فما دخل منه عبد الله حتى توفاه الله عز وجل] وهو بابٌ معروف الآن في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بباب النساء إلى جوار باب جبريل عليه السلام، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال أن يتأخروا ولا ينصرفوا بعد السلام حتى ينصرف النساء، حتى لا يختلط الرجال بالنساء في موطن العبادة والصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) حتى لا يقترب الرجال من النساء ولا يقترب النساء من الرجال، وكانت المرأة في هذا العهد النبوي المبارك تستحي من الرجال، لا تدافع الرجال ولا تزاحمهم في المساجد والطرقات، وإنما كانت تطوف حول بيت الله بعيدةً عن مدافعة الرجال، ولما جاءت امرأة -والحديث في صحيح البخاري - إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: [قومي بنا، انطلقي نستلم يا أم المؤمنين! فقالت: انطلقي إليك عني] وأبت رضي الله عنها أن تقوم لتطوف مع هذه المرأة خشيت أن تدافع الرجال أو أن تزاحمهم، وروى الإمام الشافعي في مسنده: جاءت امرأة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: [يا أم المؤمنين! لقد طفت بالبيت سبعاً واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً -أي: قبلت الحجر مرتين أو ثلاثاً أتدرون ماذا قالت عائشة -؟ قالت لها: لا آجرك الله تدافعين الرجال ألا كبرتِ ومررتِ؟ ألا كبرتِ ومررتِ تدافعين الرجال عند الحجر] وهذا ما نراه -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- بل والله ترى المرأة بغير خجل ولا حياء تقف أمام عينيك وبين يديك لتركع وتسجد بثيابٍ لا يعلم حالها إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون! إن الحياء هو شرف المرأة ورأس مالها وعظيم بضاعتها: (الحياء والإيمان مقرونان إذا رفع أحدهما رفع الآخر).
يا عباد الله! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) إن الحياء خصلة عظيمة من صفات المرأة المسلمة النقية المؤمنة التقية، فنسأل الله أن يرزق نساءنا الحياء، وأن يرزقنا الحياء والتقى إنه ولي ذلك ومولاه.
أيها الأحبة: لقد قالت كاتبة إنجليزية هي إلذي كوك هذه المرأة تقول: "إن الاختلاط بين الرجال والنساء شيءٌ يألفه الرجال، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا".
امرأة أجنبية كافرة تقول هذا الكلام؟! والحمد لله أثبتت الدراسات والإحصائيات كذب وافتراء ما كان يدعيه عبيد المدنية الغربية وعبيد التطور والتحرر تحت ستار المدنية الأسود، أثبتت الدارسات والإحصائيات عكس ما يقولون، كانوا يقولون: إن الاختلاط يهذب غريزة الرجل، إن الاختلاط يخفف من الكف الجنسي بين الرجل والمرأة، فعلامَ هذا الغلو والتطرف؟ أثبتت الإحصائيات والدراسات عكس ذلك، وتعد هذه الدراسات بمثابة الصفعة على وجوه هؤلاء؛ لأن الرجل مع المرأة بارودٌ إلى جوار النار، لا بد وأن يشتعل حتماً وإن تأخر، وقد أثبتت الدراسات بأن الجرائم تنتشر بكثرة، ولا أريد أن أعكر الصفو بأكثر من هذا، فوالله كنت قد أعددت قصتين تخلعان القلوب من الصدور، ولكن يكفي هذا، والأمر واضحٌ لكل المسلمين والمسلمات.
الإحصائيات بمثابة الصفعة على وجوه أدعياء الاختلاط مهلاً مهلاً يا دعاة المدنية والسفور!! مهلاً مهلاً يا دعاة الاختلاط!! ارجعوا واقرءوا الدراسات والإحصائيات لتعلموا أن كثرة الاختلاط كثرةٌ للجرائم والفواحش والزنا -والعياذ بالله- فإلى عبيد المدنية الغربية والمدنية الذين أطلقوا العنان لبناتهم ونسائهم فخالطن الرجال وخلون بالرجال.
اتقوا الله يا عباد الله! واعلموا بأنكم موقوفون بين يدي الله جل وعلا: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) وستسأل بين يدي الله جل وعلا عن هذه البنت وعن هذه الزوجة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
خامساً: صور من الاختلاط المحرم
من صور الاختلاط المحرم أيها الأحبة: أن يختلط الرجال بالنساء فيما يسمى بالجلسات العائلية، وتظهر المرأة فيها على أتم زينة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وهذا اختلاطٌ محرم في دين الله.
أيضاً من صور الاختلاط: الاختلاط في دور التعليم، وأصبح الأمر واضحاً لكل مسلم بأن الجامعات أو معظم دور الدراسة والتعليم قد تحولت إلى سباقٍ علني واضح لأرقى الموديلات وأحدث الأزياء وأرقى العطور والبرفانات.
ومن صور الاختلاط المحرم: الاختلاط في أماكن العمل، وهذا ما يغفل عنه كثيرٌ من الطيبين والطيبات، الإسلام لا يحرم عمل المرأة إذا اضطرت إلى ذلك وألجأتها الضرورة إليه، لكن بضوابط وشروط وقيود، ونحن في حاجة إلى أن تعمل المرأة في موطن الطب لتعالج النساء لا الرجال، وفي حاجة إلى معلمة مسلمة لتعلم البنات لا الأولاد والشبان، وهكذا -أيها الأحبة-.
أكتفي بذلك القدر، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبل منا وأن يرزقنا وإياكم الزهد والحياء والإخلاص والتقى والعفاف، اللهم احفظ بناتنا، اللهم احفظ نساءنا، اللهم جملهن بالحياء يا رب العالمين!
الشهوات والملذات
إن فتنة الشهوات والشبهات لا تأتي إلا عن قلة العلم، واتباع الهوى، وكثرة المعاصي، وسيطرة الدنيا على القلوب، ومما يساعد على انتشار هذه الشبهات الفتاوى المضلة، وكذلك الأفكار المنحرفة والقول على الله بغير علم.
والمخرج من هذه الفتنة وهذه الغربة في الدين هو بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الكتاب: دروس للشيخ محمد حسان
المؤلف: محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
[  الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 159 درسا]
الاسم : محمد إبراهيم إبراهيم حسان
اسم الشهرة : محمد حسان
الميلاد : 8 / 4 / 1962
ولد في قرية دموه مركز دكرنس / الدقهلية
المؤهل : بكالوريوس إعلام - جامعة القاهرة
عمل مدرساً لمادتي الحديث ومناهج المحدثين في كليتي الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام / محمد بن سعود.

تلقى العلم على يد : -
1 - الشيخ عبد العزيز بن باز
2 - الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين
3 - الشيخ عبد الله بن الجبرين
4- الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

ترجمة الشيخ:

هو العالم الجليل فضيلة الشيخ: محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان المعروف بـ "محمد حسان"

ولد فضيلة الشيخ: محمد حسان عام 1962 فى قرية "دموه" مركز دكرنس بمحافظة الدقهليه فى بيت متواضع عرف عنه التدين والصلاح ، تولى تربيته جده لأمه الذي توسم فيه من الذكاء وقوة الذاكرة ما يؤهله لحفظ كتاب الله ،فألحقه بكتَاب القريه وهو فى الرابعة من عمره ، فما ان بلغ الثامنة إلا وكان الله قد من عليه بحفظ القرآن الكريم كاملاً على يد الشيخ: مصباح محمد عوض رحمه الله ، الذى الزمه بحفظ متن أبى شجاع فى الفقة الشافعى و بعض متون العقيدة.

لاحظ جده قوة حفظة الشديدة فألزمة بحفظ كتاب رياض الصالحين, و أنهى حفظه فى الثانية عشر من العمر, ثم حفظ الأجرومية و درس على يد الشيخ مصباح التحفة الثنية, فعشق اللغة العربية و الشعر من صغرة.

بدأ بالتدريس فى الجامع الكبير فى القرية و هو فى الثالثة عشر من العمر بكتابى فقة السنة و رياض الصالحين.

ثم كلف من جده لإمه أن يخطب الجمعة و كانت أول خطبة فى قرية ميت مجاهد بجانب قرية دموه و هو فى الثالثة عشر من العمر و كانت خطبة رقراقة عن الموت و تأثر المصلين للخطبة تأثرا شديدا, و حاذ على إعجاب جميع المصلين و دعاه شيخ المسجد للخطابة فى الجمعة المقبلة.

و من هذا الوقت لم يترك الشيخ خطبة الجمعة إلا نادرا لمرض أو لسفر.

التحق الشيخ بكلية الإعلام جامعة القاهرة وانتفع ببعض المواد إنتفاعا كبيرا فى الدعوة مثل (مادة تحليل المضمون) و (مادة كيفية مخاطبة الجماهير).

و كان فى هذا الوقت يواظب على الدروس الشرعية على يد كثير من شيوخ الأزهر و خاصة فى الفقة و التفسير.

و لم ينقطع الشيخ عن خطبة الجمعة و لا التدريس, و كان له درس أسبوعى فى المدينة الجامعية.
و فى أجازة الصيف الأولى من الجامعة سافر الشيخ إلى الأردن لمحدث الشام و مجدد القرن أبو عبد الرحمن الشيخ الألبانى رحمه الله, وكان مازال فى الثامنة عشر من عمره و حضر بعض اللقائات القليلة للشيخ الألبانى, وعمل فى هذه الفترة إمام وخطيب لمسجد بالقرب من مدينة سحاب.

بعد فترة الجامعة إلتحق الشيخ بمعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة, و قدر الله الا تكتمل دراسته فى المعهد بسبب فترة التجنيد الإلزامى, والتحق فى الجيش بالتوجية المعنوى وبدأ فى إلقاء الدروس و الخطب فى الجيش.

بعد فترة التجنيد ظل الشيخ فى مدينة السويس يدرس فى المساجد و يلقى الخطب, و التف حوله أهل السويس, و ذاع صيته فى المدينة.

سافر الشيخ إلى الرياض و كان يصلى فى مسجد الراجحى بمنطقة الربوة و تعلم الحكمة و تربى على يد الشيخ أبو صالح سليمان الراجحى.

و ذهب الشيخ محمد حسان مع الشيخ صفوت نور الدين للقاء سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز, و بدأ فى تلقى العلم على يد الشيخ عبد العزيز بن باز و بدأ فى المرحلة الحقيقية لطلب العلم الشرعى على يد عالم الزمان و إمام أهل السنة فى عصره عبد العزيز بن باز, و عكف على طلب العلم و جالس الشيخ سنين ينهل من علمه فسمع منه كثير من الشروح مثل شرح فتح البارى و النونية و الطحاوية و الواسطية و فى الفقة و أصوله و كثير من الشروح.

و انهى الشيخ محمد حسان الطحاوية كاملة على يد الشيخ بن جبرين, و درس عليه كثير من الشروح فى الفقة و أصوله, و التفسير و العقيدة.

ثم جلس بين يد الشيخ عبد القادر شيبة الحمد و أنهى شرح كتاب بلوغ المرام.

بعد فترة حافلة من طلب العلم كلفة الشيخ سليمان الراجحى بالإنتقال الى مسجده بالقصيم, و فى إفتتاح أحدى المشروعات و بحضور أكابر العلماء فى المملكة كلف الشيخ سليمان الشيخ محمد بالخطابة أمام كم كبير من أكابر العلماء, و قام بعد الخطبة الشيخ عبد الله بن منيع بتكليف من الشيوخ الإجلاء بمنح الشيخ محمد حسان شهادة الدكتوراه.

جلس الشيخ محمد حسان فى فترة القصيم بين يدى الفقية الأصولي العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-.

ثم كلف الشيخ محمد حسان بالتدريس فى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم كليتى الشريعة و أصول الدين, بتزكية من العلامة محمد بن صالح العثيمين, بتدريس مادة الحديث و مادة مناهج المحدثين و مادة تخريج و طرق الحديث.

ويوجد لفضيلة الشيخ محمد حسان عشرات الكتب ومئات الاشرطه فى شتى فروع العلم ، ولم يتوقف نشاطه على تأليف الكتب والقاء المحاضرات والخطب إنما تعداه الى زيارة الكثير من دول العالم محاضراً وداعياً وخطيباً ، هذا بالإضافه لمشاركته فى عشرات المؤتمرات الدولية والمحلية المهتمة بالإسلام والمسلمين، نذكر منها المؤتمر الذى عقد بمدينة نيويورك الامريكيه والذى اشهر فيه 75 شخصاً إسلامهم بمجرد ان انتهى الشيخ محمد حسان من القاء كلمته.


الأن الشيخ محمد حسان متفرغ للدعوة و له درس أسبوعى فى مسجد مجمع التوحيد بقرية دموه بالمنصورة.

و يقوم بالتدريس فى معاهد إعداد الدعاة فى المنصورة - ورئيس مجلس إدارة مجمع آهل السنه.
و يدرس مواد:
-مادة العقيدة بمعهد إعداد الدعاة بالمنصورة.
-"منهاج المحدثين ، تخريج أحاديث ، شرح حديث جبريل".
- و السيرة النبوية

نسأل الله أن يبارك فى عمره و علمه و يزيده من فضله و يجازيه خير الجزاء فى الدنيا و الأخرة.

مصنفاتة:
1- حقيقة التوحيد
2- خواطر على طريق الدعوة
3- قواعد المجتمع المسلم
4- الإيمان بالقضاء والقدر
5- الثبات حتى الممات
6- أئمة الهدي ومصابح الدجى
7- جبريل يسأل والنبي يجيب
8- مسائل مهمة بين المنهجية والحركية

و له مئات الدروس و السلاسل العلمية و الخطب, و موجود بعض منها على مواقع طريق الإسلام و الشبكة الإسلامية و نداء الإيمان.

نقلا عن موقع طريق الإسلام
http://www.islamway.com



تعليقات