القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

9. العرب الإيجابيون - تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم





9. العرب الإيجابيون



لعل ما تمر به منطقتنا العربية من نزاعات سياسية وصراعات مذهبية ودينية وتراجعات اقتصادية وتحولات اجتماعية وهزائم علمية وحتى رياضية يجعل الحديث عن مفهوم الإيجابية كأحد الحلول التنموية مستهجناً وبعيداً عن الواقعية ومفرقاً في المثالية.



ولست هنا في معرض الحديث عن إصلاح هذا التراجع الحضاري الذي تمر به منطقتنا، فهذا يحتاج لبحث آخر مستقل، وجهد بحثي مكثف، وحلول عملية تتناسب مع خصوصيتنا الحضارية والثقافية والسياسية، ولكن في هذه العجالة أحببت فقط أن أقول لإخواني العرب، لم لا نجرب أن نغير نظرتنا لبعض الأمور، ونتحلى بقدر من الإيجابية في تعاملنا مع التحديات التي تواجهنا ونبقي قليلاً من التفاؤل تستطيع الأجيال الجديدة أن تعيش عليه وأن تحقق ذاتها من خلاله؟


ما دمنا كعرب جربنا الكثير من النظريات والأفكار والمناهج، فلا ضير في أن نجرب أن نكون إيجابيين لبعض الوقت، ونغير السوداء من النظارات لفترة من الزمن، ونكون إيجابيين حول بعض الأمور. ولعلي أقترح هنا أن نبدأ بتغيير نظرتنا لثلاثة أشياء كبداية.


أولاً: النظر بإيجابية لقدراتنا وإمكاناتنا. الثقة بالنفس هي أولى خطوات التغيير للأفضل. لا بد أن تتغير نظرة العرب بشكل عام لقدراتهم وإمكاناتهم. لا بد أن تكون لديهم ثقة أن بإمكانهم تغيير واقعهم وتغيير العالم من حولهم، والإيمان بإمكانية تحولهم لقوة عظمى اقتصادياً وسياسياً وعلمياً خلال فترة بسيطة من الزمن، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الإيجابية في مؤسساتنا وشعوبنا وثقافاتنا، وشجاعة قلبية كبيرة لترسيخ اليقين فينا بقدرتنا على المنافسة في هذا العالم.


منطقتنا منطقة حضارات، نحن صناع حضارات، منذ آلاف السنين وأبناء هذه المنطقة منبع الحضارات وأصلها وقدموا الكثير للعالم، لماذا لا يستطيع أبناؤهم اليوم تكرار التفوق الحضاري نفسه الذي حققه أجدادهم الذين ما زال تأثيرهم حاضراً معنا اليوم.


انظروا مثالاً لتكنولوجيا الكمبيوترات القائمة على الرقمين صفر وواحد. الصفر خرج من عندنا ولدينا فضل في تقدم هذا العلم، لأن استخدام الصفر بشكله المعروف حالياً يعود إلى الحضارة الإسلامية التي قدمته للعالم بشكل رياضي متطور على يد عالم الرياضيات الخوارزمي، حتى الأرقام الأجنبية الحالية أخذها الأوروبيون من العرب، ويقال إن حتى الحروف اللاتينية أصلها سامي وليس أوروبي، لأنها فينيقية والفينيقيون هم أبناء هذه المنطقة.



الحضارات الغربية الحديثة استفادت منا ومن علمائنا في علوم الطب والفلك والكيمياء والرياضيات، وهذه طبيعة الحضارات، أنها تتفاعل مع بعضها وتبني على علوم من سبقوها، وتبدأ من حيث انتهت عقول وأفكار من جاؤوا قبلها، نحن أبناء هذه المنطقة قدمنا الكثير من الإبداعات والابتكارات للعالم، ونستطيع اليوم  أيضاً أن نقدم شيئاً جديداً ومختلفاً للعالم مرة أخرى، تنقصنا فقط الثقة بالنفس، وتغيير ثقافة الأجيال الجديدة لتنظر بإيجابية لتاريخها وقدراتها وإمكاناتها وطاقاتها الهائلة الكامنة فيها.


                ثانياً: النظر بإيجابية للمستقبل: أنا أستغرب من كمية التشاؤم الكبيرة الموجودة في الكثير من الدول العربية، وخاصة في منتجاتها الفكرية والإعلامية والدرامية. بل للأسف أبدع الكثير من شعوبنا في صياغة الأمثال التي تدعو للإحباط، وتقلل من إمكانية تغيير المستقبل، مع أن التفاؤل جزء من ثقافتنا وجزء من ديننا أيضاً.
كان العرب في الجاهلية إذا أرادوا السفر نفروا طيراً، فإذا طار يميناً تفاءلوا وإن طار شمالاً تشاءموا، وللأسف ما زال البعض لدينا يعيشون في تلك الجاهلية.


انظروا لدول مثل اليابان وألمانيا خرجت مدمرة تماماً من الحرب العالمية الثانية، ملايين القتلى وخراب شامل في البنية التحتية، وخلال عشرات السنين أصبحت تقود اقتصاد العالم، لم ييأس أبناؤها، بل تعاونوا وتكاتفوا، وكانت لديهم ثقة بالنفس وإيمان بالقدرة على صنع المستقبل، وعملوا بجد واجتهاد حتى وصلوا.
                الحروب يمكن أن تدمر البنيان، ولكن الأخطر منها تلك التي تدمر الإنسان، وتقصف ثقته بنفسه، وتهدم تفاؤله بمستقبله، وتحيله إلى التقاعد عن إكمال السباق الحضاري والمنافسة العالمية.



في الإمارات كنا قبائل متفرقة، غير متعلمة، في صحراء قاحلة، واليوم نحن دولة عالمية متقدمة لأن ثقتنا بالمستقبل منذ البداية كانت تزيدنا إصراراً على العمل بشكل أفضل وأسرع وأكبر، وكلما تحقق إنجاز، ولو كان صغيراً، كانت هذه الثقة تكبر مع الأيام ومع الإنجازات والفضل والحمد لله وحده على هذه الثقة.


ثالثاً: التوقف عن الانتظار: كثير من العرب لديهم عقدة الانتظار، ينتظرون صلاح الدين، وينتظرون معجزة تهبط من السماء ليتغير حالهم، وهذا مخالف لقوانين الكون التي وضعها رب العالمين، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). الله سبحانه وتعالى يقول اعملوا، لم يقل انتظروا حتى نرسل لكم معجزة. لا بد لكل واحد منا أن يعمل ويجتهد، لا بد لكل دولة أن تبتكر في مشاريعها، وتنطلق في مبادراتها، كل وزارة ومؤسسة وشركة لا بد أن تعمل وأن يكون لديها طموح عالمي. كل شخص لا بد أيضاً أن يعمل بإخلاص وإتقان واجتهاد. لا بد أن نعمل ونستمر في العمل، وأن يكون لدينا طموح كبير، وثقة بأننا نستطيع تغيير واقعنا، ونستطيع أيضاً أن نغير العالم.


نحن في الإمارات لدينا تجربة مميزة في بناء حكومة ناجحة ومؤسسات قوية واقتصاد متنوع، ومستعدون لمشاركة خبراتنا مع أية دولة أخرى. هنالك دول كثيرة أيضاً لديها خبرات في مجالات قد تكون طبية أو علمية أو صناعية أو غيرها، لا بد أن نستفيد ونتعلم من بعضنا ولا ننتظر المستقبل.


البعض ينتظر أن يتوحد العرب أولاً، والبعض ينتظر أن تنتهي الحروب أولاً.  أسوأ شيء نفعله هو أن ننتظر الآن. الانتظار هدر في الطاقات وضياع للسنوات، وفوات للكثير من الإنجازات، الله سبحانه وتعالى يقول اعملوا لم يقل انتظروا حتى نرسل لكم معجزة.

(منذ آلاف السنين وأبناء هذه المنطقة هم منبع الحضارات وأصلها، وقدموا الكثير للعالم).

(أخطر الحروب تلك التي تدمر الإنسان، وتقصف ثقته بنفسه، وتهدم تفاؤله، وتحيله إلى التقاعد عن إكمال السباق الحضاري).

(أسوأ شيء نفعله هو أن ننتظر لأن الانتظار ضياع للسنوات، وفوات للإنجازات).

تعليقات