القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

6. اغمض عينيك لترى - تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم





6. اغمض عينيك لترى


هنالك صفة أساسية مهمة لأي قائد ناجح ألا وهي قدرته على رسم صورة إيجابية ومتفائلة للمستقبل، القائد الإيجابي هو الذي يستطيع أن يغمض عينيه ويتخيل المستقبل، ويرى الإنجاز الذي يريد تحقيقه بكل تفاصيله، وبكل جماله، ويكلل نتائجه، بصورة كاملة، حتى إنه يستطيع أن يعيش مشاعر هذا النجاح الذي لم يبدأ بعد، القائد الإيجابي هو قائد ذو رؤية ثاقبة تسبق بصيرة بصدره.


الإيجابية هي أن يكون لديك يقين كامل بقدرتك على نقل هذه الصورة من مخيلتك إلى أرض الواقع، وقدرتك على نقل مشاعر الحماسة والتفاؤل من نفسك إلى فريق عملك، وقدرتك على تحويل الفكرة والصورة الجميلتين إلى برنامج عمل لا يقبل التأجيل.


في مطلع السبعينات، ومع بداية وضع الأساسات للبنية التحتية الحديثة في دبي والإمارات، قرر الشيخ راشد، رحمه الله، أن يبني أطول برج في الشرق الأوسط في دبي، لم يكن بناء البرج شيئاً غريباً أو مفاجئاً لمن يعرف طموح الشيخ راشد العالي، الشيء الغريب كان مكان البرج.

                بنى الشيخ راشد البرج في وسط الرمال والصحراء، دون أن يكون قريباً من أي معلم آخر أو شارع رئيسي في دبي، بل كان بعيداً وحده على شارع صغير بحارتين ذهاباً وإياباً إلى إمارة أبو ظبي.

لم تكن رؤية الشيخ راشد ونظرته أن يبني برجاً، بل كان يريد بناء منطقة كاملة، كانت الصورة التي رسمها لهذا الشارع في ذهنه صورة متكاملة، الشارع حديث مليء بالأبراج. وبدأ الشيخ راشد بأعلى برج لأنه أراد لمن سيأتي بعده أن يبدأ من حيث انتهى هو، وهكذا كان.

اليوم شارع الشيخ زايد يعتبر من أرقى الشوارع وأعلاها أبراجاً ليس فقط في الشرق الأوسط بل عالمية ويضم اليوم أكثر من 500 ناطحة سحاب.

كان الشيخ راشد يعرف أن بناء أعلى برج في الشرق الأوسط في ذلك الوقت سيبدأ مرحلة جديدة من تاريخ البناء في دبي والإمارات، وأصبحت الصورة التي رسمها في ذهنه لهذه البقعة الصحراوية كشارع مليء بالأبراج واقعاً ملموساً ومنجزاً ستستفيد منه الأجيال.

دائماً ابدأ والصورة النهائية في ذهنك وكن إيجابياً ومتفائلاً وواثق بقدراتك على تحويل الصورة إلى واقع، لا شيء أسوأ من أن يهتز يقين القائد برؤيته، ويتردد في عمله، ويتشاءم من مستقبله.

قبل سنوات عدة، أردنا تحسين الأداء الحكومي ووضعنا لنا هدفاً واضحاً ورسمنا صورة نهائية لحكومة من أفضل الحكومات أداءً وأكثرها كفاءة وأجرينا دراسات كثيرة، وفي النهاية قررنا وضع مؤشرات أداء تفصيلية لعمل الجهات الحكومية حتى نتمكن من متابعتها وتستطيع هي متابعة أدائها، كما أطلقن أيضاً مشروع "المتسوق السري" لتحسين الخدمات الحكومية.

                كانت النتيجة أن جاءني بعض الوزراء والمسؤولين يشتكون من كثرة هذه المؤشرات، ومن حجم الوقت والطاقة الذي يصرفونه في هذه المتابعات، ومن كثرة تقارير المتسوقين السريين وغيرها. أصررت على استمرار هذا المشروع، لأنني أعرف الصورة النهائية التي رسمتها وأعرف إلى أين سيصل الجميع بعد عدة سنوات، والحمد لله اليوم الحكومة من الأكثر كفاءة عالمياً، والمؤشرات أصبحت جزءاً من العمل اليومي، وأصبح تأثيرها واضحاً في تحقيق الكثير من الإنجازات.

أكثر من 30 عاماً مرت على تأسيس "طيران الإمارات"، وضعنا خلالها متسوقين سريين على جميع خطوط الرحلات، يسافرون بشكل شبه يومي ويرجعون ويقدمون لنا التقارير، كنت أجلس مع الشيخ أحمد بن سعيد ونناقش هذه التقارير، ونتخذ القرارات الضرورية لتحسين الخدمة.

اليوم كبرت طيران الإمارات، وأصبحت فيها إدارات وأقسام لمتابعة هذه التقارير، لكن الخدمة المتميزة بقيت هي ما يميز طيران الإمارات عن غيرها لأننا منذ البداية أصررنا على أن تكون الخدمة على متن هذه الخطوط هي الأفضل عالمياً، ووضعنا في أذهاننا صورة منذ بداية تأسيس الشركة عن نوعية الخدمة التي كنا نريدها على متن طائراتنا. كنا كمسؤولين نحصل على خدمات طيران مميزة، وقلت للشيخ أحمد: أريد لجميع المسافرين على متن طائراتنا أن يحصلوا على الخدمة والاهتمام اللذين أحصل عليهما أنا، واليوم ما يميزنا عن غيرنا من الشركات هي الخدمة، حيث أصبحت الخدمة المميزة هي الضامن لولاء عملائنا حتى في أوقات الأزمات التي تعرضت لها شركات الطيران خلال السنوات الماضية.

الإيجابية في رؤية المستقبل تكمن في وضوح الرؤية، ووضوح تفاصيل الصورة النهائية، والثقة باله، واليقين الكامل بقدرك على تحويلها إلى واقع ملموس.

(لا شيء أسوأ من أن يهتز يقين القائد برؤيته، ويتردد في عمله، ويتشاءم من مستقبله).

(القائد الإيجابي هو الذي يغمض عينيه ويتخيل المستقبل ويرى الإنجاز الذي يريد تحقيقه بكل تفاصيله وبكل جماله).

تعليقات