القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

قراءة وتحميل كتاب تأملات في السعادة والإيجابية تأليف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

قراءة وتحميل كتاب تأملات في السعادة والإيجابية تأليف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم



غلاف كتاب تأملات في السعادة والإيجابية تأليف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
غلاف كتاب تأملات في السعادة والإيجابية تأليف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم







للتحميل اضغط على هذا الرابط :





لقراءة كتاب تأملات في السعادة والإيجابية تأليف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تفضل مشكوراً :



تأملات في السعادة والإيجابيةالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم


بسم الله، والحمد لله، وما توفيقي إلا بالله


أما بعد:
فقد كان وما زال لي اهتمام كبير بمفهومي السعادة والإيجابية في الحياة، وتأثيرهما في الكثير من قراراتنا وأحكامنا، وعلاقاتنا بمن حولنا، ودورهما أيضاً في رؤيتنا للتحديات التي تواجهنا، وإسهامهما في الكثير من نجاحاتنا، وفي تحقيق السعادة لنا كأشخاص أو كأمم وشعوب.




في هذا الكتاب المختصر في كلماته، السريع في عباراته، أحببت أن أتناول مفهومي السعادة والإيجابية من زوايا جديدة وظلال مختلفة؛ فوضعت مجموعة من التأملات الإدارية في السعادة والإيجابية، وتأثيرهما في الإنجاز والإنتاج والإبداع، ودورهما في تعزيز روح الفريق، وكيف يمكن استخدامهما في التخطيط وصنع السياسات وتطوير الخدمات، وأهميتهما للقائد في صياغة الرؤى والإستراتيجيات، وغيرها لتحقيق النجاحات الإدارية والقيادية.




وضعت كل ذلك في قالب سهل وبسيط، مدعم بالقصص والمواقف من تجربتي ومسيرتي واحتكاكي بأصحاب الهمم والإنجازات ومما قرأته وسمعته، وما شهدته من سير ونجاحات.


هذا الكتاب وغيره هو جزء من واجبنا تجاه الأجيال الجديدة، تجاه أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا، واجبنا نحو تعليمهم فنون الحياة ودروسها، ونقل خبراتنا وتجاربنا إليهم، فزكاة العلم في تعليمه، ونماء الحكمة في نشرها، وزيادة المعرفة في نقلها ونقدها وإعمال الفكر حولها.


أسأل الله أن ينفع بما كتبنا، وأن يوفق الجميع للحكمة والصواب في القول والعمل، والله الموفق، وهو الهادي إلى خير السبيل.


محمد بن راشد آل مكتوم

1. لماذا السعادة؟


سؤال يتردد كثيراً، وخاصة خلال السنوات الأخيرة في عمر الحكومة، لماذا التركيز على السعادة؟ لماذا أصبحت السعادة جزءاً مهماً من خطاب الحكومة ومن خطاب محمد بن راشد وضمن أجندة الحكومة ومبادراتها وأعمالها؟



سؤال يتكرر باستمرار.. سأحاول من خلال هذا الكتاب بإذن الله الإجابة عنه، وسيجد القارئ بأنني قرنت السعادة بالإيجابية وتوسعت كثيراً في تناول الإيجابية، مفهوماً وتطبيقاً، بطريقة سيلاحظها القارئ خلال الفصول التالية.



وللإجابة عن سؤال السعادة أولاً، أود أن أصارح القارئ بأنني، ومنذ زمن ليس بالقصير، كنت دائماً أطرح على نفسي سؤالاً بسيطاً، لكن فيه من العمق ما كان يجعل الإجابة عنه مسألة غير سهلة.



سؤال أحاول فيه تلخيص الهدف من جزء كبير من حياتي، الجزء المتعلق بدوري كقائد في دولة الإمارات وكحاكم لإمارة دبي، عملي الرسمي، أو ما أسميه حياتي.




ما هو دوري الحقيقي كقائد؟ ما هي وظيفتي الأساسية؟ أن أدير حكومة؟ ما هو دور الحكومة الحقيقي؟ هل دور الحكومة سن القوانين والسياسات وإنفاذها فقط؟ هل دورها هو حماية المكتسبات وحفظ الحقوق فقط؟ هل دورها هو توفير مقومات الحياة للمجتمع من صحة وتعليم وسكن وطرق وبنية تحتية فقط؟ ألا يمكن أن يكون لنا دور أكبر وأعمق وأكثر إلهاماً؟



                نعم يمكن أن يكون دورنا أعمق وأكثر تأثيراً وإلهاماً عندما نسعى لإسعاد الناس. دور الحكومات هو خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وذواتهم، خلق البيئة وليس التحكم فيها.. نعم، وظيفة الحكومات تمكين الناس وليس التمكن منهم. نعم... وظيفة الحكومات تحقيق السعادة.



هل يمكن أن نتخيل تأثير هذه الإجابة في مئات الآلاف ممن يعملون في الحكومات؟ أن يكون لوظيفتهم هذا المعنى العظيم؟ أن يكون لعملهم هذا الهدف الحضاري والإنساني العميق؟ أن يستيقظوا كل يوم وفي مخيلتهم وأمامهم هدف قريب من قلوبهم كبشر؟ كيف يمكن أن يساهموا في سعادة الناس؟



بعض البشر يقضون جل حياتهم وهم يعملون ضمن المنظومة الحكومية، عندما ينظرون وراءهم بعد 30 أو 40 سنة من العمل الحكومي، من حقهم أن يفخروا بأنهم قضوا جل حياتهم في سعي دائم لإسعاد البشر.
السعي لإسعاد الناس سعادة يحقق ذاتها.. حتى في ديننا، فإن إدخال السرور على البشر من أعظم الأعمال، وخير الناس أنفعهم للناس.



هل يمكن أن نتخيل أيضاً تأثير هذه الإجابة في الشعوب عندما يؤمنون بأن الحكومة تسعى لخيرهم وسعادتهم تسعى لتوفير الفرص لهم ولأبنائهم ليكونوا سعداء، تسعى لتمكينهم بالأدوات والمهارات لتحقيق أحلامهم.. هل يمكن أن نتخيل وجود أي نوع من العداوات بين الحكومات وشعوبها إذا كانت العلاقة التي تحكمهم أساسها تحقيق السعادة؟




                لسنا حالمين ولا مثاليين، ولسنا جدداً في الحديث عن السعادة منذ فجر التاريخ والكل يطلب السعادة. أرسطو ذكر قبل 2400 سنة بأن غاية السياسة هي تحقيق السعادة، وذكر أن الدولة كائن حي يتطور ويسعى لتحقيق الكمال المعنوي والسعادة للأفراد، وابن خلدون كذلك. والدستور الأمريكي ينص، في مقدمته، على حق الجميع في السعي لتحقيق السعادة، بل إن هنالك مطالبات من الأمم المتحدة بتغيير المعايير المعتمدة لقياس نجاح الحكومات، من معايير اقتصادية إلى معايير تتعلق بسعادة الإنسان. وخصصت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للتأكيد على أهمية السعادة.




السعداء ينتجون أكثر. ويعيشون أطول.. ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل وفق دراسات عدة.. أستغرب من استغراب البعض من حديث الحكومة عن السعادة، السعادة لها مؤشرات وبرامج ودراسات، السعادة يمكن قياسها، وتنميتها وربطها بمجموعة من القيم والبرامج، سعادة الأفراد، وسعادة الأسر، وسعادة الموظفين في عملهم، وسعادة الناس بحياتهم، وتفاؤلهم بمستقبلهم، ورضاهم النفسي والمهني والمجتمعي، كل ذلك يحتاج لبرامج ومبادرات في قطاعات الحكومة كافة، ولا بد من متابعة ذلك مع مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية. عندما نقول بأن هدف الحكومة هو تحقيق السعادة فنحن نعني ذلك حرفياً وسنطبقه حرفياً وسنسعى لتحقيقه بما يتناسب مع طموحات شعبنا وتطلعاته وعاداتنا وثقافتنا.





نعم، نحن نسعى لإسعاد الناس، وسيظل إسعاد الناس غاية وهدفاً وبرامج عمل؛ حتى يترسخ واقعاً دائماً ومستمراً. لا توجد حكومة كاملة، ولا يوجد عمل دون أخطاء ولكن الخطأ الحقيقي هو التخلي عن دورنا الحقيقي في إسعاد البشر، وما هذا الكتاب اليوم إلا محاولة للمساهمة في هذه الغاية والله الموفق أولاً وآخراً.

(نعم نحن نسعى لإسعاد الناس، وسيظل إسعاد الناس غاية وهدفاً، وبرامج عمل حتى يترسخ واقعاً دائماً ومستمراً).

2. السعادة والإيجابية..

هل نغرد خارج السرب؟


منذ أن بدأ خطابنا الحكومي بالتغير بشكل كبير للحديث حول مفهوم السعادة، تردني بين فترة وأخرى بعض الملاحظات وبعض التعليقات والآراء. وكان أوضحها ما قاله له أخ إعلامي من دولة عربية شقيقة بعد إجرائنا تغييرات هيكلية في الحكومة، نتج عنها تعيين وزيرة للسعادة، إذ قال: ألا تعتقد بأنكم تغردون خارج السرب؟ قلت له: نحن جزء من السرب، ونحاول أن نبني أملاً لهذا السرب.  استرسلت في الحديث معه، وقلت له: لا توجد منطقة في العالم بحاجة للسعادة والإيجابية أكثر من منطقتنا، ثمة قدر هائل من التشاؤم في المنطقة وبالمنطقة.




يمكن الإحساس بذلك في إعلامنا، وفي نشرات أخبارنا، وفي مقالات كتابنا، وفي آراء المثقفين عندنا، وتراه أوضح ما يكون في وسائل التواصل الاجتماعي. هذا التشاؤم أكده تقرير مررت عليه قبل فترة وطلبت تحليله..  إنه تقرير السعادة العالمي 2015، الذي أورد دراسة حول التشاؤم والاكتئاب بين الشباب والمراهقين عالمياً، حيث قسم التقرير الشباب جغرافياً. برأيكم ما هي المنطقة الأعلى عالمياً في معدل اكتئاب الشباب وتشاؤمهم؟ نعم إنها منطقتنا، لا ألوم أحداً، فالمنطقة فيها من الأخبار السلبية والتوترات ما يفوق عدداً كبيراً من مناطق العالم، ولكن ما يؤلم حقاً هو أنه إذا سيطر التشاؤم على المراهقين والشباب فما هو المستقبل الذي ينتظر هذه المنطقة؟
لذلك لدي إيمان كبير بأهمية بناء التفاؤل والإيجابية ونشر مفاهيم السعادة، وركزت في هذا الكتاب بشكل كبير على مفهوم الإيجابية وأثره في تغيير نظرتنا للحياة والإنجاز والعمل وحتى نظرتنا للعمل الحكومي، نظرتنا للفرص من حولنا ونظرتنا للمستقبل الذي ينتظرنا.




علاقة الإيجابية بالسعادة هي علاقة المقدمة بالنتيجة، ولذلك أركز عليها كثيراً في هذا الكتاب. الإيجابية هي طريقة تفكير والسعادة هي أسلوب حياة. بمعنى آخر، ليس ما تملكه أو ما تفعله هو ما يجعلك سعيداً، بل كيفية تفكيرك بكل ذلك.




                أعود للإعلامي الذي ذكرته قبل قليل وحواري معه، والذي أحب أن يأخذ سبقاً صحفياً، فسألني كم تنوون أن ترصدوا مخصصات مالية لبرامج السعادة في دولة الإمارات؟ قلت له السعادة ليست برامج منفصلة عن عمل الحكومة اليومي، السعادة هي برنامج الحكومة الرئيسي، وميزانية الحكومة كلها من أجل تحقيق سعادة الناس.



السعادة نوعان، شخصية -ولها أدواتها وعلمها- وسعادة مجتمعية وهي ما نسعى إليه في عملنا الحكومي، لدينا دراسات عالمية في الحكومة حول السعادة المجتمعية، وكيفية تحقيقها، هي في الشعور بالأمن والأمان في محيطكك ومجتمعك الذي تعيش فيه، وهي في وجود السكن الملائم الكريم، وهي أيضاً في توفر العلاج وقت المرض، والفرص وقت الحاجة، والتعليم للاستعداد للمستقبل، والبنية التحتية والمرافق التي توفر أسلوب حياة مريحة للناس، وهي أيضاً في موازنة الناس بين أعمالهم وبين أسرهم، كل ذلك جزء من السعادة المجتمعية، وهو أمر يمكن أن يكون للحكومة فيه دور كبير.



ختمت لقائي مع الصحفي بقولي إننا نعمل حالياً على دراسات حول الوفر المالي الذي ستحققه السعادة لنا، وللإجابة عن سؤاله حول كيفية ذلك، قلت له: هل تعلم تأثير السعادة في الصحة، والوفر الذي يمكن أن تحققه الحكومات عندما يكون المجتمع صحياً، وتأثيرها في إنتاجية الموظفين، وتأثير هذه الإنتاجية في الناتج الاقتصادي ومدى استفادة المجتمع من ذلك؟ هل تعرف تأثير التفاؤل في الاقتصاد ونموه وثقة الناس بالمستقبل؟ هي تأثيرات تقدر بالمليارات، السعادة يا صديقي ليست كلفة بل ثروة للشعوب.

(الإيجابية هي طريقة تفكير والسعادة هي أسلوب حياة. ليس ما تملكه أو ما تفعله هو ما يجعلك سعيداً، بل كيفية تفكيرك بكل ذلك).

3. خياران أمام التحديات


عندما استلمت رئاسة الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات عام 2006، تلقيت الكثير من التهاني والتبريكات وتلقيت أيضاً الكثير من النصائح وبصراحة أيضاً التحذيرات من بعض الأصدقاء.




عودت الجميع على الصراحة معي، فجاءتني بعض المكالمات من أصحاب الخبرة والاختصاص كما يقولون، وبعد تردد منهم أوضحوا لي أنهم يتمنون لي التوفيق في المهام الجديدة ولكنهم لا يتوقعون الكثيرا فخبرتهم تقول إن الحكومة روتينية، وبطيئة، وتواجه الكثير من المشكلات المالية والإدارية، ولديها تراكمات وديون، وشؤون وشجون، واحتياجات الناس كثيرة، وتلبيتها تحتاج لموارد وأموال وطاقات لا تتوفر بسهولة، والحكومات المحلية تسبق الاتحادية بكثير، وأمامكم طريق طويل، وتحديات تقترب من المستحيل، والكوادر غير مدربة، والمباني غير مجهزة، والخدمات أقل من التوقعات والحكومة بحاجة للكثير من السياسات، والكثير الكثير من هذا الكلام الذي يقترب من قول الشاعر يهجو أحد الوجهاء:
مع المكارم لا ترحل ليغيتها                واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
نعم، هم كانوا كمن يقول، لا تتعب نفسك فالموضوع أصعب مما تتصور، وأكبر من أن تحاول، وتغيير الحال يقترب أن يكون من المحال.




هل تعرفون ماذا كان ردي عليهم؟ كنت أبتسم فقط، أسمع وأبتسم. هل تعرفون لماذا كنت أبتسم؟ لأنني كنت أرى أشياء مختلفة. كنت أرى فرصة كبيرة أمامي لإنجاز شيء جديد في حياتي. كنت أرى الحكومة بعد سنوات ليست بالبعيدة، حكومة من أفضل حكومات العالم، كنت أرى نعمة وأمانة وضعها الله بين أيدينا أن نخدم الناس وأن نسعد الناس، نسعد شعباً كاملاً.




بيان في بناء فريق العمل الوزاري، ووضعنا خططاً وإستراتيجيات وأطلقنا رؤية 2021، تخلصنا من كافة ديون الحكومة، ووضعنا مؤشرات الأداء، وأطلقنا برامج وجوائز لتحسين الجودة، دربنا آلاف الموظفين، ووضعنا برامج القيادات جديدة في الحكومة، ومنحنا ثقتنا للشباب. وحددنا ونسقنا الجهود الاتحادية والمحلية، وطورنا الخدمات، وعدلنا الكثير من القوانين.



اليوم في عام 2017 حكومة الإمارات هي الأولى عالمياً في الكفاءة الحكومية، وطموحاتنا وصلت المريخ، وشعب الإمارات من أسعد الشعوب، ولله الحمد.



كنت أبتسم أمام السلبيين في بداية تولي الحكومة لأنني لم أكن أرى مشكلات، بل كنت أرى فرصاً كبيرة ومجالاً للكثير من الإنجازات. بالتأكيد هنالك تحديات ولا يخلو أي عمل، صغيراً كان أو كبيراً من العقبات والتحديات.




والإنسان أمام التحديات لديه خياران، إما أن يقف ويتراجع، أو أن يبدع ويتجاوز. نحن في دولة الإمارات لم نتعود أن نف. منذ عام 1971 لم نقف. التحديات هي في الحقيقة فرصتنا لإبداع حلول جديدة وللتفكير بطريقة مختلفة، ولاختبار طاقاتنا وقدراتنا وصقل مهاراتنا وإمكاناتنا، ولزيادة معارفنا وخبراتنا. عندما كان الناس يرون مشكلات، كنت أرى فرصاً، وعندما كانوا يرون تحديات، كنت أرى مجالاً كبيراً للإبداع والإنجاز.



اتصل بي أحد الشيوخ الأصدقاء بعد إطلاقنا مبادرة حكومية ضخمة، قال لي: طويل العمر بصراحة أنا كنت من الناس الذين لم يكونوا يتوقعون النجاح للحكومة. قلت له: ما زلنا في بداية الطريق..

(الإنسان أمام التحديات لديه خياران: إما أن يقف ويتراجع، أو أن يبدع ويتجاوز).

(التحديات هي فرصتنا للتفكير بطريقة مختلفة ولاختبار طاقاتنا وقدراتنا وصقل مهاراتنا وإمكاناتنا).

4. الإيجابية.. في نظري


ما هي الإيجابية؟ وكيف يمكن أن نعرفها ببساطة؟ وكيف يمكن أن نطبقها في حياتنا العملية والإدارية؟ إن تركيزي في هذا الكتاب سيكون على الاستفادة من هذا المفهوم في القيادة والإدارة واتخاذ القرارات من واقع تجربتي الشخصية.



قرأت عن مفهوم الإيجابية في العديد من الكتب، وسمعت الكثير من التعريفات، وعبر سنوات عملي التقيت أيضاً بعض المختصين. والخلاصة أن كل متخصص يعرف الإيجابية بحسب الزاوية التي يتناول بها الموضوع، ما إذا كانت نفسية أو اجتماعية أو فكرية أو غيرها، أي أن العلماء اختلفوا، كما يقال.



ولكني منذ سنوات طويلة طبقت تعريفاً مبسطاً للإيجابية من واقع عملي وخبرتي، وأحسست أنه يمكن أن يكون الأقرب للتطبيقات الإدارية والقيادية.



الإيجابية باختصار تتعلق بنظرة الإنسان للأمور، هي النظارات التي يضعها الإنسان فوق عينيه عندما يشاهد العالم، أو يشاهد التحديات، أو يشاهد المستقبل، أو يشاهد الناس من حوله، أو يشاهد الحياة بشكل عام، فإذا كانت النظارات سوداء، رأيت التحديات صعبة، والمستقبل مظلماً، ورأيت الناس من حولك بعين الشك، ورأيت العالم مليئاً بالكوارث والمصائب والشر. أما إذا كانت نظرتك إيجابية رأيت في التحديات فرصاً وفي المستقبل نجاحاً وفي الناس طاقات وإمكانات ومواهب وخيراً، ورأيت العالم مليئاً بالإنجاز والسعادة وسريعاً في التقدم والتطور.



هذه النظرة الإيجابية تعطينا طاقة كبيرة للعمل والإنجاز والنشاط والثقة بالنفس والحماسة للعمل، وتوقد سعادة داخلية. ويمكن أن نسمي هذه الطاقة "الطاقة الإيجابية".



                دعوني أوضح لكم معنى الإيجابية من خلال مثال استعنت به في إحدى الجلسات مع بعض الأصدقاء. كنا نجلس في الصحراء وقد بدأ الجو يزداد حرارة، أشرت نحو الصحراء وسألتهم، ما ترون؟ تعجبوا من السؤال، وبدأ بعضهم في طرح إجابات: صحراء قاحلة لا ماء ولا كلأ، رمال تعلوها رمال، كثبان تدفع كثباناً، وأفضل إجابة كانت، هي أرض الآباء والأجداد وتراب الوطن الذي نحبه ونحميه، ثم سألوني كيف أراها أنا، فقلت لهم: لي فيها نظرتان؛ نظرة شاعر ونظرة قائد. كشاعر فهي مصدر للإلهام، ومكان للتأمل، وساحة للفكر والتفكر، وكمسؤول حكومي وقائد -وهذا هو بيت القصيد- فإنني أراها ثروة وطنية عظيمة، أراها مصدراً من مصادر الدخل للدولة والحكومة، من موقعي في الحكومة ، أراها ركناً أساسياً في اقتصادنا الوطني.



                لو نظرنا لها على أنها صحراء قاحلة ورمال وكثبان خالية قبل عقدين، لما استطعنا جذب أكثر من 14 مليون سائح لبلادنا سنوياً. هذه الصحراء التي ترونها هي أحد المصادر الأساسية التي استخدمناها لجذب السياحة، وتعزيز الاقتصاد وخلق الفرص.


الصحراء لم تكن عقبة ومشكلة أو وتحدياً ينبغي التغلب عليه في نظرنا، بل كانت فرصة لخلق قطاع جديد في اقتصاد الدولة.



اليوم الكثير من المنشآت السياحية تبنى في وسط الصحراء ومئات الشركات تعمل في قطاع السياحة الصحراوية، والآلاف المواطنين يخيمون في الصحراء وملايين السياح من أنحاء العالم يريدون زيارة صحراء دبي وتجربة الحياة البدوية وركوب الجمال وغيرها، وقس على هذا المثال أمثلة أخرى كثيرة. زارني مرة مجموعة من موظفي الحكومة في مجلسي، فعرف بهم مسؤولهم بأنهم موظفون من إحدى الجهات الحكومية، وبعد أن جلسوا وارتاحوا قلت لهم: أنتم لستم موظفين أنتم قادة، أنتم من نتحرك من خلالكم ونفكر بعقولكم ونعمل بأيديكم. أنتم مصدر الأفكار الجديدة التي نحتاج إليها كل يوم للاستمرار في التقدم ومنافسة العالم من حولنا.


عندما نطبق تعريف الإيجابية بهذه الطريقة في الإدارة والقيادة واتخاذ القرارات، تتوالد الإبداعات، وتنطلق الإمكانات والقدرات، وتتحقق المعجزات.



الإيجابية مهمة جداً لكل قائد ومسؤول، صغيراً كان أو كبيراً، ومهمة أيضاً للأمم والشعوب والأوطان، ومهمة في خلق الفرص والبيئة الملهمة المحفزة للأجيال القادمة، والإيجابية ترتبط بالسعادة ارتباط المقدمة بالنتيجة.
مشاعرنا مرتبطة بأفكارنا.. وأفكارنا هي ما يدفعنا لتحقيق السعادة في حياتنا، ولا سعادة بدون مشاعر إيجابية، لذلك جاء هذا الكتاب.

(كل شخص لديه طاقة وكل فكرة لديها إمكانية للنجاح في زمانها ومكانها).

(الصحراء لم تكن عقبة أو مشكلة وتحدياً ينبغي التغلب عليه في نظرنا، بل كانت فرصة لخلق قطاع جديد في اقتصاد الدولة).

(الإيجابية النظارات التي يضعها الإنسان فوق عينيه عندما يشاهد العالم).

(إذا كانت نظرتك إيجابية رأيت في التحديات فرصاً، وفي المستقبل نجاحاً. وفي الناس طاقات ومواهب).  

(الإيجابية تعطيك منظوراً مختلفاً للأمور من حولك دائماً في كل تحدّ هنالك فرصة، وفي كل شيء حولك ثمة فائدة وعند كل إنسان موهبة، وكل شخص لديه طاقة، وكل فكرة لديها إمكانية للنجاح في زمانها ومكانها).

5. إيجابيون منذ البداية


هنالك حقيقة لا بد من ذكرها وتذكرها دائماً، وهي أن تجربة دولة الإمارات قامت منذ بداياتها على عدة مبادئ إدارية وقيادية وإنسانية، من أهمها التفاؤل بالمستقبل، وتوقع الأفضل، والثقة بالقدرات، والإيمان بالإمكانيات والتوكل دائماً على رب السماوات وهذه كلها يجمعها مفهوم الإيجابية وتساعد على خلق السعادة، شخصياً، ترسخ لدي هذا المفهوم مما رأيته وسمعته وعشته مع الآباء المؤسسين الشيخ زايد والشيخ راشد، طيب الله ثراهما.




من يصدق أن رجلين في خيمة في الصحراء عام 1968 كان لديهما هدف بناء دولة متقدمة عالمية ومتطورة؟ من يتخيل أن رجلين كان لديهما التفاؤل والثقة الكافيان للنجاح في تحويل إمارات متصالحة يسودها النظام القبلي ويتنازعها العوز وقلة العلم إلى دولة مؤسسات وأنظمة وسلطات وقوات نظامية وتعليم نظامي وجامعات وكل ذلك فقط خلال سنوات، بل أكثر من ذلك، لم يكن طموحهما بناء دولة المؤسسات فحسب، بل كانا يريدان مدنهما أن تكون كمدن العالم الكبيرة التي زاراها مرات قليلة، أليس كل ذلك تفاؤلاً وإيجابية؟
تخيلوا لو أن زايد وراشد كانا قائدين سلبيين أين ستكون دولة الإمارات اليوم؟ تخيلوا لو أنهما جلسا يعددانن المشكلات والعقبات وضعف الإمكانات، ويلتمسان العذر في قلة الإنجاز.




تخيلوا لو أن زايد وراشد كانت نظرتهما محدودة وطموحاتهما شخصية؟ تخيلوا فقط لو أن يومهما كان يبدأ من العاشرة صباحاً وليس من السادسة فجراً؟ بل أكثر من ذلك، تخيلوا لو أن زايد وراشد كانا يستسلمان لرأي الخبراء والمتخصصين الذين تعجز عقولهم من استيعاب طموحاتهما الكبيرة. ولعلي هنا أضرب مثالين على ذلك.



                في بداية الثمانينات، أتى الشيخ زايد رحمه الله، بمجموعة من الخبراء، كانت لديه رغبة في تخضير وزراعة أبو ظبي وبعض الجزر التابعة لها. كانت لديه، رحمه الله، صورة نهائية في ذهنه لشوارع الإمارة وأشجارها، يريد ترجمتها على أرض الواقع. قال له الخبراء: هذا مستحيلا بسبب التربة الملحية، وشح المياه، والظروف المناخية الصعبة، وغيرها من العقبات التي كانت لتبدو منطقية أمام أي قائد محدود الطموح ضعيف الهمة والعزيمة، ولكنها لم تكن منطقية لزايد، رحمه الله، لأنه لم يكن من الذين ينتمون بالحدود التي يضعها له الآخرون وهذه إحدى صفات القائد الإيجابي.



التحديات والعقبات ليست نقطة النهاية بل فرصة لإبداع حلول جديدة.



أبدع الشيخ زايد حلولاً أخرى، وأصلح التربة، وساق المياه من أماكن بعيدة وزرعت أبو ظبي بغابات وأشجار كثيرة حتى جزيرة صير بني ياس جعلها جنة. وتم اختيار زايد رجل البيئة على مستوى العالم في تلك السنوات.



كل صاحب حلم بدون إيجابية وثقة وتفاؤل هو من أصحاب التمنيات الفارغة والأوهام الضائعة، لأنه سيقف عند أول عقبة، ونحن لا نقف، نحن نبدع هكذا تعلمنا وتربينا، هكذا عشنا وأسرنا حياتنا وبلادنا.
يحضرني أيضاً موقف آخر للشيخ راشد رحمه الله، في أواسط الخمسينات.  لم يكن الشيخ زايد من الذين يقتنعون بالحدود التي يضعها له الآخرون، وهذه إحدى صفات القائد الإيجابي.





                أراد الشيخ راشد توسعة خور دبي، لأنه كان يريد استقبال سفن أكبر في مواطنه، وكان يريد استقطاب شركات أكبر للعمل في التجارة في بلده، وكان يريد نشاطاً ملاحياً يرسخ دبي مركزاً إقليمياً للتجار. جاء الشيخ راشد بالخبراء لإجراء دراسة لتوسعة الخور، وجاءت نتائج الدراسة باستحالة التوسعة نظراً للتكلفة العالية التي بلغت 600 ألف جنيه استرليني في ذلك الوقت، أي أضعاف دخل دبي بكاملها، هل وقف الشيخ راشد عند نتائج الدراسة وآراء الخبراء؟ هل صرف النظر عن هذا المشروع الحيوي لمستقبل دبي لمجرد هذا الرأي؟ هنا يأتي تأثير  الإيجابية في شخصية القائد، تأثير الإيجابية في اتخاذ قرارات مصيرية.




لم يقف الشيخ راشد عند هذا التحدي، بل ابتكر حلولاً جديدة، فأصدر سندات الخور. كما موّل جزءاً آخر بطريقة مختلفة، حيث قام باستخدام الصخور والرمال المرفوعة من الخور في إضافة أراضٍ جديدة على ضفة الخور للاستفادة منها

                وهكذا، قبل أن تمر سنتان، تم إنجاز المشروع وتضاعفت حركة التجارة وتغيرت الحياة في دبي للأفضل.
القائد الإيجابي لا يتوقف والإيجابية ليست جديدة علينا في دولة الإمارات. الإيجابية هي صفة نتوارثها لأنها ساعدتنا على بناء دولتنا وبناء اقتصادنا وبناء تجربة عالمية ناجحة في جميع المجالات، ونريدها اليوم جزءاً رئيسياً من بناء الإنسان وبناء شخصية أبناء هذا الوطن وأجياله القادمة.

(التحديات والعقبات ليست نقطة النهاية بل فرصة لإبداع حلول جديدة).

(المصلحة شعب كامل، ومستقبل أبنائه).

(القائد الإيجابي يمكن أن يغير مجرى تاريخ دولته للأفضل إذا تحلى بالثقة الكافية، والإبداع اللازم لتخطي العقبات).

(القائد الإيجابي يمكن أن يغير مجرى تاريخ دولته للأفضل إذا تحلى بالثقة الكافية والإبداع اللازم لتخطي العقبات).

6. اغمض عينيك لترى


هنالك صفة أساسية مهمة لأي قائد ناجح ألا وهي قدرته على رسم صورة إيجابية ومتفائلة للمستقبل، القائد الإيجابي هو الذي يستطيع أن يغمض عينيه ويتخيل المستقبل، ويرى الإنجاز الذي يريد تحقيقه بكل تفاصيله، وبكل جماله، ويكلل نتائجه، بصورة كاملة، حتى إنه يستطيع أن يعيش مشاعر هذا النجاح الذي لم يبدأ بعد، القائد الإيجابي هو قائد ذو رؤية ثاقبة تسبق بصيرة بصدره.


الإيجابية هي أن يكون لديك يقين كامل بقدرتك على نقل هذه الصورة من مخيلتك إلى أرض الواقع، وقدرتك على نقل مشاعر الحماسة والتفاؤل من نفسك إلى فريق عملك، وقدرتك على تحويل الفكرة والصورة الجميلتين إلى برنامج عمل لا يقبل التأجيل.



في مطلع السبعينات، ومع بداية وضع الأساسات للبنية التحتية الحديثة في دبي والإمارات، قرر الشيخ راشد، رحمه الله، أن يبني أطول برج في الشرق الأوسط في دبي، لم يكن بناء البرج شيئاً غريباً أو مفاجئاً لمن يعرف طموح الشيخ راشد العالي، الشيء الغريب كان مكان البرج.


                بنى الشيخ راشد البرج في وسط الرمال والصحراء، دون أن يكون قريباً من أي معلم آخر أو شارع رئيسي في دبي، بل كان بعيداً وحده على شارع صغير بحارتين ذهاباً وإياباً إلى إمارة أبو ظبي.



لم تكن رؤية الشيخ راشد ونظرته أن يبني برجاً، بل كان يريد بناء منطقة كاملة، كانت الصورة التي رسمها لهذا الشارع في ذهنه صورة متكاملة، الشارع حديث مليء بالأبراج. وبدأ الشيخ راشد بأعلى برج لأنه أراد لمن سيأتي بعده أن يبدأ من حيث انتهى هو، وهكذا كان.


اليوم شارع الشيخ زايد يعتبر من أرقى الشوارع وأعلاها أبراجاً ليس فقط في الشرق الأوسط بل عالمية ويضم اليوم أكثر من 500 ناطحة سحاب.



كان الشيخ راشد يعرف أن بناء أعلى برج في الشرق الأوسط في ذلك الوقت سيبدأ مرحلة جديدة من تاريخ البناء في دبي والإمارات، وأصبحت الصورة التي رسمها في ذهنه لهذه البقعة الصحراوية كشارع مليء بالأبراج واقعاً ملموساً ومنجزاً ستستفيد منه الأجيال.




دائماً ابدأ والصورة النهائية في ذهنك وكن إيجابياً ومتفائلاً وواثق بقدراتك على تحويل الصورة إلى واقع، لا شيء أسوأ من أن يهتز يقين القائد برؤيته، ويتردد في عمله، ويتشاءم من مستقبله.



قبل سنوات عدة، أردنا تحسين الأداء الحكومي ووضعنا لنا هدفاً واضحاً ورسمنا صورة نهائية لحكومة من أفضل الحكومات أداءً وأكثرها كفاءة وأجرينا دراسات كثيرة، وفي النهاية قررنا وضع مؤشرات أداء تفصيلية لعمل الجهات الحكومية حتى نتمكن من متابعتها وتستطيع هي متابعة أدائها، كما أطلقن أيضاً مشروع "المتسوق السري" لتحسين الخدمات الحكومية.



                كانت النتيجة أن جاءني بعض الوزراء والمسؤولين يشتكون من كثرة هذه المؤشرات، ومن حجم الوقت والطاقة الذي يصرفونه في هذه المتابعات، ومن كثرة تقارير المتسوقين السريين وغيرها. أصررت على استمرار هذا المشروع، لأنني أعرف الصورة النهائية التي رسمتها وأعرف إلى أين سيصل الجميع بعد عدة سنوات، والحمد لله اليوم الحكومة من الأكثر كفاءة عالمياً، والمؤشرات أصبحت جزءاً من العمل اليومي، وأصبح تأثيرها واضحاً في تحقيق الكثير من الإنجازات.



أكثر من 30 عاماً مرت على تأسيس "طيران الإمارات"، وضعنا خلالها متسوقين سريين على جميع خطوط الرحلات، يسافرون بشكل شبه يومي ويرجعون ويقدمون لنا التقارير، كنت أجلس مع الشيخ أحمد بن سعيد ونناقش هذه التقارير، ونتخذ القرارات الضرورية لتحسين الخدمة.




اليوم كبرت طيران الإمارات، وأصبحت فيها إدارات وأقسام لمتابعة هذه التقارير، لكن الخدمة المتميزة بقيت هي ما يميز طيران الإمارات عن غيرها لأننا منذ البداية أصررنا على أن تكون الخدمة على متن هذه الخطوط هي الأفضل عالمياً، ووضعنا في أذهاننا صورة منذ بداية تأسيس الشركة عن نوعية الخدمة التي كنا نريدها على متن طائراتنا. كنا كمسؤولين نحصل على خدمات طيران مميزة، وقلت للشيخ أحمد: أريد لجميع المسافرين على متن طائراتنا أن يحصلوا على الخدمة والاهتمام اللذين أحصل عليهما أنا، واليوم ما يميزنا عن غيرنا من الشركات هي الخدمة، حيث أصبحت الخدمة المميزة هي الضامن لولاء عملائنا حتى في أوقات الأزمات التي تعرضت لها شركات الطيران خلال السنوات الماضية.



الإيجابية في رؤية المستقبل تكمن في وضوح الرؤية، ووضوح تفاصيل الصورة النهائية، والثقة باله، واليقين الكامل بقدرك على تحويلها إلى واقع ملموس.



(لا شيء أسوأ من أن يهتز يقين القائد برؤيته، ويتردد في عمله، ويتشاءم من مستقبله).


(القائد الإيجابي هو الذي يغمض عينيه ويتخيل المستقبل ويرى الإنجاز الذي يريد تحقيقه بكل تفاصيله وبكل جماله).

7. الموظف الإيجابي


كما ذكرت في مستهل هدا الكتاب، سيكون تركيزي على الجوانب الإدارية والقيادية التي يمكننا تطويرها بالاستفادة من مفهوم الإيجابية، وبخاصة في تطوير الموظفين وبناء فرق العمل الفعالة والمنتجة، هنالك حقيقة لا بد من إدراكها جيداً بالنسبة لأي قائد، وهي أنه لا يوجد شخص غير مهم، أو فكرة غير مهمة أو وظيفة غير مهمة. 



كل إنسان له طاقة متفردة، عظيمة ومختلفة. كل إنسان له قيمة، له إبداع، له مهارة، كل إنسان له دور في هذه الحياة، وهذه هي النظرة الإيجابية التي لا بد أن ننظر بها لمن حولنا وما حولنا من الأفكار والأشخاص والوظائف.
تذكروا دائماً أن الإيجابية الحقيقية كما عرفناها في بداية هذا الكتاب تكمن في تغيير نظرتنا للأمور، إذا تغيرت النظرة تغيرت طريقة التعامل وتغير كثير من قراراتنا وسياساتنا، وتولدت فيمن حولنا طاقة إيجابية للعمل بشكل أفضل وأكثر إنتاجية وفاعلية، بل وأكثر من ذلك، عمت مشاعر الرضا والسعادة.




                وأيضاً نقول للموظفين إن قيمة الإنسان في ما يحسنه وما يتقنه، والوظيفة هي فرصة لإثبات الذات وتحقيق قيمة مضافة في هذه الحياة وفرصة للتعلم وفرصة لخدمة بلدك، وفرصة لإثبات قدراتك ومهاراتك وإطلاق طاقاتك إذا نظرت هذه النظرة للوظيفة فتأكد تماماً أن الإنجاز سيكون حليفك والتوفيق سيكون صاحبك، أما إذا نظرت إلى وظيفتك على أنها عبء أو أنها مكان فقط للعيش والتكسب وتمضية سنوات العمر وصولاً لتقاعد مريح فتأكد أيضاً أنك ستكون ممن يعيشون على هامش الإنجاز، وهامش النجاح وهامش الحياة، غيّر نظرتك وكن إيجابياً وضع هدفاً لحياتك وانطلق نحو تحقيق ذاتقك.



دعوني أحكي لكم قصة إحدى الموظفات عندنا في الحكومة الاتحادية هي شابة إماراتية اسمها منار الحمادي، كرمناها ضمن برنامج الشيخ خليفة للتميز الحكومي لتميزها في عملها، نحن نبحث عن هؤلاء الأشخاص لتكريمهم. هذه الشابة مكفوفة، لم نكرمها لأنها استطاعت النجاح في بيئة العمل، بل كرمناها لأنها متفوقة في عملها ومتفوقة على أقرانها، تعمل منار محامية عن قضايا الدولة في وزارة العدل، ولم تخسر أية قضية منذ توليها، أصيبت منار بمرض أفقدها بصرها منذ أن كانت في السابعة أو الثامنة. أطرح أسئلة فقط، كيف استطاعت وهي صغيرة أن تكمل دراستها وتتفوق؟ كيف استطاعت أن تواصل دراستها الجامعية؟ أنا أعرف أن المناهج ليست جميعها مترجمة إلى لغة المكفوفين فكيف استطاعت أن تحفظ وتستوعب كل النصوص القانونية؟ كيف تكتب المذكرات القضائية في عملها؟ كيف تترافع في المحاكم؟ وكيف تتفاعل مع الخصوم؟ ومع القضايا ومع النيابة؟ عمل المحامين عمل شاق أنا أعرفه، وهو عمل دقيق وفيه تعقيدات.



كيف استطاعت منار النجاح في قضاياها كافة ولم تخسر أية قضية؟ الإجابة هي الإيجابية، وتغيير نظرتها للحياة، وتغيير نظرتها لطاقاتها وإمكاناتها، وتغيير نظرتها لطبيعة التحديات التي تواجهها.
هل تتخيلون كيف كان الوضع سيكون لو صرفت منار طاقتها في الشكوى من وضعها والتذمر من حالتها وإلقاء اللوم على الآخرين أو على القدر؟ هل تتخيلون ما كان سيحدث لو استسلمت منار الأول تحدٍ لها عندما كانت صغيرة في مدرستها؟ هل كانت ستصل لما وصلت إليه؟



                أقول لكل موظف عندما تواجهك بعض التحديات في عملك ضع نفسك مكان منار، واسأل نفسك، هل التحديات التي واجهتها منار أصعب أم التحديات التي تواجهها؟ إذا استطاعت هي أن تتغلب على التحديات الأكبر فأنت أقدر على مواجهة التحديات الأقل.



لا يوجد إنجاز من غير تعب وجهد وكفاح ولكن يحتاج منا للطاقة. فمن أين تأتي بالطاقة؟ بالتفاؤل والإيجابية والطموح والثقة بالنفس.  الطاقة الإيجابية تعطيك همة في النفس وإشراقة في الوجه، ولمعة في العين، وهي طاقة إبداع تصنع المستحيل. هذا هو الموظف الإيجابي الذي نريد؛ متفائل، واثق بقدراته، مؤمن بنفسه، لا يقف ولا يتردد ولا ينتظر غيره، بل بيادر ويكون دائماً في الصف الأول.




أتعجب من كمية الطاقة التي يصرفها البعض في إيجاد الأعذار أو لوم الآخرين أو التذمر. اصرف نصفها في وضع هدف لحياتك وقيمة لذاتقك، وانطلق نحو العمل والإنجاز. لا يوجد شخص غير مهتم، أو فكرة غير مهمة، أو وظيفة غير مهمة. كل إنسان له طاقة متفردة، عظيمة ومختلفة.




(الموظف الإيجابي متفائل واثق بقدراته، لا يقف، ولا يتردد، ولا ينتظر غيره، بل يبادر ويكون دائماً في الصف الأول).

8. الإيجابية في بناء فريق العمل


كل مسؤول وكل قائد وكل صاحب مشروع بحاجة لفريق عمل، بل يمكن أن نقول كل مجتمع وكل دولة وكل أمة بحاجة لفرق عمل التبني وتعمر وتتعاون وتنجز وتتشارك في فرحة الإنجازات، وتقف متوحدة أمام التحديات التي تواجهها. والسؤال، كيف يمكن أن نكون إيجابيين عند بناء فرق العمل؟

الإيجابية هي النظرة التي تشكل رؤية الإنسان لما حوله، فمن أي زاوية يجب أن ننظر لفرق العمل التي لدينا، البعض ينظر إليهم على أنهم صبية لا بد أن يتحمله لأنه بحاجة إليهم، وآخرون ينظرون إليهم على أنهم وسيلة لتحقيق أهداف سريعة سواء كانت شخصية أو مؤسسية، وآخرون تعرفهم هم -للأسف- في صراع دائم مع فرق عملهم وفي منافسة لإثبات الذات، البعض يختار فريق عمل ضعيف ليريح نفسه وليثبت لذاته ولغيره أنه هو الأفضل، والبعض الآخر يستمر بالبحث عن أخطاء الفريق وتضخيمها ليثبت لهم أنه دائماً على صواب، وأن الحكمة خلقت له وحده.



دائماً انظر لفريق عملك بإيجابية، واعمل على تحقيق السعادة لهم ليحققوا السعادة للمجتمع من حولهم.


                عندما تكون نظرتنا إيجابية لفريق عملنا ستتغير طريقة تعاملنا معهم،  وستتغير معها أيضاً الأجواء والبيئة التي يعمل فيها فريق العمل، وستتغير فاعلية ونتائج فريق العمل للأفضل دائماً.



عندما ننظر لأعضاء فريق العمل بأنهم هم العقول التي نفكر بها وأيدينا التي نعمل من خلالها، ستتغير طريقة تعاملنا مع هذه العقول والطاقات، وسنعمل جاهدين للحفاظ عليها وتنمية قدراتها ورفع مستوى كفاءتها.
عندما ندرك أن ذكاء الفريق دائماً أكبر من ذكاء الفرد، فسنكون دائماً بحاجة لهذا الذكاء لتحقيق إنجازات أفضل وأكبر وأكثر إبداعاً وتميزاً. عندما يتأكد كل عضو في فريق العمل بأن قوة الفريق هي قوة شخصية له، ويتأكد أيضاً قائد الفريق بأن قوة كل عضو من أعضاء الفريق هي قوة للفريق، سيزيد الإنجاز، وستتبدل الروح التي يعمل من خلالها الفريق.



سرعة القائد من سرعة فريق عمله، وقوته من قوتهم وذكاؤه محصلة ذكاء كل أعضاء الفريق. وكما لا يوجد زعيم من غير شعب لا يوجد أيضاً قائد من غير فريق، ولا يوجد إنجاز حقيقي من غير روح الفريق.



بحكم عملي ألتقي سنوياً آلاف فرق العمل في كافة المجالات سواء اقتصادية أو خدمية أو تعليمية أو صحية أو سياسية أو حتى عسكرية. وبصرف النظر عما إن كانت هذه الفرق حكومية أو خاصة، تسعى للربح أو تسعى لخدمة المجتمع والوطن، فإن روح الفريق الإيجابية ونظرة القائد الإيجابية هما اللتان يحكمان نجاحها.
                ألتقي أحياناً بعض الشكاوي عبر موقعي الإلكتروني وعبر وسائل التواصل الاجتماعي من موظفين يشتكون من بيئة عملهم. وعندما نبحث عن السبب، نجد قائد الفريق وقد أهمل الكثير من الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تحفز موظفيه أو تسمح لهم بإطلاق إمكاناتهم الكامنة أو توجه طاقاتهم نحو أهداف محددة، وفرق العمل نفسها إذا وجهناها توجيهاً صحيحاً، أو تغيير قائدها تراها وقد تغير إنجازها بالكامل.


فرق العمل تستطيع أن تحقق المعجزات إذا وفرنا لها البيئة الإيجابية والمحفزة وأعطينا أعضاء الفرق الصلاحيات، ووثقنا بهم.
أذكر أننا قبل عدة سنوات قررنا بدء العمل في مجال الأقمار الصناعية، وكان الهدف البعيد لنا أن تقوم الإمارات بتصنيع الأقمار الصناعية بنفسها.



                استدعينا بعض الشباب، وشكلنا فريق عمل، ووضعنا لهم هدفاً واضحاً ومحدداً، وقلنا لهم، هدفنا أن تتعلموا من الأفضل عالمياً، ثم نريد بعد عدة سنوات أن تصنعوا بأنفسكم الأقمار الصناعية.

ذهب أولئكك الشباب وتغربوا ليدرسوا في كوريا الجنوبية لعدة سنوات، ثم بنوا أول قمر صناعي بالتعاون مع الكوريين. والثاني بنوه بشكل أكبر هنا، ولكن أيضاً بالتعاون مع دول أخرى. والآن هم يعملون على تصنيع أول قمر صناعي عربي بالكامل بأيدٍ إماراتية، وسيطلقونه في عام 2017 بإذن الله، بل أكثر من ذلك، فهم يعملون الآن على مشروع فريد من نوعه وهو الوصول بدولة الإمارات للمريخ عام 2021 عن طريق مسبار الأمل. وبالمناسبة متوسط أعمارهم 27 و28 سنة، وهم موظفون حكوميون أيضاً. 



فريق عمل حكومي يستطيع الوصول للمريخ، وفريق عمل حكومي آخر لا يستطيع أن ينجز معاملات ورقية! ما السبب في رأيكم! السبب هو القائد وبيئة العمل التي يوفرها لفريقه سواء كانت إيجابية أو سلبية، وروح الفريق التي تجمع كافة الأعضاء لتحقيق رؤية موحدة بكل إخلاص وتفانٍ.



                لدي عادة مع فريق عملي في مجلس الوزراء، حيث أعقد لهم خلوات وزارية بين فترة وأخرى نناقش فيها خططاً إستراتيجية جديدة أو مبادرات نوعية أو تحديات غير مألوفة، ومن عادتي أن نقضي النهار في اجتماعات، والمساء في أنشطة ترفيهية مع الوزراء. لامني مرة أحد الأصدقاء على الأنشطة الترفيهية، فقلت له: هذه النشاطات أهم عندي من الاجتماعات لأنها تبني روح الفريق، هم إخواني وفريق عملي، وليسوا موظفين تنتهي علاقتي معهم بنهاية الاجتماعات والحمد لله على مدار أكثر من 10 سنوات، بنينا علاقة مميزة وفريق عمل ناجح.
دائماً انظر لفريق عملك بإيجابية، وامنحهم طاقة إيجابية، وارفع معنوياتهم، واعمل أيضاً على تحقيق السعادة لهم ليحققوا السعادة للمجتمع من حولهم.

(سرعة القائد من سرعة فريق عمله، وقوته من قوتهم، وذكاؤه محصلة ذكاء كل أعضاء الفريق).

(فريق عمل يستطيع الوصول للمريخ، وفريق آخر لا ينجز معاملات ورقية! السبب القائد وبيئة العمل).

9. العرب الإيجابيون


لعل ما تمر به منطقتنا العربية من نزاعات سياسية وصراعات مذهبية ودينية وتراجعات اقتصادية وتحولات اجتماعية وهزائم علمية وحتى رياضية يجعل الحديث عن مفهوم الإيجابية كأحد الحلول التنموية مستهجناً وبعيداً عن الواقعية ومفرقاً في المثالية.
ولست هنا في معرض الحديث عن إصلاح هذا التراجع الحضاري الذي تمر به منطقتنا، فهذا يحتاج لبحث آخر مستقل، وجهد بحثي مكثف، وحلول عملية تتناسب مع خصوصيتنا الحضارية والثقافية والسياسية، ولكن في هذه العجالة أحببت فقط أن أقول لإخواني العرب، لم لا نجرب أن نغير نظرتنا لبعض الأمور، ونتحلى بقدر من الإيجابية في تعاملنا مع التحديات التي تواجهنا ونبقي قليلاً من التفاؤل تستطيع الأجيال الجديدة أن تعيش عليه وأن تحقق ذاتها من خلاله؟




ما دمنا كعرب جربنا الكثير من النظريات والأفكار والمناهج، فلا ضير في أن نجرب أن نكون إيجابيين لبعض الوقت، ونغير السوداء من النظارات لفترة من الزمن، ونكون إيجابيين حول بعض الأمور. ولعلي أقترح هنا أن نبدأ بتغيير نظرتنا لثلاثة أشياء كبداية.




أولاً: النظر بإيجابية لقدراتنا وإمكاناتنا. الثقة بالنفس هي أولى خطوات التغيير للأفضل. لا بد أن تتغير نظرة العرب بشكل عام لقدراتهم وإمكاناتهم. لا بد أن تكون لديهم ثقة أن بإمكانهم تغيير واقعهم وتغيير العالم من حولهم، والإيمان بإمكانية تحولهم لقوة عظمى اقتصادياً وسياسياً وعلمياً خلال فترة بسيطة من الزمن، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الإيجابية في مؤسساتنا وشعوبنا وثقافاتنا، وشجاعة قلبية كبيرة لترسيخ اليقين فينا بقدرتنا على المنافسة في هذا العالم.




منطقتنا منطقة حضارات، نحن صناع حضارات، منذ آلاف السنين وأبناء هذه المنطقة منبع الحضارات وأصلها وقدموا الكثير للعالم، لماذا لا يستطيع أبناؤهم اليوم تكرار التفوق الحضاري نفسه الذي حققه أجدادهم الذين ما زال تأثيرهم حاضراً معنا اليوم.




انظروا مثالاً لتكنولوجيا الكمبيوترات القائمة على الرقمين صفر وواحد. الصفر خرج من عندنا ولدينا فضل في تقدم هذا العلم، لأن استخدام الصفر بشكله المعروف حالياً يعود إلى الحضارة الإسلامية التي قدمته للعالم بشكل رياضي متطور على يد عالم الرياضيات الخوارزمي، حتى الأرقام الأجنبية الحالية أخذها الأوروبيون من العرب، ويقال إن حتى الحروف اللاتينية أصلها سامي وليس أوروبي، لأنها فينيقية والفينيقيون هم أبناء هذه المنطقة.



الحضارات الغربية الحديثة استفادت منا ومن علمائنا في علوم الطب والفلك والكيمياء والرياضيات، وهذه طبيعة الحضارات، أنها تتفاعل مع بعضها وتبني على علوم من سبقوها، وتبدأ من حيث انتهت عقول وأفكار من جاؤوا قبلها، نحن أبناء هذه المنطقة قدمنا الكثير من الإبداعات والابتكارات للعالم، ونستطيع اليوم  أيضاً أن نقدم شيئاً جديداً ومختلفاً للعالم مرة أخرى، تنقصنا فقط الثقة بالنفس، وتغيير ثقافة الأجيال الجديدة لتنظر بإيجابية لتاريخها وقدراتها وإمكاناتها وطاقاتها الهائلة الكامنة فيها.




                ثانياً: النظر بإيجابية للمستقبل: أنا أستغرب من كمية التشاؤم الكبيرة الموجودة في الكثير من الدول العربية، وخاصة في منتجاتها الفكرية والإعلامية والدرامية. بل للأسف أبدع الكثير من شعوبنا في صياغة الأمثال التي تدعو للإحباط، وتقلل من إمكانية تغيير المستقبل، مع أن التفاؤل جزء من ثقافتنا وجزء من ديننا أيضاً.
كان العرب في الجاهلية إذا أرادوا السفر نفروا طيراً، فإذا طار يميناً تفاءلوا وإن طار شمالاً تشاءموا، وللأسف ما زال البعض لدينا يعيشون في تلك الجاهلية.



انظروا لدول مثل اليابان وألمانيا خرجت مدمرة تماماً من الحرب العالمية الثانية، ملايين القتلى وخراب شامل في البنية التحتية، وخلال عشرات السنين أصبحت تقود اقتصاد العالم، لم ييأس أبناؤها، بل تعاونوا وتكاتفوا، وكانت لديهم ثقة بالنفس وإيمان بالقدرة على صنع المستقبل، وعملوا بجد واجتهاد حتى وصلوا.
                الحروب يمكن أن تدمر البنيان، ولكن الأخطر منها تلك التي تدمر الإنسان، وتقصف ثقته بنفسه، وتهدم تفاؤله بمستقبله، وتحيله إلى التقاعد عن إكمال السباق الحضاري والمنافسة العالمية.





في الإمارات كنا قبائل متفرقة، غير متعلمة، في صحراء قاحلة، واليوم نحن دولة عالمية متقدمة لأن ثقتنا بالمستقبل منذ البداية كانت تزيدنا إصراراً على العمل بشكل أفضل وأسرع وأكبر، وكلما تحقق إنجاز، ولو كان صغيراً، كانت هذه الثقة تكبر مع الأيام ومع الإنجازات والفضل والحمد لله وحده على هذه الثقة.



ثالثاً: التوقف عن الانتظار: كثير من العرب لديهم عقدة الانتظار، ينتظرون صلاح الدين، وينتظرون معجزة تهبط من السماء ليتغير حالهم، وهذا مخالف لقوانين الكون التي وضعها رب العالمين، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). الله سبحانه وتعالى يقول اعملوا، لم يقل انتظروا حتى نرسل لكم معجزة. لا بد لكل واحد منا أن يعمل ويجتهد، لا بد لكل دولة أن تبتكر في مشاريعها، وتنطلق في مبادراتها، كل وزارة ومؤسسة وشركة لا بد أن تعمل وأن يكون لديها طموح عالمي. كل شخص لا بد أيضاً أن يعمل بإخلاص وإتقان واجتهاد. لا بد أن نعمل ونستمر في العمل، وأن يكون لدينا طموح كبير، وثقة بأننا نستطيع تغيير واقعنا، ونستطيع أيضاً أن نغير العالم.



نحن في الإمارات لدينا تجربة مميزة في بناء حكومة ناجحة ومؤسسات قوية واقتصاد متنوع، ومستعدون لمشاركة خبراتنا مع أية دولة أخرى. هنالك دول كثيرة أيضاً لديها خبرات في مجالات قد تكون طبية أو علمية أو صناعية أو غيرها، لا بد أن نستفيد ونتعلم من بعضنا ولا ننتظر المستقبل.
البعض ينتظر أن يتوحد العرب أولاً، والبعض ينتظر أن تنتهي الحروب أولاً.  أسوأ شيء نفعله هو أن ننتظر الآن. الانتظار هدر في الطاقات وضياع للسنوات، وفوات للكثير من الإنجازات، الله سبحانه وتعالى يقول اعملوا لم يقل انتظروا حتى نرسل لكم معجزة.

(منذ آلاف السنين وأبناء هذه المنطقة هم منبع الحضارات وأصلها، وقدموا الكثير للعالم).

(أخطر الحروب تلك التي تدمر الإنسان، وتقصف ثقته بنفسه، وتهدم تفاؤله، وتحيله إلى التقاعد عن إكمال السباق الحضاري).

(أسوأ شيء نفعله هو أن ننتظر لأن الانتظار ضياع للسنوات، وفوات للإنجازات).

10. القدوة الإيجابية


هناك تشابه لغوي بين كلمتي القائد والقدوة، وفي رأيي المتواضيع الكلمتان بينهما تشابه وظيفي أيضاً.
علاقة الكلمتين هي علاقة مقدمة ونتيجة، لا يوجد قائد حقيقي من دون أن يمثل قدوة حقيقية لمن حوله، قدوة في أفعاله وأقواله وأفكاره، بل أستطيع القول إن ما يبقى من القائد القدوة هي الأقوال والأفعال والأفكار، وهو ما يحتاج إليه الناس في الحقيقة ليعيشوا حياة أفضل عبر الدروس والرسائل الصامتة التي يبعثها القائد لمن حوله بتصرفاته وأفعاله، والسؤال هنا: ما علاقة الإيجابية بهذا الموضوع؟ الإجابة بسيطة. لا يمكن أن يتأثر الناس بقائد سلبي. التأثير الحقيقي في حياة الناس يكون عبر القادة الإيجابيين. الإيجابية هي الشعلة التي تعطي لحياتك الأفكار وتجعل من حولك يستمعون لك ويستمتعون بالعمل معك، ويؤمنون برؤيتك، ويعملون وفق طريقتك، ويثقون بقراراتك. إذا آمنت بنفسك آمن الناس بك، وإذا تفاءلت بعملك، تفاءل الناس من حولك وحققوا أهدافك. وإذا أردت أن تغير العالم من حولك، فابدأ بتغيير أفكارك وقناعاتك، وكن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم كما يقول غاندي.




مرت علينا في دولة الإمارات تحديات كثيرة وأوقات صعبة وخاصة في بدايات تأسيس الدولة، وكنا ننظر لقادتنا في تلك الأوقات الصعبة فنراهم ثابتين، مستمرين في عملهم، مقتنعين بفكرتهم، غير مترددين في قراراتهم، فانعكس ذلك على جميع من حولهم إيماناً أكبر بفكرة الاتحاد، وقناعة راسخة استمرت ليومنا هذا، حتى جاءت أجيال جديدة مستعدة للتضحية بروحها ودمها فداء لفكرة الاتحاد ولكل ذرة من تراب الاتحاد.




مرت علينا في السنوات الأخيرة أزمة مالية وصعوبات اقتصادية، فكان الناس ينظرون إلينا وينتظرون منا الحديث أو الكلام فأرسلنا لهم رسائل بأفعالنا قبل أقوالنا، وبمبادراتنا قبل خطاباتنا وتوسعاتنا في مشاريعنا قبل تصريحاتنا، فاطمأن الناس ووثق العالم بنا لأنهم رأوا قناعة داخلية قوية وإيجابية عندنا بأننا لا نتراجع أو نستسلم، بل نبتكر دائماً حلولاً جديدة وأفكاراً جديدة.




رأى الناس من حولنا أن التنمية بالنسبة إلينا ليست مشاريع متفرقة هنا وهناك، بل هي أسلوب حياة عندنا، وخيار أوحد لا ثاني له، ومسيرة مستمرة منذ أكثر من 45 عاماً ولن تتوقف.




                القدوة الإيجابية أساسية لنجاح أي قائد، وهي أسرع وأقوى طريقة للتعلم، فالناس لا ينظرون لكلماتك بقدر ما ينظرون لأفعالك وتصرفاتك، أذكر في نهاية سبعينات القرن الماضي عندما تولى الشيخ راشد، رحمه الله رئاسة الوزراء في حكومة دولة الإمارات، كانت أمامه تحديات كبيرة في تطوير بنية تحتية في جميع أنحاء الإمارات من شوارع ومستشفيات وطرق، كما كانت لديه خطط كبيرة أيضاً في إسكان المواطنين على مستوى الدولة، كان الاتحاد مرحلة تحول في حياة الناس، وليس مجرد فكرة مثالية تداعب بها خيال الناس، كان أكثر ما يهم القادة في ذلك الوقت أن يحس المواطنون بنعمة الاتحاد وينعكس ذلك على حياتهم وسكنهم وراحتهم.  عندما شرع الشيخ راشد في العمل على هذه الخطط الضخمة، بدأ يلاحظ الروتين الذي يكتنف أداء الحكومة وبدأ يلاحظ الوزارات المعنية وهي تغرق في المراسلات واللوائح والأعمال الورقية، ما أدى للتباطؤ في تنفيذ المشاريع، فماذا فعل؟  تولى الشيخ راشد بنفسه متابعة تنفيذ المشاريع، وخاصة مشاريع البنية التحتية ومشاريع الإسكان التي كانت من أهم أولوياته، بل كانت خبزه اليومي.




كنت تراه في السابعة صباحاً في إمارة الفجيرة وبعدها بيومين تراه أيضاً في السابعة صباحاً مع مقاولين يشقون طريقاً جيلياً في رأس الخيمة، ثم في اجتماعات ميدانية مع مسؤولين في الحكومات المحلية، وكانت مكالماته وتواصله المباشر مع جميع حكام الإمارات تسهل أي عقبة في أي مشروع وتلغي أي تأخير محتمل.



كان هو وزير الأشغال الحقيقي، حتى أبدى وزير الأشغال في ذلك الوقت انزعاجه بلطف وهدوء عبر أحد الوسطاء للشيخ راشد الذي لم يرد عليه أول مرة، ثم تتالت الرسائل والشيخ راشد مستمر في عمله، حتى أرسل الوزير مرة أخيرة للشيخ راشد يطلب منه أن يعفيه من منصبه خشية أن يكون الشيخ راشد غير أدائه. لكن الشيخ راشد، رحمه الله، تركه فترة ثم استدعاه، قال له، "لم أر منك تقصيراً ولكن أحببت أن أريك طريقتي في إدارة المشاريع".



والآن وقد عرفت ماذا أريد وكيف أريدة يمكنك أن تبدأ العمل على بركة الله. وهكذا ترسخت طريقة الشيخ راشد في إدارة المشاريع، وانعكس ذلك إنجازاً سريعاً وأحس المواطنون بقوة الاتحاد ومساهمته في تغيير حياتهم للأفضل.



أن تكون قدوة إيجابية هو أن تؤمن بفكرتك وتتفاءل بنجاحها بحيث لا تتردد في تطبيقها، وتكون أنت أول من ينفذها قبل أن تطلب من الآخرين تطبيقها.



اشتكى لي مرة أحد المواطنين، وهو ميسور الحال بفضل الله، من فواتير الكهرباء والمياه مطالباً مني إعفاءه من بعضها. فقلت له أنا أدفع فواتيري كلها ولا أستثني نفسي، وأدفع أيضاً مخالفات سياراتي، وأنا من أولى الذين وضعوا بطاقة سالك على سيارتي لدفع رسوم التعرفة المرورية، فلم يجد رداً على ذلك ليس خوفاً بل قناعة عندما رأى تصرفاتي وأفعالي وليس كلامي.



في الحكومة أردنا أن نشجع المسؤولين على الاستماع لآراء الموظفين وأفكارهم ومناقشتها معهم وفتح المجال للمتعاملين أيضاً ليكونوا جزءاً من التطوير عبر أفكارهم ومقترحاتهم فلم نرسل تعميماً أو توجيهاً بهذا الخصوص، بل أطلقنا مبادرة لعمل أكبر عصف ذهني، وكان حول موضوعي الصحة والتعليم. وشارك فيه عشرات الآلاف، وحقق نجاحاً كبيراً بحمد الله.  ووصلت الرسالة، وبدأت الوزرات والهيئات جميعها تطبيق فكرة العصف الذهني بعدما رأت نجاحها وفاعليتها عندما طبقناها نحن أولاً.




إذا كنت مؤمناً بما تفعله فافعله ولا تنتظر أن يقلدك الناس دائماً. أحياناً أتفاجأ شخصياً من دقة الناس في ملاحظة تصرفاتي وأفعالي، مع أني لا أضع في نيتي إرسال أي رسالة معينة، ولكن قوة القدوة هي من قوة القائد.
هناك الكثير من الرسائل التي يمكن أن نرسلها للناس من غير أن نتكلم وينطبق ذلك أيضاً على موظفينا. (اصنع الإنجاز والنجاح وسيتبعونك، لأن أعينهم على القائد.


(أن تكون قدوة إيجابية هو أن تؤمن بفكرتك، وأن تكون أنت أول من ينفذها قبل أن تطلب من الآخرين تطبيقها).

(القدوة الإيجابية أسرع وأقوى طريقة للتعلم، فالناس لا ينظرون لكلماتك بقدر ما ينظرون لأفعالك).

(إذا آمنت بنفسك آمن الناس بك، وإذا تفاءلت بعملك، تفاءل الناس من حولك وحققوا أهدافك).

11. كن إيجابياً وابتسم


التقيت أحد الأصدقاء قبل فترة فقال لي: عندي شكوى واقتراح، أما الشكوى فكانت أنه دخل إحدى الوزارات لإنجاز معاملة ولم يجد الموظفين يبتسمون للمتعاملين. وقال: لعل انشغالهم أنساهم. أما الاقتراح فقد كان بإلزام الموظفين بالابتسامة للمتعاملين. ابتسمت لاقتراحه وشكرته وقلت له: قد سبقناك يا صديقي حيث اعتمدنا بحمد الله، قبل فترة نظاماً لتصنيف مراكز الخدمة الحكومية بتصنيف النجوم المطبق في الفنادق وعند كل مركز سنضع لوحة عليها تصصنيف من نجمتين وحتى سبع نجوم تبين جودة الخدمات في هذا المركز، وقبل وضع اللوحة سيتم تقييم جميع المراكز وفق مجموعة من المعايير المطبقة في القطاع الخاص وخاصة قطاع الضيافة، وأحد المعايير الأساسية هو ابتسامة الموظفين.



بدأنا المشروع وكانت النتائج إيجابية، وأصبحت جميع المراكز تتنافس في ما بينها لرفع تصنيفها والحصول على لوحة الخمس نجوم عبر تقديم خدمات أفضل وأسرع وأسهل لمتعامليها.


                ثم رفعنا السقف مرة أخرى عندما أعلنا ضمن البرنامج الوطني للسعادة عن تحويل مراكز الخدمة الحكومية إلى مراكز سعادة المتعاملين، يتم فيها تطبيق المبادئ والممارسات المبنية على أسس علمية لتحقيق سعادة المتعاملين وضمان أجواء إيجابية في جميع مراكز الخدمة الحكومية، ولكني شخصياً لدي قناعة راسخة بأن الابتسامةلا بد أن تنبع من الداخل ولا تفرض من الخارج، الابتسامة لا بد أن تكون صادقة حتى يكون لها تأثير.
الابتسامة لا بد أن تكون عن قناعة وليس عن طريق لوائح تنفيذية.

                هنالك حدود لما يمكن أن تفرضه الحكومة أو تفرضه أي شركة على موظفيها، وهنا يأتي دور الإيجابية وتأثيرها في الإنتاجية.




الإيجابية كما عرفتها في بداية هذا الكتاب، هي نظرتنا للأمور التي تحدث في حياتنا، نظرتنا للناس من حولنا، وإذا تغيرت هذه النظرة تغير سلوكنا.  الحل هو أن تتغير نظرة الموظفين للمتعاملين، وأن تتغير نظرة الموظفين لموضوع الابتسامة، وتأثيرها عليهم وعلى من حولهم، وتأثيرها في إنتاجيتهم وسعادتهم ونجاحهم، بعد ذلك ستكون الابتسامة تلقائية وصادقة، ولا أقول ذلك فقط للموظفين بل للجميع، سواء كان متعاملاً أو موظفاً أو رب أسرة أو صاحب عمل خاص أو غيره، لا بد أن نغير نظرتنا للابتسامة.



أولاً وقبل كل شيء، جاءنا نبينا عليه الصلاة والسلام قبل 1400 عام ونيف ليقول لنا: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". أجمل ما يمكن أن تهديه لأي إنسان هو ابتسامة حقيقية، أجمل ما يمكن أن تخفض به من تعب الناس وتوترهم هو ابتسامة حقيقية، أجمل ما يمكن أن تحصد به الأجر والثواب من رب العباد هو ابتسامة حقيقية. عندما يتبنى الموظف أو غيره هذه النظرة الإيجابية للابتسامة فسيتغير للأفضل. من منا لا يريد الأجر؟ إذا ابتسم الموظف لِ 100 أو 200 متعامل في اليوم، كم من الأجر والثواب سيحصل عليه؟

الأمر الآخر المهم في موضوع الابتسامة أن تأثيرها الإيجابي على الموظف نفسه،  أكثر من تأثيرها على غيره. الابتسامة هي أحد مفاتيح السعادة، ابدأ صباحك بابتسامة، وانظر كيف يكون يومك، ابتسم دائماً وسترى كم سيكون وجهلك أجمل. الابتسامة دائماً تجعل الوجه أجمل، تجعله مشرقاً، تجعله جذاباً ومحبوباً. سر السعادة والجمال يكمن في الابتسامة الصادقة، ابتسم حتى يكون يومك أفضل من أمسك، ابتسم حتى تكون حياتك أسعد من غيرك.




كثير من الناس يظنون أن السعادة الداخلية تؤدي للابتسامة، ولكني أقول إن الابتسامة أيضاً تولد السعادة الداخلية، عندما تتغير نظرة موظفينا للابتسامة وتكون نظرة إيجابية سيبتسمون بشكل تلقائي وحقيقي، مثلما يظن بعض الناس أيضاً خطأً أن النجاح يؤدي للسعادة، ولكن الحقيقة هي أن الإيجابية تؤدي للسعادة والسعادة تولد النجاح.




الابتسامة هي لغة عالمية يفهمها كل البشر ويتفاعل معها الجميع، يتفاعل معها الطفل الصغير والشيخ الكبير والعامل الكادح والمرأة والرجل والشاب والفتاة، ابتسم لأي شخص وسترى أنه يبتسم تلقائياً.



من الصعب جداً على أي إنسان أن يقاوم الابتسامة. يمكن للإنسان أن يقاوم خروج دمعة من عينيه في موقف حزين، ولكن لا يمكن أن يقاوم ابتسامة صادقة أمامه دون أن يبتسم لها، هكذا خلقنا الله خلقنا لنكون سعداء فتبارك الله أحسن الخالقين.



أقلب أحياناً في صور مؤسسي دولتنا الشيخ زايد والشيخ راشد، رحمهما الله، فأجدهما مبتسمين تبدو دائماً عليهما علامات الإيجابية والثقة والراحة النفسية الكبيرة، حضرت معهما الكثير من اللقاءات مع زعماء آخرين ومع مواطنين عاديين ومع متخصصين في مختلف المجالات، ولم تكن البسمة تفارق وجهيهما. الابتسامة لدينا في الإمارات جزء من تكويننا وهويتنا وطريقتنا في التعامل مع الناس، وجزء من الصورة الذهنية التي نريدها أن تنطبع عند كل زائر لنا أو متعامل معنا..






الشيء الآخر الذي أريد قوله أيضاً إن تغيير نظرتنا للمتعاملين مع الوزارات والدوائر مهم جداً في تغيير سلوك موظفينا معهم، كيف ينظر الموظف للمتعامل؟ هل ينظر إليه على أنه عقبة عليه وعمل إضافي لا بد أن يقوم بها أم ينظر للمتعامل على أنه السبب في وظيفته. والسبب في دخله وراتبه ومعيشته ومعيشة أبنائه؟ من دون متعاملين لن تكون هناك وظائف ورواتب وميزانيات ومكافآت، وبالتالي فالموظف أيضاً يحتاج إلى المتعامل كحاجة المتعامل له أو أكثر، ثم أقول لكل موظف أيضاً، انظر للصورة الكبيرة انظر لوطنك الذي تخدمه.



عندما تبتسم فأنت تخدم وطنك وتحافظ على سمعته، وتعلي مكانته. هل تعرفون أن ابتسامة موظف المطار مثلاً للزائر القريب هي أكثر شيء يؤثر في تجربته وانطباعه حول الدولة؟ بشكل عام الانطباع الأول هو أهم انطباع ويصعب إصلاحه فيما بعد إن لم يكن جيداً من المرة الأولى.



وأختم بقصة بسيطة. أحد زوار الدولة وهو سائح سويدي له شركات في لندن تعرض  لموقف عندنا في دبي، ارتكب مخالفة مرورية بسيطة، وعندما أوقفه شرطي المرور، كان أول ما فعله أنه ابتسم له، ثم شرح له مخالفته بكل هدوء وأعطاه هدية بسيطة، وأخبره أن الشرطة حالياً تنفذ حملة توعية حول هذا النوع من المخالفات وتركه ينصرف، بسبب هذا الموقف قرر هذا الشخص أن ينقل جميع شركاته واستثماراته من لندن لدبي، لأنه عرف أن خلف هذه الابتسامة وخلف هذا الموقف شعباً متحضراً، وثقافة مؤسسية راقية، ونية صادقة لتطوير الحركة المرورية وليس لعقاب الناس.




لا تستهن بابتسامتك مهما كنت وأينما كنت لأن لها أثراً عظيماً في نفوس الآخرين، وفي نفسك، وفي بلدك ومجتمعك.

(الابتسامة لدينا في الإمارات جزء من تكويننا وهويتنا وطريقتنا في التعامل مع الناس).

(يمكن للإنسان أن يقاوم خروج دمعة من عينيه، ولكن لا يمكن أن يقاوم ابتسامة صادقة أمامه دون أن يبتسم لها).

12. إيجابية الأزمات


كل إنسان معرض لأزمات وتحديات يمكن أن يواجهها في حياته، وكل مؤسسة أو مجتمع أو دولة أو شعب أيضاً عرضة للأزمات. هذه سنة كونية من خالق الكون لأن الأزمات تعلمنا كبشر، وتجبرنا على التواضع، وتقوينا وتظهر أفضل طاقاتنا ونبرز معادن أفضل الرجال لدينا وحتى صفات أسوأ الناس تظهر خلال الأزمات.



إن نظرة الإنسان الإيجابي للأزمات التي يمر بها تكون مختلفة عن نظرة الإنسان السلبي، وبالتالي تعامله معها وتفاعله مع معطياتها يختلف تماماً، ولهذا من المهم جداً التحلي بالإيجابية عند التعرض للأزمات، لأن ذلك يمكن أن يغير مسار حياتنا أو إذا كنت قائداً، مسار مؤسستك، وحتى شعبك.




هناك قناعة داخلية راسخة لدى الإنسان الإيجابي بأنه في كل أزمة فرصة، ومع كل محنة منحة، وكل مصيبة لها فوائد، الإنسان الإيجابي لديه إيمان كامل بأن كل أزمة تبدأ كبيرة وتنتهي صغيرة، وبأن أزمات اليوم هي قصص الغد، وبأن الأزمة هي فرصة للإبداع ولاختبار الطاقات والقدرات، والتطوير للإمكانيات والتفكير في مجالات جديدة وبطرق أيضاً مختلفة.





في أواخر عشرينات القرن الماضي، بدأت في دبي مرحلة عصيبة جداً، كانوا يسمونها سنوات القحط، استمرت عقدين كاملين إن لم يكن أكثر. كان اقتصاد دبي قبل ذلك يقوم بشكل أساسي على تجارة اللؤلؤ، وهي تجارة مكلفة وخطيرة ومحفوفة بالكثير من التحديات، وأيضاً الكثير من قصص المعاناة وفقد الأحباب والأقرباء، وكان البحر على قسوته هو المصدر الأساسي للمعيشة والركن الرئيسي الذي يقوم عليه اقتصاد دبي البسيط في ذلك الوقت حيث كان البحر يجود بأفضل أنواع اللؤلؤ الذي لا يدانيه في جودته وأصالته وقيمته أي لؤلؤ آخر، وعاش الناس وعاشت دبي وفق هذه المعادلة الاقتصادية مع البحر، ولكن كانت دبي على موعد مع تحدٍ جديد، تحد قلب كل شيء رأساً على عقب، بل يمكن أن نسميها سنوات التحديات أو كما يصفها البعض سنوات القحط.




اكتشف اليابانيون تكنولوجيا مكنتهم من تصنيع اللؤلؤ بتكلفة قليلة، حيث تلاشت شيئاً فشين الحاجة للؤلؤ الطبيعي، وانتشر اللؤلؤ الصناعي الياباني في أسواق الخليج. ووجد الناس أنفسهم بلا عمل، وفقد الكثير منهم مصدر الرزق وصارعوا الفقر والفاقة عندما انخفض الطلب على اللؤلؤ الطبيعي.  ولكن الأزمة لم تتوقف عند ذلك الحد. انهارت بعد ذلك بقليل بورصة نيويورك للأوراق المالية، ووصل الكساد العالمي إلى دبي، وتباطأت حركة التجارة والملاحة، وتلقى اقتصاد دبي ضربة قوية، وتدهورت الأوضاع الصحية وانتشر وباء الجدري.
                وكان أكثر من تضرر في تلك الأيام المواطنون الفنيون المتخصصون في الغوص وصناعة سفن اللؤلؤ والتجارة به، فتعمقت معاناتهم وانتشرت البطالة في أوساطهم، ولم يعد للأمل مكان في قلوبهم.




في تلك السنوات بدأ نجم الشيخ راشد، رحمه الله بالبزوغ وأظهرت تلك الأزمة أفضل ما عند ذلك القائد الشاب الذي لم يبلغ بعد العشرين من عمره من طاقات وإمكانات، وذكاء غير اعتيادي وإيجابية كبيرة في فكره وشخصيته. أدرك ذلك الشاب بأن دبي مقبلة على فرص هائلة إذا استطاعت أن تحول نفسها وتغير مسيرتها لتكون مركزاً تجارياً حقيقياً للمنطقة وخاصة مع دعوة جدي، رحمه الله، تجار المنطقة للاستقرار في دبي بعد أن دفعتهم الضغوط والقيود الاقتصادية المفروضة عليهم للبحث عن مركز تجاري جديد.




عرف الشيخ راشد أن هناك فرصة حقيقية لدبي في التجارة فوجه، رحمه الله، المواطنين العاملين باللؤلؤ وصناعة السفن للاتجاه نحو التجارة والعمل على الخطوط الملاحية بين الخليج وأفريقيا والهند. فتدفقت رؤوس الأموال والخبرات التجارية، وتحرك سوق العمل وبدأت مرحلة جديدة في قرية دبي ما زلنا نقطف ثمارها حتى اليوم عبر موانئ هي بين الأفضل عالمياً وحركة تجارية للاستيراد والتصدير هي بين الأنشطة على خطوط الملاحة الدولية وخبرات متراكمة مكنتنا اليوم من إدارة 66 ميناء حول العالم.




وهكذا القائد الإيجابي لا ينظر للأزمة على أنها نهاية العالم بل بداية عالم جديد من الإبداع والإنجاز والآفاق الجديدة.



                القائد الإيجابي لا ينتظر الفرص بل يسعى لها، ولا يؤمن بالحظ بل يصنعه، ولا يعتقد أن النجاحات توهب بل هو من يصنعها.




قبل فترة، أعلنت الكثير من وسائل الإعلام عن تصدّر مطار دبي الدولي كل مطارات العالم في حجم حركة المسافرين الدولية، وتفوقه على مطار هيثرو في لندن في السمعة الدولية الكبيرة والتاريخ العريق، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن ولادة مطار دبي كانت بعد معركة من التحديات والإصرار والمثابرة.




في ذلك الوقت أدرك الشيخ راشد أن موقع دبي التجاري العالمي لن يكتمل إلا إن استكمل حلقة التجارة البحرية مع حركة طيران قوية، فبدأ يفكر في إنشاء أول مطار دولي لدبي بعد أن كانت الطائرات تنزل في مياه خور دبي لسنوات طويلة منذ العام 1936 وحتى العام 1947، حيث منعت المنظمة الدولية للطيران المدني استخدام المهابط المالية نظراً لخطورتها على السلامة، بدأ الشيخ راشد عام 1955 المفاوضات مع الحكومة البريطانية وشركات الطيران لإنشاء مطار في دبي ولكنه لم يلق منهم سوى المماطلة والتسويف لمدة عامين كاملين. لم يفقد الشيخ راشد الأمل، واستمرت النقاشات والمفاوضات إلى أن حل عام 1958، فعقد الشيخ راشد العزم على خوض المعركة النهائية، وضغط على المعتمد البريطاني مهدداً بأنه إن لم تكن الشركات البريطانية قادرة على بناء مطار دبي، فهناك جهات أخرى قادرة على ذلك، بدا أن البريطانيين استجابوا، وقاموا بالمسوحات وتم اختيار موقع المطار في ديرة وتنفيذ 5 عمليات هبوط تجريبية.



وعلى الرغم من التردد الذي استشعره الشيخ راشد لدى البريطانيين إلا أنه رصد نصف ميزانية دبي في العام 1958-1959 لمشروع المطار إلى جانب مشروع تطوير الخور، وهما المشروعان اللذان يعتبران أساس حركة التنمية في دبي.




كان عازماً على البدء في المشروع في ذلك العام مهما كانت الظروف، صدق حدس الشيخ راشد، واستمرت العرقلة البريطانية، وما إن أيقن الشيخ راشد أن المفاوضات والتأجيلات قد وصلت إلى طريق مسدود، حتى قرر تجاوز المعتمد البريطاني، وسافرنا إلى بريطانيا للتفاوض مع الحكومة مباشرة، ولم نعد حتى حصل والدي على مبتغاه، وبمجرد عودتنا، خاطبتنا وزارة الخارجية البريطانية مباشرة لإبلاغنا رسمياً بعدم ممانعتها لإقامة مطار في دبي.



وهكذا، بدأ العمل على المطار في 10 سبتمبر، 1959 وكان الشيخ راشد يشرف بنفسه على أدق تفاصيل سير العمل، ويتخذ القرارات اللازمة لتسريع إنجاز العمل، ومراقبة التكاليف وضبطها، وفي مايو 1960 اكتمل العمل على المشروع. وبدأت التجارب الأولية التي شارك فيها بنفسه، إلى أن تم افتتاح المطار في سبتمبر 1960. نعم، سنة واحدة بالضبط هي كل ما كان يحتاجه الشيخ راشد، رحمه الله، لإنشاء أول مطار دولي في دبي.



كل منا لديه خيار أمام التحديات والأزمات إما أن يغليه الغضب واليأس ويستسلم للسلبية والانهزام، وإما أن يتحلى بالإيمان والثقة، ويتسلح بالمثابرة والحنكة، وعينه دوماً على مبتغاه.




حتى بعد تحقيق هدفه، لم يهدأ فكر الشيخ راشد، فقد كان مشغولاً بإنشاء مدرج معبد من الإسفلت، بدأ العمل عليه عام 1963. بجهد كبير، ومتابعة يومية من الشيخ راشد، تم إنجاز المدرج عام 1965، ومع افتتاح المدرج ونزول أول طائرة نفاثة من طيران الشرق الأوسط والخطوط الجوية الكويتية، استمر الشيخ راشد بالإمكانات المتواضعة المتحصلة من الحركة الجوية البسيطة في بناء أحد أحلامه، حيث بدأ العمل فوراً على إنجاز مبنى المغادرين افتتحه عام 1966.



                ثم أمر، رحمه الله، بعد الافتتاح بإعداد مشروع المطار عالمي يتناسب مع متطلبات الشركات الدولية لأن الشيخ راشد رأى أن مستقبل الطيران يتسارع، والتأجيل ليس في مصلحة دبي. وبدأ العمل عام 1969 ليتم افتتاح المطار الجديد في الطوابق الثلاثة عام 1971، ثم توالت التوسعات ولم يتوقف الشيخ راشد حتى وضع البنية التحتية اللازمة لجعل دبي مركزاً جديداً لحركة الطيران العالمية.



القائد الإيجابي لا يستسلم لظروفه، بل يستخرج منها أفضل ما يمكن لبناء مستقبل جديد لأبناء شعبه، القائد الإيجابي ينظر بطريقة إيجابية وإبداعية وبناءة لكل أزمة، لأن الأزمات هي قدر الإنسان والناجح من تعامل مع قدره.



وبالمناسبة فإن المنظمة الدولية للطيران الدولي التي تسببت في العام 1947 بإيقاف حركة الطيران المائي في دبي نظراً لحظرها المهابط المالية بسبب إجراءات واحتياطات السلامة للركاب هي التي احتفلنا معها عام 2015 بحصولنا على التقدير الأعلى عالمياً وتاريخياً في معايير سلامة الطيران في مطاراتنا لتكون منظومة الطيران لدينا الأكثر أمناً وسلامة في تاريخ الطيران اَلمدني اَلعالمي.



الإيجابية تجعل القائد ومتخذ القرار يواجه الأزمات بثبات ويقين وإيمان، وأيضاً بتفاؤل وإبداع. الإيجابية تجعل القائد يستخدم الأزمة لتطوير نفسه وتطوير قدرات فريقه والإبحار في مجالات جديدة واستكشاف فرص فريدة. طبق ذلك حتى على المستوى الشخصي وستجد نتائج مختلفة، وإنجاز أكبر وحياة أفضل بإذن الله.


(القائد الإيجابي لا ينظر للأزمة على أنها نهاية العالم بل بداية عالم جديد من الإبداع والإنجاز).

(في كل أزمة فرصة، ومع كل محنة منحة، وأزمات اليوم
هي قصص الغد).

(الأزمات هي قدر الإنسان. والناجح من تعامل مع قدره بإيجابية).



(الإيجابية تجعل القائد يستخدم الأزمة لتطوير نفسه وتطوير قدرات فريقه والإبحار في مجالات جديدة واستكشاف فرص فريدة).



(القائد الإيجابي لا يستسلم لظروفه بل يستخرج منها أفضل ما يمكن لبناء مستقبل جديد لأبناء شعبه).

13. صناعة الحظ


قرأت مقالة في إحدى الصحف الأجنبية من دبي، تحدث فيها الكاتب عن "ابتسام الحظ" مرة أخرى لدبي، وعودة الزخم الاقتصادي والاستثماري إلى سابق عهده.



التقيت قبل فترة إحدى بناتي المواطنات في أحد المراكز التجارية، فسألتها عن عملها ووظيفتها. فقالت: "ما لي حظ في الوظائف المميزة، أعمل في وظيفة بسيطة في كذا وكذا"، وسمت وظيفتها.



تلقيت رسالة على بريدي من أحد الشباب يريد مساعدة في ديون تراكمت عليه، فوجهنا بعمل اللازم. ولكن لاحظت في رسالته قوله إنه "جرب نفسه في مشروع تجاري ولكن لم يحالفه الحظ".



أسمع بشكل يومي تقريباً، بشكل مباشر أو غير مباشر عن "الحظ"، وأرى أيضاً أناساً يتعلقون به ويغرمون بالمقامرة من أجله، وبعضهم يقضي سنوات من عمره انتظاراً لابتسامة مشفقة من هذا الشيء الذي يسمونه حظاً.




كثيرون ينتظرون تغير الظروف، وتبدل الأحوال، وتحسن الأجواء، حتى يحققوا النجاح في حياتهم، ينتظرون الحظ ليزورهم، ينتظرون الفرصة المناسبة، والوقت المناسب، والشخص المناسب الذي سيحقق لهم أحلامهم وطموحاتهم ويغير لهم حياتهم!




الإنسان الإيجابي نظرته مختلفة للحظ، هو لا ينتظر الحظ بل يصنعه، لا ينتظر ابتسامة الحظ له، بل يبتسم هو للحياة ويسعى منطلقاً خلف أحلامه وطموحاته، يعرف الإنسان الإيجابي أنه سيلاقي الحظ والفرص والنجاح عندما ينطلق بأقصى طاقته خلف أحلامه وطموحاته، عندما يبدأ يومه مبكراً، عندما يضع خطة لنفسه ويبدأ العمل عليها دون تسويف أو تأجيل، يعرف الإنسان الإيجابي أن الحظ لا يصنع الرجال بل الرجال هم الذين يصنعون الحظ.



يقولون إن دبي ابتسم لها الحظ، وتهيأت لها الظروف، وتغيرت الأحوال لمصلحتها، وأنا أقول، عندما يريدون التقليل من مجهوداتك فإنهم ينسبون نجاحك للحظ.



دولة الإمارات ودبي قصة مليئة بالعمل والجد والاجتهاد والكفاح ومقاومة أقسى الظروف، بيوتنا كانت بلا ماء أو كهرباء قبل عقود قليلة، وشوارعنا كانت عبارة عن طرق ترابية تغطيها كثبان تحركها الرياح، ومدارسنا عبارة عن كتاتيب تحت الشجر والعريش، وميناؤنا كان مرسى صغيراً في خور مياهه ضحلة، وحتى مطارنا الصغير كان عبارة عن مدرج ترابي حتى بداية الستينات. هل بنت دبي والإمارات نفسها صدفة؟ هل حدثت معجزة وتغيرت الأمور فجأة، أم كانت هنالك تضحيات ومجهودات وأعمار أفنيت، ورجال بذلوا أنفسهم من أجل هذا البناء؟


كي أجيب عن هذا التساؤل، دعوني أحكي لكم يوماً في حياة مؤسس دبي الحديثة الشيخ راشد، رحمه الله. 


كان يبدأ يومه مع خيوط الفجر الأولى، يتوضأ ثم يصلي ويذكر ربه، وينطلق في شوارع المدينة وأزقتها حتى قبل أن يتناول طعام إفطاره، عندما كان الناس نياماً كان هو مستيقظاً يشاهد العمال مع خيوط الصبح الأولى ينطلقون نحو أعمالهم، يشاهد مدينة دبي، كيف تستيقظ وكيف تبدأ يومها، وكيف تبدأ الحركة في أرجائها.



كانت ساعات الصباح الأولى ساعات فكر وتخطيط وصفاء. وكثيراً ما شاهده الناس يمشي بينهم ويسألهم عن أحوالهم وأعمالهم حتى قبل أن يستيقظ كبار الموظفين والمسؤولين والتجار، ثم كانت له جلسة صباحية في أول النهار على مقاعد خشبية أمام مجلس زعبيل ليناقش ما شاهده في جولته بعد الفجر مع المعنيين ومدراء المشاريع، لم يكن ينتظر التقارير، بل كان يطلع عليها مباشرة من واقع الناس.



كان، رحمه الله، يرجع لبيته في الثامنة لتناول فطوره الذي كان بسيطاً كشخصية ذلك القائد العظيم كان تمراً وحليباً وما تيسر من أصناف أخرى، ثم يتوجه إلى مكتبه ويقضي نهاره في التخطيط للمشاريع الجديدة واعتماد الموافقات القائمة، واستقبال الوفود من التجار أو المواطنين، أو وفود الشركات الأجنبية أو غيرها، حتى إذا جاء الظهر أمر بالغداء ثم أخذ قيلولة لا تتعدى الساعة.



قبل أن ينطلق عصراً لتفقد المشاريع ومتابعة العمل مع المقاولين بنفسه، حتى إن كثيراً من الشركات كانت تلقبه بالمهندس أو "الفورمن" -كبير العمال- لكثرة تواجده معهم ومتابعته اليومية لحجم الإنجاز في جميع المشاريع، كما كانت له، رحمه الله، جلسة أخرى في الفترة المسائيية.



                يقولون إن دبي ابتسم لها الحظ. وأنا أقول: عندما يريدون التقليل من نجاحك، فإنهم ينسبنوها للحظ.،
دبي لم تبن بالحظ أو بالمصادفة، بل بنيت بسهر الليل وبعمل النهار، بنيت بجهود رجال لم ينتظروا الظروف أن تتحسن، بل طوّعوا الظروف لخدمة طموحاتهم، لم ينتظروا الأحوال أن تتبدل، بل آمنوا بأنهم يستطيعون تبديل أحوالهم للأفضل.



لو انتظرت دبي ابتسام الحظ لها، كما تقول بعض الصحف والمقالات الإعلامية، لما وصلنا إلى عُشر ما نحن فيه.


انتقالنا من مطار صغير بمدرج ترابي عام 1960 ليكون مطارنا الأكثر إشغالاً بالمسافرين الدوليين على مستوى العالم عام 2014 ليس ضربة حظ. انتقالنا من مرسى صغير على خور دبي لتكون موانئنا بين الأكبر عالمياً، ولتدير شركتنا الحكومية للموانئ أكثر من 66 ميناء حول العالم ليس أيضاً ضربة حظ.
                انتقالنا من شوارع عبارة عن طرق ترابية كونتها السيارات في الكثبان الرملية لتكون الدولة الأكثر جودة في بنيتها التحتية على مستوى العالم بشهادة أكبر.


نحن لم نوجد مصادفة، ولم تخلقنا الظروف المحيطة بنا، نحن صنعنا ظروفنا وصنعنا نجاحنا، ولا أقولها تفاخراً أو رداً على مقالات إعلامية، بل أقولها لتستمر أجيالنا بنفس الروح وبنفس الإصرار وبنفس العزيمة في هذا الطريق، أكبر حظاً حصلنا عليه هي الروح القتالية وروح التحدي التي تسري فيناء أقول للشباب وللأجيال، إذا كنا إيجابيين فلا بد أن نغير نظرتنا لمفهوم الحظ.
الإنجازات والنجاحات ليست ضربة حظ، بل جد واجتهاد واستعداد وإيمان. وأقول لشبابنا السماء لا تمطر ذهباً والأرض لا تخفي لكم كنوزاً والفرص لا تنتظر من يستيقظون متأخراً، أقول لشبابنا حظكم الحقيقي ليس ما تحصلون عليه من مكافآت بل ما أعطاكم الله من مواهب وقدرات وطاقات وإمكانات. أقول للشباب وللأجيال: إذا كنا إيجابيين فلا بد أن نغير نظرتنا لمفهوم الحظ.


(الإنجازات والنجاحات ليست ضربة حظ، بل جد واجتهاد واستعداد وإيمان).

(أكبر حظاً حصلنا عليه هي الروح القتالية وروح التحدي التي تسري فينا).

14. هادم المعنويات



قبل فترة كنت في زيارة لإحدى المؤسسات الحكومية للاطلاع على بعض المشاريع واعتماد خططها التطويرية الجديدة، وأثناء خروجي صافحت بعض الموظفين وتحدثت معهم، ثم توجهت لسيارتي فلحقت بي إحدى الموظفات وسلمتني رسالة في يدي، فشكرتها ووعدتها بقراءتها، فتحت الرسالة بعد تحرك السيارة فإذا هي شكوى مكتوبة بخط اليد باستعجال، ورغم وجود أنظمة معتمدة للشكاوى عندنا في الحكومة تقوم عليها جهات محايدة إلا أن هذه الموظفة فضلت أن تكتب لي شكواها غير الاعتيادية في هذه الرسالة.




لم تكن شكوى الموظفة حول حق لم تأخذه، أو حول ظلم تعرضت له، أو حول مضايقات أو مخالفات أو أي شيء يمكنني اتخاذ قرار سريع فيه. كانت شكواها حول المعنويات، حول القوانين غير المكتوبة، والممارسات غير المرسومة، لم تكن شكواها حول اللوائح المعتمدة في بيئة العمل، بل حول روح هذه اللوائح والهدف الذي وضعت من أجله، وهنا تكمن صعوبة اتخاذ قرارات تحسينية أو تطويرية من قبل سلطات حكومية أعلى. لا يمكن إصدار توجيهات مباشرة لعلاج الكثير من الخلل الذي يمكن أن يحدث في بيئة العمل، لأن هذا الخلل ببساطة لا يشكل مخالفة قانونية.



أكبر نجاح لأي قائد ليست صناعة الإنجازات، بل صناعة الإنسان.



                تحدثت الموظفة عن مديرها المباشر الذي لا يعطيها فرصة لإبراز طاقاتها. وتحدثت عن رفضه للكثير من المقترحات التي تقدمها، وعن تركيزه الدائم على أخطاء فريقه وتحميلهم اللوم بشكل مستمر. وتحدثت عن قناعتها بأن نموها الوظيفي والمهاري توقف في الإدارة التي تعمل فيها، وعن تفضيل المدير لمن ينقل إليه أخبار الموظفين، وأن معنوياتها في هذا المكان وصلت لأقل مستوياتها، وبشكل عام قالت إنها لا تحب مديرها!


ماذا يمكن أن تفعل لتعاقب مديراً غير محبوبا قانونياً؟ لا شيء، خاصة إذا كان هذا المدير يؤدي واجبه ومهامه بالشكل المطلوب منهلا توجد في قوانيننا أو لوائحنا عقوبة لهدم معنويات فريق العمل. لا توجد سياسة إرشادية للتعامل مع المدير "هادم المعنويات"، وقاتل الطموحات، ومهدر الطاقات، ولعلها فرصة هنا للحديث حول هذا الموضوع المهم.




                لعلي أستغل هذا الكتاب لإيصال بعض الرسائل التي لا يمكننا إيصالها بالطرق الرسمية أو تغيير بعض السلوكيات التي لا يمكن أن تغيرها اللوائح التنفيذية. أنا أؤمن أن التغيير بالإقناع والحجة والبرهان أكبر تأثيراً وأعمق أثراً من التوجيهات الرسمية والمخاطبات الجافة. هدفي في هذا الكتاب تغيير نظرتنا لكثير من الأمور التي نعايشها بشكل يومي لتكون نظرة إيجابية تسهم في خلق بيئة أفضل ومجتمع أفضل ومستقبل أفضل.




 أولاً، أهم سنة في الحياة هي سنة التطور والتغيير. الحياة خلقت لتتطور، والإنسان خلق لينمو ويكبر ويتطور. عندما نحد من فرص النمو والتطور لموظفينا فنحن نعاكس هذا القانون الكوني المهم. أهم ما يبحث عنه الإنسان في الحياة بعد احتياجاته الأساسية هو فرصة للنمو والتطور وأن تكون له قيمة حقيقية، فلا تحرم موظفيك من هذا الشيء، هل يمكنك أن تتخيل غابة لا تنمو أشجارها أو بستاناً لا تنمو أزهاره؟ كذلك لا يمكن أن توجد مؤسسة قوية لا ينمو أفرادها. نجاحها سيكون مؤقتاً، ونتائجها ستكون على المدى القريب فقط.




إذا أردت أن تنمو كقائد لمؤسسة خرّج قادة آخرين، واعلم أن أكبر إنجاز لأي قائد ليس صناعة الإنجازات، بل صناعة الإنسان. لذلك تجد في كل خطابات مؤسسي دولتنا، رحمهم الله، أن أهم أولوياتهم كانت بناء الإنسان، وانظر اليوم بنفسلك إلى نتائج عملهم.



امنح موظفيك مساحة للنمو، ووفر لهم بيئة تساعدهم على التطور، واغرس فيهم الثقة بقدراتهم وإمكاناتهم، وامنحهم المجال لاختبار أفكارهم ومبادراتهم.



ثانياً الفاسد والمدير الإيجابي هو الذي ينظر إلى جوانب التميز في موظفيه ويحاول تعزيزها وتعظيمها، وليس العكس بأن يعظم الأخطاء والسلبيات، لا يوجد موظف كامل، ولكن يوجد موظف متميز بنسبة 60- 70%، ووظيفتنا أن نرفع هذه النسبة، لا أن نركز على الأخطاء والجوانب السلبية التي قد لا تتعدى نسبتها 10، وبالتالي تزعزع ثقة الموظفين بأنفسهم.



أنا أعرف أن هنالك بعض الناس المتخصصين في نقل الأخبار السيئة والسلبية عن الموظفين للمدير، وشحنه عليهم، وتسميم الأجواء، هذا الفعل يهدم ولا يبني وهؤلاء هم النمامون الذين يعيشون على حساب هدم الآخرين دون أن يقدموا شيئاً جديداً وإنجازاً جديداً أو فكراً جديداً.




أحياناً تصلني أخبار أو شكاوى على بعض المسؤولين، وأنا أعرف فريق عملي حق المعرفة. تحقق في الموضوع. إذا لم يكن هناك سوء نية أو مخالفات قانونية، فكلنا نعمل ولا بد من أن نخطئ. وأكثر ما يهمنا هو الإخلاص في العمل والنية الطيبة.




ثالثاً أريد أن أقول لجميع المديرين والمسؤولين عامل موظفيك كما تحب أن يكونوا مع متعامليك أو أحب لموظفيك ما تحب لمتعامليك. إن أردت منهم الابتسامة للمتعاملين فلا بد أن تبدأ معهم يومك أيضاً. بابتسامة. لحظات الصباح الأولى أهم الأوقات بالنسبة للموظفين يمكنك أن تعطيهم دفعة معنوية كبيرة لبقية اليوم أو أن تدخل عليهم عابساً مقطباً جبينك فتتغير الطاقة في كل أرجاء المكان إلى طاقة سلبية، أثبتت الدراسات أهمية إسعاد الموظفين، حيث إن زيادة المشاعر الإيجابية لدى الموظفين بنسبة 10% تؤدي إلى ارتفاع إنتاجيتهم بمعدل 45%.


أسعد موظفيك ليسعدوا هم بدورهم المجتمع من حولهم، ارفع معنوياتهم باستمرار بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والثناء على إنجازاتهم حتى لو كانت صغيرة؛ وفاجئهم دائماً بتحديات جديدة، وتغييرات إيجابية مستمرة في مكان عملهم.
وأخيراً أقول، القائد الناجح هو الذي يستطيع أن يقود فريقه لاستكشاف مساحات جديدة وآفاق جديدة، القائد الإيجابي هو الذي ينظر لموظفيه على أنهم ثروة وقادة للغد، ولا بد أن يستثمر في هذا المستقبل، القائد الإيجابي هو الذي يستطيع أن يتحكم في الفرعون الصغير الذي بداخله، ويتواضع للناس، وينسب فضل النجاح دائماً لفريق عمله.

(هل يمكنك أن تتخيل غابة لا تنمو أشجارها؟ كذلك لا يمكن أن توجد مؤسسة قوية لا ينمو أفرادها).

(الإنسان خلق لينمو ويتطور،، عندما نحد من فرص النمو لموظفينا فنحن نعاكس هذا القانون الكوني المهم).

(القائد الإيجابي يستطيع أن يتحكم في الفرعون الصغير الذي بداخله ويتواضع للناس، وينسب النجاح لفريق عمله).

15. الحكومة الإيجابية

سعادة للمجتمعات


في فبراير عام 2013 وبعد حديث مطول أثناء القمة الحكومية عن مواضيع مختلفة ومتنوعة، أجبنا  خلالها عن العديد من الأسئلة التي تلقيناها من الجمهور ومن الإعلاميين، التقيت أحد الدبلوماسيين الأجانب بعد القمة بأيام عدة، وكانت بداية حديثه عن الحوار المطول الذي أجريته في القمة، وعلق تحديداً على حديثي المختصر عن الإيجابية وأهميتها في تطوير العمل والإدارة الحكومية.




1             كان في الحقيقة لديه تساؤل يحيره، حيث أشار إلى أن الحكومات بشكل عام تتسم بالعملية والحيادية في أداء مهامها وتطوير سياساتها وتشريعاتها ومشاريعها التي تمر في دورات إجرائية رسمية معتمدة لا مجال فيها لدخول المشاعر مثلاً أو المفاهيم النفسية مثل الإيجابية أو التفاؤل أو غيرها، وكان يريد إيضاحاً وتفسيراً أكبر حول هذا الموضوع، أجبته وقتها لكن لأهمية ذلك التساؤل أحببت أن أفرد فصلاً في هذا الكتاب عن هذا التساؤل تحديداً لأنه قد يخطر ببال العديد من المسؤولين الحكوميين وخاصة خارج دولة الإمارات.




نقول، والله  التوفيق، بأنه لا جدال أبداً بالعمل المؤسسي، سواء حكومياً كان أم خاصاً، لا بد أن يخضع لأنظمة ولوائح وإجراءات ومشاريع لا بد أن تخضع لدراسات علمية معمقة وواقعية وعملية، وفي الحقيقة نحن نستقبل سنوياً عشرات الوفود من الكثير من الدول والمؤسسات التي تريد، ويهمها بالدرجة الأولى، الاستفادة من أدلة عمل الحكومة عندنا، بل إن تقييمنا العالمي كحكومة في مجالات التنافسية مثلاً، أو سهولة ممارسة الأعمال أو الكفاءة المالية، يعتمد في الأساس أيضاً على الإجراءات الرسمية من حيث عددها وسهولتها وسرعة إنجازها.




لا شك أيضاً في أن العمليات التشريعية التي تقوم بها الحكومة أو عمليات رسم السياسات أو الخطط بعيدة المدى، تعتمد على مراحل عملية ودراسات علمية ومسوحات ميدانية، كل هذه العمليات جزء لا يتجزأ من العمل الحكومي وشرط أساسي من شروط نجاحه، ولكنها وحدها لا تكفي، إن قوة الإدارة الحكومية لا تعتمد فقط على قوة الإجراءات والأنظمة، ونجاح أي دولة لا يعتمد فقط على القوانين والتشريعات والخطط مهما كانت قوية، بل هنالك أيضاً جانب مهم جداً وهو الجانب القيمي والنفسي والأخلاقي والمعنوي عند تعامل الحكومات مع شعوبها.




الحكومة يعمل فيها بشر، وتعمل من أجل تطوير حياة البشر، وهدفها الأساسي سعادة هؤلاء البشر، وبالتالي لا بد أن تراعي الكثير من الأمور التي تكون خارج الأدلة الإجرائية واللوائح التنفيذية.




                لا بد أن تكون لدى القادة المرونة الكافية للتعامل مع جميع المتغيرات من حولهم. ولا بد أن يتحلى القائمون على المشاريع ليس فقط بالالتزام بالإجراءات المالية والإدارية، ولكن بالكثير من الإيجابية والتفاؤل والإصرار على النجاح حتى يحققوا كفاءة عالية في مشاريعهم، وهنا يأتي دور الإيجابية في تغيير نظرتنا للكثير مما حولنا، وإعطاء بعد إنساني للكثير من قراراتنا وأعمالنا،




مثلاً، لا ترى الحكومة الإيجابية في صياغة التشريعات واقتراح القوانين هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم. لذا إذا تعارض القانون مع مصلحة الناس فإنها تغيره، وعند صياغة أو اقتراح أي سياسة أو قانون لا تنظر الحكومة الإيجابية في نصوص القانون فقط، الحكومة تنظر قبل ذلك في حياة الناس، وحياة المتأثرين بهذا القانون، هل سيسهل حياتهم؟ هل سيساعدهم على تحقيق سعادتهم؟ هل سيحل مشاكلهم؟ بعض المسؤولين عندما يبدأون في صياغة القوانين ينظرون لأفضل الممارسات، نحن نقول لهم، انظروا لما يسهل الحياة، وهنالك فرق.




خذ مثالاً آخر، تضع الحكومات الكثير من الخطط والإستراتيجيات ولكن الحكومة الإيجابية هي في تغيير نظرتنا لما حولنا، الحكومة الإيجابية لا تنظر لهذه الخطط على أنها وثائق منقوشة في الحجر، بل هي وثائق لتحسين حياة البشر، وبالتالي لا بد أن تكون مرنة وقابلة للتعديل عند تغير أحوال هؤلاء البشر وتغير ظروفهم وحياتهم ومتطلباتهم.



أطلقنا في حكومة الإمارات قبل سنوات مبادرة ضخمة لتحويل كل الخدمات الحكومية لخدمات إلكترونية، وأنشأنا جهازاً خاصاً باسم "الحكومة الإلكترونية"، وألزمنا الجهات بوضع وتنفيذ خطط لتطبيق هذا التحول بشكل كامل، لكن، وخلال فترة بسيطة تغيرت حياة الناس، وأصبحت هواتفهم الذكية نافذتهم على العالم من حولهم ومصدراً أساسياً للمعلومات ووسيلة لتحسين كفاءة أعمالهم.




رصدنا هذا التغيير في مراحله الأولى، فغيرنا خططنا على الفور، حتى قبل أن تترسخ الحكومة الإلكترونية في جميع خدماتها، وأصبحت الأولوية هي الحكومة الذكية، وطلبت من الجميع تطوير خططهم وتحويل الخدمات الحكومية لخدمات ذكية، ووضعنا معايير لذلك وخطة إستراتيجية قصيرة ومتوسطة المدى، وغيرنا الجهاز الحكومي الذي استحدثناه من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية.




قد يعتقد البعض أنه من السهل تغيير توجهات وخطط حكومية رصدت لها ميزانيات وموارد بشرية، ووضعت لها إجراءات وسياسات وقوانين، هذا الأمر ليس سهلاً، لكنه من الضروري لأية حكومة أن تكون إيجابية في ما يتعلق بدورها في تسهيل حياة الناس ،ومواكبة المتغيرات في حياتهم وقراءة المستقبل بشكل دائم لتكون هي المبادرة وهي التي تقود التغيير.




الحكومة الإيجابية دائماً تنظر للأمور من زاوية مختلفة، وتنظر للتحديات التنموية التي تواجهها أيضاً بطريقة مختلفة، تنظر للزاوية التي لا يراها أغلب الناس، تنظر للسنوات التي يمكن أن تحتضنها من أي تحدّ.
من التحديات المستمرة لدينا في دولة الإمارات توفير الطاقة للنمو الاقتصادي، فهذه مسألة مهمة جداً وتحدٍّ رئيسٍ في أي تجربة تنموية لو فكرنا بطريقة إجرائية روتينية سنتجه لشراء المزيد من النفط والغاز لتلبية احتياجاتنا، بالإضافة إلى التوسيع المستمر في شبكاتنا الكهربائية. لكن تفكيرنا انصب حول الفرص الموجودة في مثل هذا التحدي، فاتجهنا اتجاهات عدة في وقت واحد.



أولها كانت الطاقة الشمسية، فبدأنا بتشييد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في المنطقة. الآن نتجه لإنتاج الطاقة أيضاً من المخلفات. وبدأت أبو ظبي في مشاريع الطاقة النووية، وبدأت أيضاً في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وشيدت مدينة مصدر، وبدأت تزود الدول الأخرى بالمعرفة التي لديها الآن في مجال تنويع مصادر الطاقة، ووضعنا معادلة جديدة لمزيج الطاقة في دولة الإمارات حيث ستصل نسبة الطاقة النظيفة بحلول 2050 إلى 50% من إجمالي مزيج الطاقة رغم أننا نصنف بأننا دولة بترولية. هذه المعادلة الجديدة ستحقق لنا وفراً في كلفة إنتاج الطاقة يصل إلى 700 مليار درهم في 2050. وهكذا، الحكومة الإيجابية نظرتها للتحديات تكون مختلفة.
الحكومة الإيجابية أيضاً تعود فرق العمل لديها دائماً على الطموح والتفوق وكسر المألوف، شارع الشيخ زايد، أحد أهم الشوارع ليس فقط في دبي بل في الشرق الأوسط، وهو خير مثال على هذه النقطة.




كانت الخطط في بداية توسعة شارع الشيخ زايد في التسعينات أن يكون حارتين، قلنا لهم نريد ست حارات، لأننا لا نريد شارعاً، نحن نريد مَعلماً. ووصلت الرسالة فتغيرت الخطط وتغير تفكير القائمين على المشروع بشكل كامل، واليوم شارع الشيخ زايد هو عصب الإمارة وأحد أهم أشهر الشوارع غربياً وعالمياً.



جاءوني بخطط ضخمة لتوسعة مطار دبي الدولي اعتمدتها لهم وأمرت بالبدء في دراسة مشروع مطار جديد في دبي أضخم من مطار دبي الدولي، قلت لهم: نحن لا نريد مطاراً لدبي، نحن نريد أن تكون دبي مطار للعالم. ووصلت الرسالة وجاءت المخططات ضخمة تضم مطاراً هو عبارة عن مدينة تضم مئات الأبراج والمباني، ويستوعب عند اكتماله أكثر من 200 مليون مسافر.




                هكذا هي الإيجابية وتأثيراتها عندما تغير نظرة أعضاء فريق العمل للمشروع الذي بين أيديهم تتغير خططهم وأفكارهم، وتتسع مخيلتهم ويفاجئونك بإبداعاتهم الإيجابية في نظرة الحكومة وعملها لها دور كبير في تحقيق النجاح الحقيقي الذي يريده الناس، الإيجابية تعطي الحكومات منظوراً مختلفاً لأعمالها وروحاً متجددة في أدائها، وإطاراًإنسانياً يحكم جميع قراراتها.

(بعض المسؤولين عندما يبدأون في صياغة القوانين ينظرون لأفضل الممارسات، نحن نقول لهم: انظروا لما يسهل الحياة وهناك فرق).

(الخطط ليست وثائق منقوشة في الحجر، بل هي وثائق لتحسين حياة البشر). 

(عندما تتغير نظرة فريق العمل للمشروع الذي بين أيديهم تتسع مخيلتهم ويفاجئونك بإبداعاتهم).

(نحن لا نريد مطاراً لدبي، نحن نريد أن تكون دبي مطاراً للعالم).

16. شكراً لكم

أيها الشعب


عنوان هذا الفصل ليس من كلامي، بل هو من كلام المؤسسين، طيب الله ثراه، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانت هذه كلمته الرئيسية عندما يلتقي جمعاً من الناس في محفل عام ولعل البعض سمعها عبر التلفاز مرات عديدة، "شكراً لكم أيها الشعب".



كان الشيخ زايد، رحمه الله، في الحقيقة هو من يستحق الشكر الجزيل لأنه سخر حياته لتأسيس دولة الاتحاد وتغيير حياة شعب كامل من ظروف قاسية وشديدة إلى حياة الرخاء والرفاهية خلال سنوات معدودة، ولكنه كان، رحمه الله، هو من يشكر الناس، وقبل ذلك كان دائماً ما يردد أننا لا بد أن نحمد الله ونشكره دائماً على نعمه وفضله علينا، وأن نؤدي حق الله فيها للحفاظ عليها.



                لماذا كان الشيخ زايد يشكر الشعب في كل مناسبة؟ لا أعرف الإجابة تحديداً، ولكن ما أعرفه أن الشكر والقيادة شيئان متلازمان، لا يوجد قائد لا يشكر الناس، ولا يجوز أن يكون قائداً من لا يشكر فريق عمله، و(لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، كما جاء في الحديث الشريف.



الشكر صفة أصيلة، ووصفة أساسية لتحقيق الرضا والسعادة، بل إن بعض الأبحاث الطبية أشارت إلى علاقة الشكر بتحفيز الطاقة الإيجابية للدماغ، ما يساعد الإنسان على الإبداع وعلى مزيد من الإنجاز، بالإضافة لتأثيرها في قوة مناعة الجسم، ولكن ما يهمني في هذا الفصل هو تطبيق مفهوم الشكر الإيجابي في بيئة العمل، وتعزيز التأثيرات الإيجابية لهذا المفهوم في المجتمعات والدول.



أولاً: لا بد من تغيير نظرتنا لموضوع الشكر في مؤسساتنا الإيجابية كما عرفناها هي في تغيير نظرتنا لكثير من الأمور والمفاهيم حولنا، الشكر ليس مسألة شخصية تتعلق بطبائع المسؤول وأخلاقه، بل لا بد أن تكون عملية مؤسسية واضحة، لها أدواتها ومقاييسها ومواردها ومواعيدها وفرق قائمة عليها.



                نستحدث بشكل مستمر أدوات ووسائل لشكر فرق عملنا كالجوائز والأوسمة والزيارات الشخصية لفرق العمل المنجزة، والتنويه الإعلامي بإنجازاتهم أمام المجتمع. كما أن من أدوات الشكر أيضاً منح الثقة والصلاحيات للموظفين، بالإضافة للترقيات وغيرها من المكافآت.
القائد الذي لا يمارس الشكر، هو قائد فقد الثقة بنفسه، لأن الشكر يتطلب شجاعة وقوة وثقة عالية. لا بد أن نتذكر دائماً أننا عندما لا نشكر أعضاء فرق العمل فإننا نرسل لهم رسالة واضحة نضمن من خلالها بأن إنجازهم القادم سيكون أقل من الحالي.



                ثانياً: القائد الإيجابي والناجح يشعر بالشكر والامتنان تجاه كل ما يمر به: يبدأ يومه وحياته بشكر الله، يبدأ صلاته بحمد الله، ومع كل لقمة أو شربة ماء يشكر الله، ومع إشراقة كل يوم يجدد شكره لله ولكل ما حوله، نشكر كل شيء، نشكر التجارب التي مررنا بها، نشكر التحديات التي تعلمنا منها، نشكر الظروف التي صنعتنا. نشكر الماضي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، ونشكر الحاضر على السعادة التي نشعر بها، ونشكر المستقبل لأنه يعطينا دافعاً للاستيقاظ كل صباح ونفوسنا مليئة بالتطلع والطموح والاندفاع والإبحار في آفاقه الروحية.



الشكر يفتح عيوننا على الكثير من الحقائق، ويجعلنا أقرب لإدراك الواقع ويعطينا دافعاً كبيراً للاستمرار بكل قوة.




القائد الشكور يرى الأمور على حقيقتها لأنه قائد غير مغرور، وهو قائد قوي لأنه يستطيع التحكم بمشاعر النجاح في وقت الإنجاز، ولا تعميه تلك المشاعر عن رؤية الأمور على حقيقتها، أو من رؤية فضل الآخرين وجهدهم في تلك الإنجازات، وكلما ازددت شكراً لمن حولك، ارتفع في نفوسهم قدرك ومكانتك.



ثالثاً: من المهم جداً تعميق مفهوم الشكر في الحياة الشخصية لفريق العمل الذي نعمل معه، عندما يتحلى كل أعضاء الفريق بهذه الصفة فتأكد أن طاقاتهم وإنجازاتهم ستكون أكبر بكثير.



في كل صباح تنفس بعمق، واشكر الله على هذا اليوم الجديد، والهدية الجديدة، واستمتع بالحياة دائماً، قل شكراً، قلها لربك قلها لنفسك قلها لجميع من حولك، لا بد أن يتجدد شكرنا مع إشراقة كل يوم لأن كل يوم هو هدية جديدة تستحق الشكر. في كثير من الأحيان، ننسى النعم التي نحن فيها، لأننا مشغولون بالنظر للنعم التي عند غيرنا.




وأخيراً أقول، لا بد أن يكون الشعب أيضا ًشكوراً، شكوراً لربه ولنعم الله عليه وفضله، شكوراً لظروفه، وشكوراً لنفسه وأيضاً شكوراً لقائده.
عندما تسود علاقة شكر متبادلة بين القيادة والشعب، تسود في المجتمع روح الخير والإيجابية والتماسك، والنتيجة تحقيق المزيد من الاستقرار والإنجاز والتفوق للجميع.

(نشكر التحديات التي تعلمنا منها. نشكر الظروف التي صنعتنا. ونشكر الماضي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه).

(لا يوجد قائد لا يشكر الناس، ولا يجوز أن يكون قائداً من لا يشكر فريق عمله).

(عندما يسود الشكر بين القيادة والشعب، تسود في المجتمع روح الخير والإيجابية والتماسك).

17. 200 مليون طاقة إيجابية


زارني قبل فترة ليست بالبعيدة أحد المسؤولين الغربيين، وبطبيعة الحال تطرقنا للأوضاع المتوترة -أو بالأصح المتفجرة في منطقتنا العربية. وتحدث ذلك المسؤول عن أهمية التعامل مع الأخطار التي تواجه المنطقة وبخاصة خطر الإرهاب، وأشاد بدور الإمارات ودعمها للجهود الدولية في هذا المجال، وبعد شكره، وبعد التأكيد أيضاً على استمرار جهودنا مع المجتمع الدولي في مكافحة هذه الآفة، ذكرت له أن التحدي الأكبر ليس ما تواجهه المنطقة اليوم، بل ما ستواجهه خلال العقود المقبلة، وأن الخطر الأكبر ليس في مجموعات متطرفة هنا وهناك بقدر الفكر الذي يحرك هذه المجموعات والذي ينتشر يوماً بعد يوم. قلت له إن أهم سلاح لمواجهة الإرهاب ليس الجيوش والعتاد والمدرعات والطائرات، بل هو الأمل.




لدينا 200 مليون شاب عربي، هم بين خيارين: أن يفقدوا الأمل بمستقبل أفضل، وحياة أفضل، ليصبحوا فريسة للفكر المتطرف ووقوداً للصراعات المذهبية والطائفية العرقية في منطقتنا، وأن يكون لديهم أمل حقيقي في المستقبل، وثقة كبيرة في حياة أفضل، وطاقة إيجابية لصنع بلد أفضل. لدينا خياران: إما 200 مليون شاب بطاقة إيجابية كبيرة يمكن أن يغيروا العالم للأفضل، أو 200 مليون شاب تتنازعهم قوى الإرهاب. انتهى كلامي معه.



لا بد من خلق أجواء إيجابية في عالمنا العربي، لا بد من تعزيز قيم الإيجابية والتسامح والتفاؤل بالمستقبل في عالمنا العربي حتى يستطيع الخروج من دائرة لا متناهية من الصراعات والتوترات التي لا يربح فيها أحد. لا بد من توجيه العقول والقلوب نحو صناعة الحياة وليس صناعة الموت، توجيهها نحو تعايش الحضارات وليس صراع الحضارات، نحو بناء المستقبل وليس التعلق بخلافات الماضي السحيق.



وبدأنا في الإمارات حراكاً لنشر هذه القيم والأفكار والميادين عبر تغيير هيكلي هو الأكبر في حكومتنا عينا فيه وزيراً للتسامح لترسيخ هذا المفهوم محلياً عربياً، ووزيراً للسعادة وزيرة شابة عمرها 22 عاماً للشباب، لنقل أفكارهم وتطلعاتهم وطموحاتهم.



                في استطلاع رأي للشباب العرب تجريه إحدى الشركات العالمية سنوياً، تأتي الإمارات دائماً كوجهة مفضلة أولى للعمل والحياة، حتى قيل للوجهات الغربية المعتادة لم نفعل شيئاً في الإمارات غير توفير البيئة الصحيحة والسليمة ليحقق الشباب أحلامهم وليلبوا طموحاتهم، لا أقول ذلك للتفاخر، بل أقول ذلك لأثبت أن هناك الكثير مما يمكن أن نفعله، وأن الأمل كبير في المستقبل.




أنا من المتفائلين دائماً، مهما كانت الظروف صعبة، وأنا من أنصار بث روح الإيجابية بشكل كبير في عالمنا العربي، نريد تغيير نظرة الشعوب لواقعنا. أنا لا أتحدث هنا عن إعطاء أمل كاذب ووهم للشعوب العربية. أنا هنا لأتحدث عن نظرة متوازنة للأمور، سؤالي هنا، هل حالنا اليوم كأمة عربية أفضل أم حالنا قبل خمسين سنة مثلاً؟ أو حتى قبل 25 سنة؟

خذ التعليم كمثال، كانت نسبة الأمية في العام 2005 في الوطن العربي 35%.  الآن هي 19% فقط، معدلات التعليم ارتفعت، لدينا مئات الملايين من الشباب العرب المتعلمين والجاهزين للعمل والإنتاج، لماذا لا نتفاءل؟ لدينا التكنولوجيا التي لم تكن موجودة من قبل، وأصبحت المعرفة اليوم في متناول الجميع عبر الشبكات الإلكترونية، لماذا لا نتفاءل؟ اقتصادياً، الناتج الإجمالي للدول العربية تضاعف خمس مرات بين 1980  و2010، خمس مرات في ثلاثين عاماً حسب البنك الدولي، هناك تطور اقتصادي، لماذا لا نتفاءل؟


                دخل الفرد بين 2004 و2011 في العالم العربي ارتفع 100%، أي خلال سبع سنوات زاد بمعدل الضعف، وذلك أيضاً حسب البنك الدولي، لماذا لا نتفاءل؟


الأمراض السائدة في السابق كالملاريا وشلل الأطفال وغيرهما من الأمراض الوبائية انتهت، في مجال الصحة، نحن أفضل من قبل، لماذا لا نتفاءل؟ كانت الدول العربية سابقاً تقريباً كلها مستعمرة الآن كلها تقريباً حرة، لماذا لا نتفاءل؟


                كان التنقل بيننا صعباً جداً قبل عشرات السنين، لم توجد طرق وموانئ ومطارات. كنا نحتاج شهراً كاملاً للذهاب للحج، اليوم نستطيع أن نفطر في دبي ونتغدى في القاهرة، ونتعشى في الرباط، لماذا لا نتفاءل؟
كانت الأسواق بالنسبة للتجار هي أسواقهم المحلية المحدودة، اليوم العالم كله سوق للجميع، وانظروا لشركات الطيران الإماراتية مثلاً، لماذا لا نتفاءل؟


الحياة أصبحت أسهل وأسرع والفرص أصبحت أكثر وأكبر. لماذا لا نتفاءل؟


أنا متفائل لأن لدينا طاقات كبيرة وشعوباً متعطشة للتطوير والعمل والإنتاج والاستقرار.



البشر هم البشر في منطقتنا، الإنسان والإنسان نفسه الذي بنى الحضارات وأسس الثقافات وابتكر الاختراعات سابقاً، ولكن الذي تغير القيادات. أزمتنا الرئيسة في الإدارة الحكومية العربية، وكررت هذا الكلام قبل أكثر من 15 سنة، لدينا موارد عظيمة من كل الثروات، ولكن لدينا إدارة عربية ضعيفة، سوء إدارة في الاقتصاد وسوء إدارة في السياسة، وسوء إدارة حتى في الرياضة، هناك قادة أخذوا شعوبهم للفضاء وقادة أرجعوا شعوبهم 50 عاماً للوراء هنالك قادة ارتقوا بشعوبهم لينافسوا العالم في جميع المجالات، وقادة جعلوا شعوبهم يتنافسون ويتصارعون، بل ويتقاتلون، حول من كان أحق بالسلطة قبل 14 قرناً.



الشباب اليوم بحاجة لنماذج من قادة ناجحين، يزرعون فيهم الأمل، ويوفرون لهم الفرص، وإلا سينجرفون خلف التعصب، والتطرف والإرهاب.



ما زلت متفائلاً بعالمنا العربي لأن أغلب المؤشرات التاريخية تقول إنه يحاول النهوض. ولكن نحتاج فقط إلى إصلاح الإدارة العربية لتنطلق بقوة وتنافس العالم.

(لا بد من تعزيز قيم الإيجابية والتفاؤل في عالمنا العربي حتى يستطيع الخروج من دائرة لا متناهية من الصراعات والتوترات التي لا يربح فيها أحد).


(الشباب العرب قادرون على تغيير الواقع للأفضل، الشباب الذين بنى أجدادهم إحدى أعظم الحضارات قادرون بكل تأكيد على إعادة البناء وتغيير الواقع بل ومنافسة العالم. شباب العرب تواقون ومبدعون وقادرون متى ما توفرت لهم الفرص والبيئة الصحيحة.

(الشباب الذين بنى أجدادهم إحدى أعظم الحضارات قادرون بكل تأكيد على إعادة البناء وتغيير الواقع بل ومنافسة العالم).

(هناك قادة أخذوا شعوبهم للفضاء، وقادة أرجعوا شعوبهم 50 عاماً للوراء).

18. الإيجابيون العظماء


هل الإيجابية مفهوم جديد في علم الإدارة والقيادة والسياسة؟ أم هي مفهوم له جذوره وامتداداته التاريخية؟ إجابتي باختصار هي أن القادة العظماء هم قادة إيجابيون بطريقة أو بأخرى، بصرف النظر عن المصدر الذي وجدوا فيه، هم قادة ينظرون للأمور بطريقة مختلفة ومتفردة ممن عاصروهم ونظرتهم هذه هي مصدر الإلهام لمن حولهم، وهي أيضاً المحرك لتغيير أفكار الأجيال التي عاصرتهم وحتى تلك التي جاءت بعدهم، إيمانهم العميق بنظرتهم الإيجابية للحياة وتفرد رؤاهم أعطت أفكارهم هذه القوة، قوة البقاء والاستمرار.


وليس هناك ما هو أعظم إيجابية من ديننا الإسلامي، ولا يوجد قائد تتمثل فيه كل نواحي القيادة الإيجابية أكثر من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.




انظر لإيجابية نظرته للمستقبل ويقينه العظيم بالنصر، نتعلم الكثير كل يوم من قيادة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، من إعطائه الصلاحيات لمن حوله والثقة الكبيرة في جيل الشباب، وإشاعة روح المحبة والأخوة العميقة فيمن حوله -فريق عمله- ونظرته للمخالفين لدينه ورحمته بهم لأنه أرسل رحمة للعالمين. لم تكن نظرته نظرة انتقام أو رغبة في الانتصار بأي ثمن بل كانت رغبة في نشر الخير والرحمة للجميع.




                ومثال آخر من تاريخنا الإسلامي لقائد كانت أيضاً له نظرة إيجابية ومتفردة أيضاً، وهو الخليفة المأمون. كانت للمأمون نظرة مختلفة في كيفية البناء الحضاري لدولته، وكانت أيضاً له نظرة إيجابية وغير تقليدية لإنجازات الحضارات الأخرى من حوله، لم تكن نظرته قائمة على الخوف من تلك الإنجازات، بل التعرف عليها، والاستفادة منها والبناء عليها، ولنتذكر دائماً أن الإيجابية هي في تغيير نظرتنا للأمور من حولنا. نظر المأمون لغيره من الحضارات والدول على أنها مصدر التعلم ومصدر التطوير للحضارة الإسلامية. نظر المأمون للحضارات الأخرى نظرة تسامح، وهذه إحدى أهم الصفات التي نحتاج إليها في عالمنا العربي فأخذ من علومهم، واستقبل علماءهم، وترجم كتبهم، ووضع الجوائز لأصحاب الفكر وأصحاب العلم منهم، وشهد بيت الحكمة في بغداد في عهده نشاطاً فكرياً عظيماً، حيث استضاف فيه العلماء والباحثين من جميع الحضارات والأديان واللغات. وكان يخصص رواتب مجزية يدفعها للعلماء والمترجمين والفلكيين في بيت الحكمة، إلى جانب تكاليف الحبر والورق والتجليد، ويقال إنه كان يعطي بعض المترجمين وزن الكتب التي يترجمونها ذهبا، حتى أصبحت بغداد منارة للحضارة، واستفادت البشرية كلها من الحضارة الإسلامية، وخرجت مئات الاختراعات والإضافات في كل مجالات العلوم، وتطورت البلاد لأنه غير نظرته للحضارات الأخرى من نظرة سلبية إلى نظرة إيجابية.



هكذا هم القادة العظماء يحملون رؤية متفردة وإيجابية ومتفائلة لما يدور حولهم. لذلك لا ينساهم التاريخ.



ولنأخذ قائداً من عصرنا الحديث، لننظر إلى نيلسون مانديلا الذي دخل التاريخ لأن نظرته كانت مختلفة، وكانت إيجابية عندما خرج مانديلا من السجن وحكم بلاده لم يبدأ في الانتقام ولم ينصب أعواد المشانق لأعدائه الذين قتلوا أبناء شعبه، بل نظر نظرة السامع لأبناء بلده، ودعا إلى الوحدة وإلى التعاون، وإلى بناء الوطن وإلى بناء المستقبل، نظر إلى الأمام بتفاؤل بدلاً من أن ينظر إلى الخلف بالحقد، فأحبه الناس في أنحاء الأرض كافة، وأعطى دروساً لكل العالم في كيفية توحيد أي بلد يعاني صراعات عرقية أو دينية أو سياسية، ولنا في ذلك نحن العرب عبرة لمن يعتبر.



القادة الإيجابيون العظماء هم الذين يحملون أهدافاً عظيمة وينفذونها بطريقة إيجابية تعود بالخير عليهم وعلى مجتمعهم، هم قادة لديهم أفكار مميزة متفردة، أفكار لها حياة قائمة بذاتها لأنها أفكار إيجابية وفطرة الإنسان أن يكون إيجابياً.



مانديلا أعطى دروساً لكل العالم في كيفية توحيد أي بلد يعاني صراعات عرقية أو دينية أو سياسية. ولنا في ذلك نحن العرب عبرة لمن يعتبر.


                هكذا هم القادة العظماء، لهم نظرة مختلفة للأمور، فخلدهم التاريخ في سجل القادة الإيجابيين.



انظر مثلاً إلى القائد الهندي العظيم المهاتما غاندي الذي كانت له غاية عظيمة وهي تحرير بلده من الاستعمار، ولكنه كان يفكر بطريقة غير تقليدية وإيجابية، ألهم غاندي العالم أجمع بطريقته في مقاومة الاستعمار، عن طريق حملات المقاومة السلمية والعصيان المدني وحملات المقاطعة الاقتصادية للمستعمر.



لا يوجد قائد في التاريخ أعظم تأثيراً من غاندي عندما يتعلق الأمر بأفكار المقاومة غير العنيفة. حقن غاندي بنظرته الإيجابية دماء أبناء بلده وحقق حلمه بتحرير وطنه من أكبر قوة عظمى في ذلك الوقت. وأحسب أن قادة مثل مانديلا في جنوب أفريقيا، ومارتن لوثر كينج في أمريكا، استلهموا أفكارهم من هذا القائد العظيم.




هكذا هم القادة العظماء لهم نظرة مختلفة للأمور، فخلدهم التاريخ في سجل القادة الإيجابيين، التاريخ خلد أيضاً قادة عظماء لكن في سجل القادة السلبيين، قادة كانت نظراتهم التي حكموا من خلالها نظرة سلبية ملومة بالحقد والكراهية.




                انظر لقائد مثل أدولف هتلر، حيث لا يختلف اثنان على قدرته على حشد الجهود وتوجيه الطاقات وإلهاب حماسة الجموع عبر خطبه وأعلامه، لكن نظرته المليئة بالحقد والكراهية، وخاصة بعد هزيمة ألمانيا في الحروب العالمية الأولى. أضف لذلك نظرته العنصرية لغير عرقه من الأعراق البشرية جعلته قائداً سلبياً بامتياز، قاد هتلر بعد عام 1933 أعظم ثورة تصنيعية وعسكرية شهدها العالم بفضل حنكته وقدرته على تحريك الشعب الألماني، ثم قاد غزواً سريعاً على 10 دول بفضل إستراتيجياته العسكرية السريعة والذكية أيضاً. وتسبب هتلر بسبب نظرته المشوهة وطموحاته المجنونة والعنيفة في حرب راح ضحيتها أكثر من 600 مليون إنسان بمن فيهم 4 ملايين من أبناء شعبه. وانتهى به الأمر منتحراً ومسجلاً اسمه في قائمة أسوأ القادة التاريخيين وأكثرهم سلبية.
القائد الإيجابي العظيم هو القائد الذي يحمل بداخله الخير للناس جميعاً، ويعمل على تحقيق هذا الخير بأفضل الطرق وأكثرها خيراً.

(إيمان القادة العظماء بنظرتهم الإيجابية للحياة، وتفرد رؤاهم أعطت أفكارهم قوة البقاء والاستمرار).

(القادة العظماء لديهم أفكار لا لها حياة قائمة بذاتها لأنها أفكار إيجابية، وفطرة الإنسان أن يكون إيجابياً).

(القائد الإيجابي العظيم يحمل بداخله الخير للناس جميعاً ويعمل على تحقيق هذا الخير بأفضل الطرق).

19. رسالة التسامح


ما زالت ذكرياتي عن مجلس والدي الشيخ راشد، رحمه الله، منذ أكثر من أربعة عقود حاضرة في ذهني اليوم ذكرياتي عن شكل المجلس وطبيعة رواده، كان المجلس يضم المواطنين صغيرهم وكبيرهم حاضرهم وباديهم. مواطنين من قبائل مختلفة ومن مذاهب وطوائف ومن أصول وأعراق مختلفة أيضاً، لكنهم جميعاً مواطنون أمام راشد. لهم جميعاً القدر ذاته من الاحترام والتقدير والحقوق والواجبات، وحتى الهبات، وكان أقربهم من راشد مجلساً أكثرهم خدمة وعملاً وتأثيراً في مجاله. ولم يكن المقيمون الذين يحضرون مجلس راشد بأقل من مواطنيه.. مقيمون من مختلف الديانات والجنسيات والثقافات، احتضنتهم مجلس راشد، واحتضنتهم دبي، فقابلوا ذلك بمحبة وعرفان وولاء نعرفه فيهم وفي أبنائهم حتى اليوم.



وبعد الاتحاد عرفت زايد، طيب الله ثراه، عن قرب، ونشأت بيني وبينه علاقة الابن بأبيه، والطالب بمعلمه. عرفت مجلسه، وعرفت أخلاقه، وعرفت تقديره للناس، مجلسه كان مدرسة وحديثه كان مدرسة وتعامله مع الناس مدرسة.



زايد استضاف الجميع في مجلسه على اختلاف أصولهم وقبائلهم وطوائفهم ومذاهبهم وحتى دياناتهم. زايد أعطى الجميع، وعلم الجميع. وأحب الجميع. فأحبوه جميعهم على اختلافاتهم. ودعوا له جميعاً بعد رحيله، بل وأورثوا حب زايد لأبنائهم وأحفادهم.



هذا هو ميراث زايد وراشد، أعظم ما تركه لنا زايد وراشد في هذه القيم وهذه الروح وهذه الأخلاق.
أكثر مما نفاخر به الناس والعالم عندما نسافر ليس ارتفاع مبانيينا، ولا اتساع شوارعنا ولا ضخامة أسواقنا بل نفاخرهم بتسامح دولة الإمارات.. نفاخرهم بأننا دولة يعيش فيها جميع البشر -على اختلافاتهم التي خلقهم الله عليها.



بمحبة حقيقية وتسامح حقيقي، يعيشون ويعملون معها لبناء مستقبل أبنائهم دون خوف من تعصب أو كراهية أو تمييز عنصري أو تفرقة بناء على لون أو دين أو طائفة أو عرق.




نقول ذلك وقد لاحظت في الفترة الأخيرة وخاصة في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعكر هذا التسامح التي تعيشه دولة الإمارات. نحن لا نفرق بين الناس، ولا نهين أحداً بناء على أصله أو طائفته أو دولته، ولا نرى الناس إلا سواسية كما خلقهم الله. لا فضل لأحد على غيره إلا بعمله وأخلاقه والتزامه بقانوننا ودستورنا واحترامه لدولتنا.



أصدر خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله، ووريث حكمة زايد وتسامح زايد، قانوناً لمكافحة التمييز والكراهية، وفيه من المواد الرادعة ما يصون المجتمع وما يحفظ إرث زايد لنا وللأجيال القادمة.



نحن جميعاً "عيال زايد". وعيال زايد لا يحملون اسمه وحرصه على وطنه فقط، بل يحملون أيضاً قيمه وأخلاقه وسعة صدره وتسامحه وحبه للناس.



أورث زايد هذه الأخلاق لشعب الإمارات ولا أستغرب عندما وجه أخي محمد بن زايد بإضافة مادة التربية الأخلاقية في مدارسنا، لأنه يريد أن يرى أخلاق زايد والقيم التي أنشأه عليها في جميع أبناء وبنات الإمارات.


أصدر خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله، ووريث حكمة زايد وتسامح زايد قانوناً لمكافحة التمييز والكراهية، وفيه من المواد الرادعة ما يصون المجتمع وما يحفظ إرت زايد لنا وللأجيال القادمة.



                وكانت توجيهاتنا لوزيرة التسامح واضحة بمتابعة تنفيذ هذا القانون وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا نريد إثارة نعرات طائفية أو عنصرية أو مذهبية في مجتمعنا. ولا نريد خلق فتن بين الناس ولا نريد أي تمييز بناء على لون أو طائفة أو أصل، توجه الوزيرة بمتابعة تطبيق القانون، ولا حصانة لأحد، صغير أو كبير، موظف أو مسؤول لأن مصلحتنا جميعاً هي أن نحافظ على سمعة دولتنا، مصلحتنا في ترسيخ مجتمع متسامح مترابط متلاحم. مصلحتنا جميعاً في حماية إرث زايد.. مصلحتنا جميعاً حماية الإمارات، وأهم مكتسبات الإمارات هي قيمها وأخلاقها وقيادتها التي يحترمنا العالم من أجلها، والتي تريد أن تنقلها للأجيال القادمة بإذن اظه.



** من مقال كتبته احتفاء بيوم التسامح العالمي وأحببت أن أضعه في هذا الكتاب لتستمر الفائدة.

(زايد أعطى الجميع، وعلم الجميع، وأحب الجميع،  فأحبوه جميعهم على اختلافاتهم، ودعوا له جميعاً بعد رحيله).

(أهم مكتسبات الإمارات قيمها وأخلاقها ومبادئها التي يحترمنا العالم من أجلها، والتي نريد أن ننقلها للأجيال القادمة بإذن الله).

20. الأسرة الإيجابية


قد يتعجب البعض من كتابتي عن الأسرة في كتاب يتعلق بالدروس القيادية التي يمكن أن نتعلمها من مفهوم الإيجابية. ولكن إن قررت أن تقود أمة ناجحة فابدأ بأول لبنة، ابدأ بالأسرة ولأكون دقيقاً أكثر ابدأ بالأم. لا يمكن تخيل أمة ناجحة من دون أمهات مثابرات، ولا يمكنني تخيل قادة عظماء من دون أمهات عظيمات، ولا يمكن أن يكتمل البنيان وأن يرتفع الإنسان في أي أمة من دون أسر متماسكة متحابة مترابطة.



ما زلت أذكر بداية شغفي بالخيول حين كنت صغيراً وبداية العلاقة بيني وبينها التي أوصلتني لأن أصبح من أكبر ملاكها وأكثرهم فوزاً بسباقاتها.



البداية كانت حبي لفرس كانت تملكها العائلة، لاحظت أمي أنني كنت أرجع من مدرستي جائعاً رغم أنها كانت تصنع لي وجبتي كل صباح وعندما واجهتني أخبرتها بأنني أتقاسم الوجبة مع فرسي، نصفها لي والنصف الآخر لها.



لم تعاتبني أمي ولم تلمني أبداً بل ابتسمت وباتت تصنع لي وجبتين كل يوم، واحدة لي وأخرى للفرس، ووصلتني رسالتها بأن الخيل تستحق أن نتقاسم معها وجبتنا وطعامنا ووقتنا وأيضاً حيناً، ولو كانت أمي لامتني وعنفتني يومها وأنا صغير، لا أعرف كيف سيكون الدرس الذي أتعلمه منها. ولكن ما أعرفه أنني أذكر ذلك الموقف بمحبة حتى يومنا هذا.



الأم هي المدرسة الأولى والدرس الأول وهي الحب الأول أيضاً، لا توجد وظيفة في الكون أعظم من وظيفة الأم ولا توجد إنجازات أعظم من إنجازات الأمهات في صناعة القادة الناجحين والمخترعين. العظماء والرجال المبدعين، بعض المشاريع تستمر أشهراً أو سنة أو سنتين ولكن مشاريع الأمهات يستمر كل واحد منها العمر كله، وتستمر الأمهات بكل إخلاص وتفانٍ في مشاريعهن رغم عدم ضمان النتيجة.



تستمر الأم لأن ما يقودها ليست رابطة الدم فقط بل رابطة الحب، وليس عقد عمل بل قلب عقد على الرحمة والمحبة والحنان الذي لا ينتظر مقابلاً.




تستطيع الأم أن تعرف أي إنسان سيكون ابنها بعد عشرين عاماً من تصرفاته وسلوكه وهو صغير، وتستطيع أيضاً أن تغير ذلك السلوك لتغير الإنسان الذي سيخرج للمجتمع بعد عشرين عاماً، هل رأيتم وظيفة أعظم من هذه؟ عندما نربي اليوم أولادنا نكتشف حجم الجهود الجبارة التي بذلتها أمهاتنا.
ما زلت أذكر وأنا صغير أمي وهي تحاسبني كثيراً على عدم اكتمال وضوئي للصلاة، والتأكد من وصول الماء للمرفقين، ومن غسل رجلي حتى الكعبين، ومن وصول الماء إلى وجهي حتى حدود الأذنيين، فكان ذلك سبباً لاهتمامي بصلاتي ومحافظتي عليها حتى اليوم.




الأم تعطي بلا حدود وتحب بلا مقابل، وتصبر بلا نهاية. في القرآن تأتي الوصية بالوالدين بعد عبادة الخالق مباشرة ويأتي ذكرهما أيضاً مقروناً بشكر الخالق، أي عظمة وقداسة للأسرة أكبر من ذلك!
جاءتني قبل فترة إحدى الأمهات تشتكي عقوق ولدها، وأنه طردها من بيتها بعد أن ربته صغيراً يتيماً. لم أتحمل ما حل بها من ظلم فطلبت من يأتي بابنها فوراً ليعاقب على فعلته، وليكون عبرة لغيره، فلما رأت غضبي وسمعت أمري، تحرك قلبها ورفضت مشاعرها على ابنها وطلبت مني العفو عنه ومسامحته، وهكذا هو قلب الأم، تحركت مشاعري يومهفكتبت هذه القصيدة:


جت تشتكي لي من ولدها حزينة
مجروحة الخاطر ظلمها ولدها
كانت تظن أنه لديه الضنينة
ياللي تحسبه قطعة من جسدها
وعادت عقب جرح الأماني طعينة
بجروح ما تحصي الليالي عددها
تقول ربيته وكنت الأمينة
من عقب أبوه اللي المنية وردها
يتيم ما له معين يعينه
طفل ونفسه توها في مهدها
خدمت في بيوت العرب لأجل عينه
يا ليت توفيني الليالي عهدها
شب وكبر يوم الوعد طاب حينه
وكل عين لا بد أترجا وعددها
توقفت ودموعها مستكينة
تجري بحسرات تزايد كمدها
واسمع لها صوت تزايد حنينه
يوم إنه من بيته تمادى وطردها
ثارت بنفسي بعد صمت وسكينة
روح لوقع الضيم يطول سهدها
حقك ولو عند الأسد في عرينه
لازم أرده ولا أبالي بأسددها
وناديت للي يسحبه من يدينه
وأنا سند للي ضعاف سندها
وقطع حديثي صوتها مستعينة
وشيه تساوي وعاذلتني وحدها
أمه أنا يا سيدي لا تدينه
والأم ما تجسى على فلذة كبدها
يا كبر قلب الأم ما به ضغينة
عفت بقدره وسمحت من جحدها



الأسرة الإيجابية المتحابة المترابطة أساس استقرار وسلامة وتطور المجتمعات، الأسرة هي رمز لتتابع الأجيال واتصال الماضي بالحاضر، والحاضر بالمستقبل، الأسرة هي الجسر الذي يربطنا جميعاً برباط الأخوة الإنسانية وصولاً لأبينا جميعاً آدم عليه السلام.




الأمة الإيجابية في النهاية أسرة واحدة تفرح لفرح أبنائها وتحزن لحزنهم وتتألم لألمهم وتشاركهم إنجازاتهم ويدافع كل فرد فيها عن كل شبر فيها كأنه كل ترابها.



الأسرة الإيجابية لا يخذل أفرا،دها بعضهم بعضاً ولا يتركون بينهم محتاجاً أو محروماً، وكذلك هي أيضاً الأمة الإيجابية.
الفقير غني بعائلته، والصغير كبير بعائلته، والضعيف قوي بعائلته، وكذالك الوطن الذي يجمعنا، نحن فيه أسرة واحدة تجعلنا جميعاً أقوى وأغنى وأكبر وأسعد.



الأسرة الإيجابية تقويك، تدعمك تواسيك، ترفعك وتعطي الحياة معنى أوسع وأجمل بعيداً عن الأنانية. لا أحد منا يختار أسرته، بل يختارها لنا الله. إنها نعمة من عنده.


ونحمد الله أنا في دولة الإمارات لدينا الأسر الكبيرة الممتدة التي يجتمع أفرادها بشكل عام ويتعاونون ويتعاضدون وحتى في سياساتنا الحكومية في الإسكان وغيره تعمل أيضاً على التأكيد على أهمية أن تسكن الأسر قريباً من بعضها لأنها المكون الأول، متعاضد ومتماسك ومتحاب.



إن التطور الذي يمر به مجتمعنا والحياة المرفهة التي تعيشها أجيالنا نعمة من الله. ولكن إذا تسبب ذلك في تفكك أسرنا وضعف التواصل بين أبنائنا، تحولت النعمة عند البعض إلى نقمة.




يزعجني كثيراً أن نسمع أحياناً عن بعض الأسر المتفككة أو نسمع أحياناً عن آباء وأمهات أهملوا أسرهم.
الأسرة الإيجابية تقويك تدعمك، تواسيك ترفعك، وتعطي الحياة معنى أوسع وأجمل بعيداً عن الأنانية وأقول للأب المشغول الأسرة أولاً وقبل كل شيء لأنها كل شيء، أموال الدنيا لا يمكن أن تشتري حنان الأبوين أو محبة الأبناء أو دفء الأسرة أو وجودك مع أبنائك، البعض يهتم ببناء بيته أكثر من بناء أسرته، ويستثمر في موظفيه أكثر من استثماره في أبنائه، البعض يحتاج فعلاً لإعادة جدولة استثمارات حياته بشكل أفضل وأجدى.



أقول للأم أيضاً إن أعظم وسام فخر ممكن أن تحصل عليه المرأة هو نجاحها في تربية أبنائها. وللأسف سمعنا من بعض النساء اللواتي يتنازلن عن هذا الوسام العظيم للخدم.



كل أب وأم سيحصدان خيراً أو سيدفعان ثمناً نظير مثابرتهما أو إهمالهما في تربية أبنائهما.




                الأسرة الإيجابية مؤسسة متكاملة، كل فرد فيها له دور، هي مؤسسة تحتاج لرعاية ومتابعة وتجدد، واهتمام مستمر من قائدها، الفرق الوحيد بينها وبين المؤسسة التقليدية أنها دائمة مستمرة ومربوطة برباط من الله عز وجل.




                أبناؤنا هم انعكاس لنظرتنا لهم، انظر إليهم نظرة إيجابية واغرس فيهم أنهم قادرون على النجاح وتحقيق المستحيل، وستحصد خيراً أو ازرع فيهم أنهم خلقوا فاشلين لا يصلحون لشيء وستحصد ذلك أيضاً. القرار يعود للآباء والأمهات ولنظرتهم الإيجابية أو السلبية. ليس هناك  أجمل ولا أنبل ولا أرقى من زوجين متحابين يكرسان حياتهما من أجل تكوين أسرة ناجحة، إن أعظم لحظات الإنسان هي حين ولادته، وحين لقائه شريك حياته، وحين قدوم أول طفل في حياته.



الأسرة الإيجابية حضن دافئ للصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ وللطالب حتى يتفوق، وللشاب حتى يحقق ذاته، وللشيبة الكبير حين تقعده الأيام. الأسرة الإيجابية هي التي لا تجمعها رابطة الدم بل رابطة الحب.

(الفقير غني بعائلته، والصغير كبير بعائلته، والضعيف قوي بعائلته، وكذلك الوطن الذي يجمعنا، نحن فيه أسرة واحدة).

21. تجديد الإيجابية..

تجديد الطاقة


كيف تجدد طاقتك؟ كيف تبقى نشيطاً دائماً بهذا الشكل؟ ألا تتعب من كثرة الاجتماعات والمتابعات والزيارات والاستقبالات في اليوم نفسه؟ كيف تستطيع أن تقطع 1860 كيلومتراً على ظهر خيلك ثم تتابع عملك، واجتماعاتك ولقاءاتك لبقية اليوم حتى المساء؟


تتكرر علي هذه الأسئلة بين وقت وآخر، فأبتسم وأحياناً أضحك من مبالغة الناس في تصور النشاط والطاقة الذين أمتلكهما، لأنني لا أعتقد أن لي طاقة خاصة أو نشاطاً زائداً عن بقية الناس، بل مشاغل أكثر ومسؤوليات أكبر.



وبصراحة لا أجد وقتاً لممارسة الكثير من الأنشطة التي يمكن أن تجدد الطاقة، ولكني أعتقد بأن حرصي على شيئين في حياتي يعطيني باستمرار طاقة وراحة وتجدداً في النشاط.



الشيء الأول الصلاة. أكثر ما يجدد طاقتي بشكل يومي هو الصلاة خمس مرات في اليوم، تتواصل النفس مع خالقها والروح مع بارئها يستسلم الإنسان لربه، ويسلم له حوله وقوته، ويلجأ فيها لملك الملوك وصاحب الجبروت، فكيف لا ترتاح النفس بعد هذا التواصل؟



لا أؤخر صلاتي بل أصليها في وقتها، حيثما كنت في مكتبي، في سفري، خلال ممارسة هواياتي، بعد اجتماعاتي الرسمية. قدر استطاعتي لا أؤخر الصلاة
                الصلاة فهي الصلة بيني وبين ربي، وخالقي فاطر السماوات والأرض.


الصلاة تجدد طاقتك وتسمو بروحك، وتشرح قلبك، وتنير صدرك، وتستعين بها على جميع ما يواجهك. يقول سبحانه: "استعينوا بالصبر والصلاة". فكيف لا أرتاح بعد الصلاة وكيف لا تتجدد طاقتي؟ بل حتى الوضوء يريح اليدين والنفس ويجدد الطاقة، فسبحان الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.



في الصلاة تنقطع عن الدنيا ومشاغلها بشكل مؤقت، ما يعيد للنفس توازنها وللروح صفاءها، ويرسخ إيماننا بخالقنا وثقتنا به وتوكلنا عليه في كل أمورنا. فكيف لا نرتاح بعد كل صلاة؟


الشيء الثاني الذي أداوم عليه بشكل مستمر أيضاً، وأعتقد أن له دوراً كبيراً في شحذ الهمة والعزيمة وتجديد الطاقة، هو التأمل. أمشي بشكل يومي ما يقارب 10 كيلومترات وحدي في الصحراء وأستغل هذا الوقت في التأمل، وبالمناسبة، التأمل رياضة روحية وذهنية لا يستغني عنها أي قائد، التأمل أثناء المشي له تأثير كبير في تحفيز الأفكار وتوليد الإبداع، ومراجعة النفس.



ولعل التأمل والتفكير ليس بغريب علينا حيث إنه جزء من ثقافتنا ومن ديننا. أمرنا القرآن بالتفكر والتدبر والتبصر والتذكر والنظر في ملكوت السماوات والأرض، وكل ذلك لحكمة عظيمة، تعرف من خلالها هذا الكون وعظمة خالقه، ونتفكر أيضاً في أنفسنا وأعمالنا وقراراتنا ونظرتنا للحياة، فتتوازن النفس، ويستقيم الفهم، وترتفع الهمة، وتتقوى العزيمة.



أمرنا ربنا في التفكر بالكون وآياته ومخلوقاته، حتى في الإبل، قال عز وجل: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"، والتفكر عبادة وراحة وطريق للعمل وشحذ الهمة، وهو أيضاً مصدر إلهام شعري لي بشكل خاص، حيث تأتي أغلب الأفكار الشعرية الجميلة أثناء ممارسة التأمل في الصحراء.



النقطة المهمة هنا التي أريد أن أؤكد عليها هي العلاقة المباشرة والمتلازمة بين الإيجابية والتأمل. الإيجابية في النهاية، وكما عرفناها في هذا الكتاب، هي فكرة أو مجموعة من الأفكار؛ هي تغيير الزاوية التي ننظر من خلالها للكثير من الأمور حولنا، وأيضاً للناس الذين حولنا،  وللأحداث التي تفاجئنا والتحديات التي نمر بها، لا بد أن يكون لدينا الوقت اللازم للتأمل والتفكر، وتغيير زوايا تفكيرنا في هذه الأمور جميعها لنكون إيجابيين.


الجميع يحتاج لوقت يختلي فيه بنفسه لينقي عقله من الأفكار السلبية، ويزرع فيه أفكاراً إيجابية، وإلا سيطرت عليه أفكار من حوله، وكان قد سلم عقله وفكره لغيره يزرع فيه ما يشاء من الأفكار، وهنا تأتي أهمية استقطاع وقت من الجدول اليومي للتفكر والتأمل في كل ما تراه حوولك، وما يدور أيضاً في نفسك، التأمل هو الوسيلة الوحيدة لاتصال الإنسان بدواخل نفسه.



التأمل يقود للفهم، والفهم يقود للحكمة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. من تجربتي رأيت أن التأمل يعطي الأشياء حجمها الطبيعي، ويعطي الأفكار وزنها الحقيقي، ويفتح العقل على آفاق ومساحات أكثر وأكبر وأغنى وأجمل.




يحتاج كل قائد ناجح لمساحة يومية من التفكر والخلوة مع النفس، لأنهما يوضحان لك الحقائق كما هي، من غير بهرجة أو هالات زائفة، حقيقة نفسك، حقيقة ما حولك ومن حولك، حقيقة العالم الذي نعيش فيه. كل شيء في حجمه ومكانه الصحيح، فتتوازن النفس، وتتعمق البصيرة وتزداد رؤيتك وضوحاً، وتسمو نفسك، وترتفع همتك،  وتتجدد طاقاتك.




هذه تجربتي الشخصية مع الصلاة والتأمل في تجديد الطاقة وترسيخ إيجابيتي في الحياة. لست خبيراً في هذه المجالات، ولعل هناك من المتخصصين الذين لديهم تقنيات وأساليب أخرى في هذه الجوانب، ولكنها خبرة شخصية أحببت نقلها لمن يكرر سؤاله علي، كيف تجدد طاقتك؟

(في الصلاة تنقطع عن الدنيا ومشاغلها، ما يعيد للنفس توازنها، وللروح صفاءها).

22. الروح الرياضية

 الإيجابية


لا أعتقد أنني يمكن أن أنجز كتاباً أو أحضر لقاء أو أقضي إجازة مع أصدقاء دون الحديث عن الرياضة والخوض فيها. ولعل هذا الكتاب فرصة للحديث بشكل عام عن نظرتنا للرياضة، وهل يمكن تطبيق الإيجابية في مجال الرياضة؟



الإيجابية، كما عرفناها في بداية هذا الكتاب، هي نظرتنا للأمور حولنا، هي النظارات التي نضعها فوق أعيننا لنرى بها العالم ونرى بها الأحداث، ونفسر بها الوقائع ونتعامل من خلالها مع الظروف من حولنا. بالنسبة للرياضي ليس هناك دافع أقوى له من فكرة يؤمن بها ويرى العالم من خلالها.





قوة الفكرة التي يؤمن بها الرياضي تنسيه الكثير من آلام التدريب، وصعوبات المنافسة، وحتى إصابات الميدان. ولعلي أبدأ هذا الفصل بقصة حدثت لي خلال إحدى بطولات سباقات القدرة العالمية التي شاركت فيها في إيطاليا. وسباقات القدرة تكون في العادة لمسافات طويلة تصل إلى 160 كيلومتراً، كانت طبيعة مسار السباق صعبة، بين صمود تلال وجبال وهبوط وديان واختراق غابات، وكنت أخفف سرعة الخيل صعوداً وأسرع بها مندفعاً في المنحدرات كسباً للوقت، وقرب نهاية السباق كانت هناك أشجار كثيفة فيها أشواك لم أنتبه لها فدخلت فيها بقوة وخرجت وقد جرحت وجهي وإحدى عيني وغطى الدم جهة كاملة من وجهي، وكان يسيل بغزارة.




رآني أحد المرافقين الذين يزودوننا بالماء وفوجئ بالدم على وجهي فأخذ يصيح وينبهني لأنزَل وأعالج عيني والجرح الذي في وجهي، وكانت عيني قد غطتها الدماء فأغمضتها وبقيت أرى بعين واحدة.



أذكر هذا الموقف لأنني ترددت لحظة في إكمال السباق، وفكرت للحظة في الانسحاب. كانت لحظة تردد واحدة وكان من الممكن أن تكلفني الكثير، ولا أقوى أو أسوأ للرياضي من فكرة يتردد فيها، لامتني نفسي على هذا التردد بشدة وغضبت من نفسي ومن الرجل الذي يريدني أن أقف، وصحت عليه من شدة الغضب، فتعجب من أمري، وهو لا يفهم لماذا أنا غاضب، كنت غاضباً من نفسي كيف ترددت لحظة؟ أنا لا أقبل على نفسي ذلك، وواصلت السباق حتى حققنا الفوز وحصلت على المركز الأول، كنت أرى الدم ولكني لم أكن أشعر بالألم لأن طاقتك الداخلية وحماستك واندفاعتك، تنسيك هذه الآلام المؤقتة لأن هدفك الأكبر هو المهم، وهذه الآلام ستنتهي ويبقى الفوز، وكانت هذه هي الفكرة التي كانت دافعاً لي للفوز.



تذكرت هذا الموقف وأنا أكتب هذا الفصل لأن الفاصل بيني وبين الفوز كان مجرد فكرة. لا تستهين بأفكارك، لأن طاقتك وعزيمتك ونجاحك وحتى صحتك ترتبط بشكل مباشر بأفكارك الإيجابية.


كيف ينظر الرياضي لنفسه ولخصمه وللفريق وللفوزا كلها أشياء تشكل فارقاً بين رياضي ناجح ومستمتع برياضته وآخر يمكن أن ينهار مع أول خسارة له. الرياضي الناجح وإن شئنا أن نسميه الرياضي الإيجابي يؤمن بأن الرياضة أسلوب حياة تأثيرها الداخلي في نفوسنا أهم من تأثيرها الخارجي بكثير.




                الرياضة تعلمنا الإصرار، والعمل الجماعي، واحترام القوانين والعدالة مع خصومنا والتواضع وحتى الحب هو جزء أساسي من حياة الرياضي، إن حب الرياضة والاستمتاع بها والشغف بممارستها أكبر حتى من إحساس الفوز أو النصر المؤقت.



الرياضي الإيجابي أيضاً ينظر لفريقه بأنه الأهم ولنفسه بأنه جزء من الكل وواحد من المجموعة، وقوة كل فرد في فريقه من قوته ونجاحهم يتقدم على نجاحه. يقولون إن المهارة قد تعطيك نصراً في لعبة ولكن العمل الجماعي يعطيك بطولات. الثقة المتبادلة بين أعضاء الفريق والعمل بروح واحدة ولهدف واحد يمثلان إحدى النتائج التي نكتسبها من ممارستنا للرياضة.



الرياضي الإيجابي تكون نظرته لخصمه مختلفة، أنت تحتاج لخصمك كما يحتاج هو لك لأنه من دون خصم ليست هناك لعبة، ومن دون خصم قوي ليست هناك لذة في الفوز، لا بد أن تنظر لخصمك على أنه يحق له أيضاً أن يفوز لأنه يحمل طموحاتك وآمالك وتطلعاتك نفسها، خسارتك ليست نهاية العالم، بل بداية للتفكير بطريقة جديدة واعتماد تكتيكات جديدة لتحقيق النصر في المرة القادمة.



الرياضة في النهاية أسلوب حياة يمكن أن تحقق الكثير من الخير للمجتمع إذا نظرنا لها بطريقة إيجابية. ممارسة الرياضة اليومية للجميع لا بد أن تصبح إحدى عاداتنا الراسخة، الرياضة اليومية أو التمرين اليومي يريح النفس من التوتر ويريح الجسد من الأمراض ويعطيك قدرة على الاستمتاع بحياتك، ويعطيك أيضاً إقبالاً على العمل والإنجاز، لا أحب أن أرى شخصاً ليست له هواية أو رياضة أو شغف في الحياة، البطالة ليست فقط في الوظيفة، البطالة تبدأ من الفكر.






كما للجسد رياضة، فإن للنفس أيضاً رياضة، ورياضتها التأمل والتفكر، والدماغ له رياضة ورياضته القراءة والمطالعة، والروح لها رياضة ورياضتها العبادة والطاعة. الحياة كلها رياضة جميلة ممتعة، تجعلنا أسعد وأفضل وأجمل، استمتع بحياتك، استمتع برياضتك.

(قوة الفكرة التي يؤمن بها الرياضي تنسيه الكثير من آلام التدريب، وصعوبات المنافسة وحتى إصابات الميدان).

(الرياضة تعلمنا الإصرار والعمل الجماعي، واحترام القوانين والعدالة مع خصومنا).

(لا تستهن بأفكارك، لأن طاقتك وعزيمتك ونجاحك وحتى صحتك ترتبط بشكل مباشر بأفكارك الإيجابية).

(الرياضي الإيجابي يؤمن بأن الرياضة أسلوب حياة تأثيرها الداخلي في نفوسنا أهم من تأثيرها الخارجي بكثير).

(لا أحب أن أرى أحداً ليست له هواية أو رياضة أو شغف في الحياة، البطالة ليست فقط في الوظيفة، البطالة تبدأ من الفكر).

23. هل يمكن أن تكون

السياسة إيجابية؟


في لقاء جمعني بمجموعة من المفكرين والإعلاميين في إحدى ليالي رمضان المبارك. كنت في حوار مع أحدهم فقال لي أكثر ما يعجبني فيك أنك رجل اقتصاد أكثر منك رجل سياسة، وقائد ميداني أكثر منك صاحب أفكار فلسفية، ابتسمت وقلت له: هذا يعتمد على تعريفك للسياسة والفلسفة.



لا يمكنك أن تنجح في إدارة اقتصاد دولة دون أن تكون سياسياً بارعاً، ولا يمكن أن تكون ناجحاً في الميدان دون فكر ورؤية وفلسفة تقود عملك الميداني وتسبقه أيضاً.



ينظر الكثير من الناس للسياسة على أنها شيء سلبي تسوده الألاعيب، وتتحكم فيه المصالح، وتغيب عنه الأخلاق. ولكن يمكنني أن أقول، وبعد سنوات طويلة قضيتها كرجل دولة وتعاملت خلالها مع الآلاف من السياسيين من أنحاء العالم كافة، إنه يمكن إنجاز الكثير من الخير للشعوب إن كانت نظرتنا للسياسة نظرة إيجابية. أفكارنا حول السياسة هي ما يحكم تصرفاتنا وقراراتنا حولها. لا بد أن تتغير نظرتنا للسياسة، لأن مصير الأمم والشعوب بأيدي السياسيين.




عندما نركز على نقاط الاتفاق وليس الاختلاف تكون السياسة إيجابية، عندما نركز على ما يجمعنا وليس ما يفرقنا تكون السياسة إيجابية، عندما نركز على الأفكار والمصالح وليس على الأشخاص والطوائف والأعراق والأديان تكون السياسة إيجابية. عندما تكون مصلحة الناس متقدمة على مصلحة الأحزاب والتيارات تكون السياسة إيجابية. كل شيء يعتمد على نظرتنا وأفكارنا حول السياسة.




                يزعجني كثيراً التركيز على الأخطاء وما يفرق بين الأمم والشعوب في الكثير من وسائل الإعلام، أعرف أن الأخطاء هي التي تجعل الصحف تبيع أكثر، وهي أيضاً مصدر الرزق لكثير من المحللين السياسيين، وهي أيضاً الأداة الرئيسية لكثير من السياسيين، ولكن السياسة الإيجابية الحقيقية هي في التركيز على الإيجابيات وتعظيمها والاستفادة منها والبناء عليها لما فيه منفعة شعوبنا.




ولننظر لمثال آخر، قادة مثل زايد وراشد وكيف كانت سياستهما الإيجابية مصدراً للخير لشعبهما، وأيضاً لكثير من الشعوب حولهما. يتبنى الكثير من الساسة مبدأ فرق تسد، وتبنى زايد وراشد مبدأ وحد تقد. كان مبدأهما الوحدة دائماً محلياً وخليجياً وعربياً فأصبح زايد حكيماً للعربي وبنى راشد مدينة تقوم على المبدأ نفسه هي اليوم فخر لكل العرب. فأي المبدأين أثمر خيراً؟ وأي المبدأين بقي في سجلات التاريخ؟


ذهب زايد وراشد وبقيت أفكارهما الإيجابية في السياسة، وبقيت ذكراهما الطيبة على كل لسان. وبقيت إنجازاتهما شاهدة عليهما، وبقيت مدرستهما الفكرية في السياسة الإيجابية الحقيقية مصنعاً للقادة الذين يريدون الخير لشعوبهم، إذا نسيت فلا أنسى أبداً مقولة زايد رحمه الله، "نحن لسنا مخلدين، والمال ليس دائماً. الذي سيبقى هو الوطن فقط، وما فعلناه من أجل هذا الوطن".




                السياسة الإيجابية هي مصالح ومنافع وفق أخلاق ومبادئ. أنت تحتاج لأن تكون سياسياً ليس فقط في علاقتك مع الدول الأخرى، أنت تحتاج لأن تكون سياسياً مع شعبك، مع فريق عملك، مع أسرتك، وحتى مع أبنائك الصغار. هناك لغة الحوار والتفاهم وأرضية العيش المشترك، والمصالح المتبادلة أيضاً.





جانب آخر مهم أيضاً في السياسة، هو موضوع التواصل. يقولون إن السياسة في فن الممكن، وأقول إن السياسة هي أيضاً فن التواصل. إذا فهمت الشعوب بعضها، وفهمت ثقافاتها وفهمت احتياجات بعضها، استطاعت أن تتبادل المصالح والمنافع في جو من الثقة، وفي بيئة يسودها الاستقرار.


لا أريد أن أُتهم بأني غير واقعي، أنا أعرف أنه لن تكون هناك نهاية للمنافسة بين الأمم والشعوب لأن سنة الحياة هي التدافع بين البشر، ولا يمكن أن يتفق جميع الناس أيضاً، لأن سنة الحياة الاختلاف بين البشر. هكذا خلقهم الله، ولكن يمكن الاتفاق على لغة حوار، ويمكن الاتفاق على مصالح، وحتماً يمكن الاتفاق على طريقة العيش المشترك، لأن الله لم يخلقنا وحوشاً، بل خلقنا بشراً.

(يتبنى الكثير من الساسة مبدأ فرق تسد، وتبنى زايد وراشد مبدأ وحد تقد. فأصبح زايد حكيماً للعرب، وبنى راشد مدينة هي اليوم فخر لكل العرب).

(السياسة الإيجابية هي مصالح ومنافع وفق أخلاق ومبادئ).

(لا بد أن تتغير نظرتنا للسياسة، لأن مصير الأمم والشعوب بأيدي السياسيين).

24. وزراء للتسامح والسعادة والمستقبل، لماذا؟


كثير من الأسئلة والتعليقات والمكالمات تلقيتها حول التغيير الهيكلي الحكومي الأكبر الذي أجريناه في دولة الإمارات والذي تم على أثره تعيين وزراء السعادة والتسامح والمستقبل ووزيرة الشباب بعمر ال22. البعض تناول التغييرات بالإعجاب وهم كثيرون، وآخرون بالاستغراب، وفريق ثالث قارن التغييرات ببناء أطول برج وأكبر جزيرة وكان التغييرات جزء من حملة دعاية تقوم بها دولة الإمارات.



ولعلي أوجه خطابي اليوم للفريقين الأخيرين، لأشرح لهما بشكل مختصر لماذا غيرنا؟
نحن غيّرنا لأننا تعلمنا الكثير خلال السنوات الخمس الأخيرة، تعلمنا من أحداث المنطقة حولنا، وتعلمنا من دروس التاريخ وتعلمنا أيضاً من جهود كثيرة بدأناها لاستشراف المستقبل.


علمتنا منطقتنا، وعبر أحداث رهيبة مرت بها في السنوات الأخيرة بأن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب الذين يمتلكون أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية فءهو سباحة عكس التيار، وبداية النهاية للتنمية والاستقرار.
علمتنا منطقتنا بأن الحكومات التي أدارت ظهرها للشياب، وسدت الأبواب أمامهم إنما سدت أبواب الأمل لشعوب كاملة. نحن لا ننسى أن بداية التوترات في المنطقة وما يسمى للأسف الربيع العربي، إنما كانت لأسباب تتعلق بتوفير فرص للشباب وبيئة يستطيعون من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.



نحن دولة شابة ونفخر بذلك ونفخر أيضاً بشبابنا ونستثمرر فيهم، ونمكن لهم في وطنهم. وعينا وزيرة شابة من عمرهم، وأنشأنا مجلساً خاصاً لهم، ونؤمن بأنهم أسرع منا في التعلم والتطور والمعرفة لامتلاكهم أدوات لم نمتلكها عندما كنا في أعمارهم ونعتقد جازمين بأنهم هم الذين سيصلون بدولتنا لمراحل جديدة من النمو والتطور.



علمتنا السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط "الجديد" بأننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكراً وقيماً وتعليماً وسلوكاً، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات. نعم، تعلمنا ذلك من مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين والمنكوبين الذين رأيناهم في آخر خمس سنوات في هذه المنطقة بسبب التعصب والكراهية وعدم التسامح الطائفي والفكري والثقافي والديني.
لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز بين أي شخص يقيم عليها أو يكون مواطناً فيها، لذلك عيّنا وزيراً للتسامح.



عندما كانت المنطقة في أزهى عصورها متسامحة مع الآخر ومتقبلة للآخر، سادت وقادت العالم، من بغداد إلى دمشق فالأندلس وغيرها. كنا منارات التعلم والمعرفة والحضارة لأننا كنا نستند إلى قيم حقيقية تحكم علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولنا حتى عندما خرج أجدادنا من الأندلس خرج معهم اليهود ليعيشوا بينهم لأنهم يعرفون تسامحنا.




نعم، تعلمنا من التاريخ أهمية التسامح، ولكن جاءت الأحداث الأخيرة في منطقتنا لتؤكد لنا أنه لا مستقبل لهذه المنطقة بدون إعادة إعمار فكري ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً.
التسامح ليس فقط كلمة نتغنى بها، بل لا بد أن تكون لها مؤشرات ودراسات وسياسات، وترسيخ سلوكي في مجتمعنا لنصون مستقبله ونحافظ على مكتسبات حاضره.




نحن دولة تتعلم كل يوم ومع كل درس نتعلمه لا بد أن نأخذ قرارات نطور بها مستقبلنا، وبالحديث عن المستقبل ولماذا غيرنا اسم إحدى الوزارات لتكون أيضاً وزارة المستقبل، أقول لأننا نتعلم أيضاً من المستقبل وليس فقط من التاريخ.



بذلنا جهوداً كبيرة في السنوات الأخيرة لاستشراف المستقبل، ولدينا خطط كبيرة وسياسات وطنية علمية وتقنية تتجاوز قيمتها ال300 مليار درهم استعداداً لاقتصاد المستقبل، اقتصاد لا يجعل أجيالنا رهينة لتقلبات أسواق النفط ومضارباتها وعرضها وطلبها.



لا بد لحكوماتنا أن تفكر بما بعد اقتصاد النفط من اليوم، لا بد من إعادة النظر في المنظومة التشريعية والإدارية والاقتصادية بشكل كامل للابتعاد عن الاقتصادات المعتمدة على النفط لا بد من وضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء اقتصادات مستدامة لأبنائنا ولأبناء أبنائنا
نعم نحن مغرمون بالمستقبل وبما يحمله المستقبل، يحمل تغييرات عظيمة في الصحة وطرق التعليم وفي إدارة مدن المستقبل وفي الخدمات الذكية وفي التنقل المستقبلي وفي الطاقة المتجددة وفي الفضاء، ونحن وضعنا رهاننا في موجة التغييرات القادمة، واستثمرنا في أبنائنا، وتجربتنا مفتوحة للجميع للاستفادة منها.


لا أكتب ذلك تفاخراً أو إعجاباً بأية إنجازات، بل أكتبه لأرسل رسالة للمنطقة من حولنا بأنه بيدنا لا بيد غيرنا يأتي التغيير، منطقتنا ليست بحاجة لقوى عظمى خارجية لإيقاف انحدارها، بل لقوى عظمى  د

اخلية تستطيع التغلب على موجة الكراهية والتعصب التي تضرب نواحي الحياة في الكثير من دول المنطقة.
أكتبه لأرسل رسالة بأنه لا بد للحكومات بأن تراجع دورها، دور الحكومات هو خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها إطلاق إمكاناتهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم وقواتهم. ووظيفة الحكومات خلق البيئة التي يستطيع الناس أن يحققوا فيها سعادتهم. نعم وظيفة الحكومات هي تحقيق السعادة.

هذه هي الأسباب التي دفعتنا لإجراء ذلك التغيير الحكومي، وسنستمر في التغيير متى تعلمنا دروساً جديدة، لأن هدفنا هو خير الناس ومنفعتهم. هذا هو الثابت علينا وما سواه متغير.


(التسامح ليس فقط كلمة نتغنى بها، بل لا بد أن تكون لها مؤشرات ودراسات وسياسات. وترسيخ سلوكي في مجتمعنا لنصون مستقبله ونحافظ على مكتسباته حاضرة).


(وظيفة الحكومات خلق البيئة التي يستطيع الناس أن يحققوا فيها سعادتهم، نعم وظيفة الحكومات هي تحقيق السعادة).
----------
تم بحمد الله.



تعليقات