القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

14. هادم المعنويات - تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم






14. هادم المعنويات


قبل فترة كنت في زيارة لإحدى المؤسسات الحكومية للاطلاع على بعض المشاريع واعتماد خططها التطويرية الجديدة، وأثناء خروجي صافحت بعض الموظفين وتحدثت معهم، ثم توجهت لسيارتي فلحقت بي إحدى الموظفات وسلمتني رسالة في يدي، فشكرتها ووعدتها بقراءتها، فتحت الرسالة بعد تحرك السيارة فإذا هي شكوى مكتوبة بخط اليد باستعجال، ورغم وجود أنظمة معتمدة للشكاوى عندنا في الحكومة تقوم عليها جهات محايدة إلا أن هذه الموظفة فضلت أن تكتب لي شكواها غير الاعتيادية في هذه الرسالة.


لم تكن شكوى الموظفة حول حق لم تأخذه، أو حول ظلم تعرضت له، أو حول مضايقات أو مخالفات أو أي شيء يمكنني اتخاذ قرار سريع فيه. كانت شكواها حول المعنويات، حول القوانين غير المكتوبة، والممارسات غير المرسومة، لم تكن شكواها حول اللوائح المعتمدة في بيئة العمل، بل حول روح هذه اللوائح والهدف الذي وضعت من أجله، وهنا تكمن صعوبة اتخاذ قرارات تحسينية أو تطويرية من قبل سلطات حكومية أعلى. لا يمكن إصدار توجيهات مباشرة لعلاج الكثير من الخلل الذي يمكن أن يحدث في بيئة العمل، لأن هذا الخلل ببساطة لا يشكل مخالفة قانونية.



أكبر نجاح لأي قائد ليست صناعة الإنجازات، بل صناعة الإنسان.


                تحدثت الموظفة عن مديرها المباشر الذي لا يعطيها فرصة لإبراز طاقاتها. وتحدثت عن رفضه للكثير من المقترحات التي تقدمها، وعن تركيزه الدائم على أخطاء فريقه وتحميلهم اللوم بشكل مستمر. وتحدثت عن قناعتها بأن نموها الوظيفي والمهاري توقف في الإدارة التي تعمل فيها، وعن تفضيل المدير لمن ينقل إليه أخبار الموظفين، وأن معنوياتها في هذا المكان وصلت لأقل مستوياتها، وبشكل عام قالت إنها لا تحب مديرها!


ماذا يمكن أن تفعل لتعاقب مديراً غير محبوبا قانونياً؟ لا شيء، خاصة إذا كان هذا المدير يؤدي واجبه ومهامه بالشكل المطلوب منهلا توجد في قوانيننا أو لوائحنا عقوبة لهدم معنويات فريق العمل. لا توجد سياسة إرشادية للتعامل مع المدير "هادم المعنويات"، وقاتل الطموحات، ومهدر الطاقات، ولعلها فرصة هنا للحديث حول هذا الموضوع المهم.


                لعلي أستغل هذا الكتاب لإيصال بعض الرسائل التي لا يمكننا إيصالها بالطرق الرسمية أو تغيير بعض السلوكيات التي لا يمكن أن تغيرها اللوائح التنفيذية. أنا أؤمن أن التغيير بالإقناع والحجة والبرهان أكبر تأثيراً وأعمق أثراً من التوجيهات الرسمية والمخاطبات الجافة. هدفي في هذا الكتاب تغيير نظرتنا لكثير من الأمور التي نعايشها بشكل يومي لتكون نظرة إيجابية تسهم في خلق بيئة أفضل ومجتمع أفضل ومستقبل أفضل.


 أولاً، أهم سنة في الحياة هي سنة التطور والتغيير. الحياة خلقت لتتطور، والإنسان خلق لينمو ويكبر ويتطور. عندما نحد من فرص النمو والتطور لموظفينا فنحن نعاكس هذا القانون الكوني المهم. أهم ما يبحث عنه الإنسان في الحياة بعد احتياجاته الأساسية هو فرصة للنمو والتطور وأن تكون له قيمة حقيقية، فلا تحرم موظفيك من هذا الشيء، هل يمكنك أن تتخيل غابة لا تنمو أشجارها أو بستاناً لا تنمو أزهاره؟ كذلك لا يمكن أن توجد مؤسسة قوية لا ينمو أفرادها. نجاحها سيكون مؤقتاً، ونتائجها ستكون على المدى القريب فقط.


إذا أردت أن تنمو كقائد لمؤسسة خرّج قادة آخرين، واعلم أن أكبر إنجاز لأي قائد ليس صناعة الإنجازات، بل صناعة الإنسان. لذلك تجد في كل خطابات مؤسسي دولتنا، رحمهم الله، أن أهم أولوياتهم كانت بناء الإنسان، وانظر اليوم بنفسلك إلى نتائج عملهم.


امنح موظفيك مساحة للنمو، ووفر لهم بيئة تساعدهم على التطور، واغرس فيهم الثقة بقدراتهم وإمكاناتهم، وامنحهم المجال لاختبار أفكارهم ومبادراتهم.


ثانياً الفاسد والمدير الإيجابي هو الذي ينظر إلى جوانب التميز في موظفيه ويحاول تعزيزها وتعظيمها، وليس العكس بأن يعظم الأخطاء والسلبيات، لا يوجد موظف كامل، ولكن يوجد موظف متميز بنسبة 60- 70%، ووظيفتنا أن نرفع هذه النسبة، لا أن نركز على الأخطاء والجوانب السلبية التي قد لا تتعدى نسبتها 10، وبالتالي تزعزع ثقة الموظفين بأنفسهم.


أنا أعرف أن هنالك بعض الناس المتخصصين في نقل الأخبار السيئة والسلبية عن الموظفين للمدير، وشحنه عليهم، وتسميم الأجواء، هذا الفعل يهدم ولا يبني وهؤلاء هم النمامون الذين يعيشون على حساب هدم الآخرين دون أن يقدموا شيئاً جديداً وإنجازاً جديداً أو فكراً جديداً.


أحياناً تصلني أخبار أو شكاوى على بعض المسؤولين، وأنا أعرف فريق عملي حق المعرفة. تحقق في الموضوع. إذا لم يكن هناك سوء نية أو مخالفات قانونية، فكلنا نعمل ولا بد من أن نخطئ. وأكثر ما يهمنا هو الإخلاص في العمل والنية الطيبة.


ثالثاً أريد أن أقول لجميع المديرين والمسؤولين عامل موظفيك كما تحب أن يكونوا مع متعامليك أو أحب لموظفيك ما تحب لمتعامليك. إن أردت منهم الابتسامة للمتعاملين فلا بد أن تبدأ معهم يومك أيضاً. بابتسامة. لحظات الصباح الأولى أهم الأوقات بالنسبة للموظفين يمكنك أن تعطيهم دفعة معنوية كبيرة لبقية اليوم أو أن تدخل عليهم عابساً مقطباً جبينك فتتغير الطاقة في كل أرجاء المكان إلى طاقة سلبية، أثبتت الدراسات أهمية إسعاد الموظفين، حيث إن زيادة المشاعر الإيجابية لدى الموظفين بنسبة 10% تؤدي إلى ارتفاع إنتاجيتهم بمعدل 45%.


أسعد موظفيك ليسعدوا هم بدورهم المجتمع من حولهم، ارفع معنوياتهم باستمرار بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والثناء على إنجازاتهم حتى لو كانت صغيرة؛ وفاجئهم دائماً بتحديات جديدة، وتغييرات إيجابية مستمرة في مكان عملهم.


وأخيراً أقول، القائد الناجح هو الذي يستطيع أن يقود فريقه لاستكشاف مساحات جديدة وآفاق جديدة، القائد الإيجابي هو الذي ينظر لموظفيه على أنهم ثروة وقادة للغد، ولا بد أن يستثمر في هذا المستقبل، القائد الإيجابي هو الذي يستطيع أن يتحكم في الفرعون الصغير الذي بداخله، ويتواضع للناس، وينسب فضل النجاح دائماً لفريق عمله.

(هل يمكنك أن تتخيل غابة لا تنمو أشجارها؟ كذلك لا يمكن أن توجد مؤسسة قوية لا ينمو أفرادها).

(الإنسان خلق لينمو ويتطور،، عندما نحد من فرص النمو لموظفينا فنحن نعاكس هذا القانون الكوني المهم).

(القائد الإيجابي يستطيع أن يتحكم في الفرعون الصغير الذي بداخله ويتواضع للناس، وينسب النجاح لفريق عمله).

تعليقات