القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار عاجلة

15. الحكومة الإيجابية - تأملات في السعادة والإيجابية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

تأملات في السعادة والإيجابية

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم






15. الحكومة الإيجابية

سعادة للمجتمعات


في فبراير عام 2013 وبعد حديث مطول أثناء القمة الحكومية عن مواضيع مختلفة ومتنوعة، أجبنا  خلالها عن العديد من الأسئلة التي تلقيناها من الجمهور ومن الإعلاميين، التقيت أحد الدبلوماسيين الأجانب بعد القمة بأيام عدة، وكانت بداية حديثه عن الحوار المطول الذي أجريته في القمة، وعلق تحديداً على حديثي المختصر عن الإيجابية وأهميتها في تطوير العمل والإدارة الحكومية.



1             كان في الحقيقة لديه تساؤل يحيره، حيث أشار إلى أن الحكومات بشكل عام تتسم بالعملية والحيادية في أداء مهامها وتطوير سياساتها وتشريعاتها ومشاريعها التي تمر في دورات إجرائية رسمية معتمدة لا مجال فيها لدخول المشاعر مثلاً أو المفاهيم النفسية مثل الإيجابية أو التفاؤل أو غيرها، وكان يريد إيضاحاً وتفسيراً أكبر حول هذا الموضوع، أجبته وقتها لكن لأهمية ذلك التساؤل أحببت أن أفرد فصلاً في هذا الكتاب عن هذا التساؤل تحديداً لأنه قد يخطر ببال العديد من المسؤولين الحكوميين وخاصة خارج دولة الإمارات.



نقول، والله  التوفيق، بأنه لا جدال أبداً بالعمل المؤسسي، سواء حكومياً كان أم خاصاً، لا بد أن يخضع لأنظمة ولوائح وإجراءات ومشاريع لا بد أن تخضع لدراسات علمية معمقة وواقعية وعملية، وفي الحقيقة نحن نستقبل سنوياً عشرات الوفود من الكثير من الدول والمؤسسات التي تريد، ويهمها بالدرجة الأولى، الاستفادة من أدلة عمل الحكومة عندنا، بل إن تقييمنا العالمي كحكومة في مجالات التنافسية مثلاً، أو سهولة ممارسة الأعمال أو الكفاءة المالية، يعتمد في الأساس أيضاً على الإجراءات الرسمية من حيث عددها وسهولتها وسرعة إنجازها.



لا شك أيضاً في أن العمليات التشريعية التي تقوم بها الحكومة أو عمليات رسم السياسات أو الخطط بعيدة المدى، تعتمد على مراحل عملية ودراسات علمية ومسوحات ميدانية، كل هذه العمليات جزء لا يتجزأ من العمل الحكومي وشرط أساسي من شروط نجاحه، ولكنها وحدها لا تكفي، إن قوة الإدارة الحكومية لا تعتمد فقط على قوة الإجراءات والأنظمة، ونجاح أي دولة لا يعتمد فقط على القوانين والتشريعات والخطط مهما كانت قوية، بل هنالك أيضاً جانب مهم جداً وهو الجانب القيمي والنفسي والأخلاقي والمعنوي عند تعامل الحكومات مع شعوبها.



الحكومة يعمل فيها بشر، وتعمل من أجل تطوير حياة البشر، وهدفها الأساسي سعادة هؤلاء البشر، وبالتالي لا بد أن تراعي الكثير من الأمور التي تكون خارج الأدلة الإجرائية واللوائح التنفيذية.



                لا بد أن تكون لدى القادة المرونة الكافية للتعامل مع جميع المتغيرات من حولهم. ولا بد أن يتحلى القائمون على المشاريع ليس فقط بالالتزام بالإجراءات المالية والإدارية، ولكن بالكثير من الإيجابية والتفاؤل والإصرار على النجاح حتى يحققوا كفاءة عالية في مشاريعهم، وهنا يأتي دور الإيجابية في تغيير نظرتنا للكثير مما حولنا، وإعطاء بعد إنساني للكثير من قراراتنا وأعمالنا،


مثلاً، لا ترى الحكومة الإيجابية في صياغة التشريعات واقتراح القوانين هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم. لذا إذا تعارض القانون مع مصلحة الناس فإنها تغيره، وعند صياغة أو اقتراح أي سياسة أو قانون لا تنظر الحكومة الإيجابية في نصوص القانون فقط، الحكومة تنظر قبل ذلك في حياة الناس، وحياة المتأثرين بهذا القانون، هل سيسهل حياتهم؟ هل سيساعدهم على تحقيق سعادتهم؟ هل سيحل مشاكلهم؟ بعض المسؤولين عندما يبدأون في صياغة القوانين ينظرون لأفضل الممارسات، نحن نقول لهم، انظروا لما يسهل الحياة، وهنالك فرق.



خذ مثالاً آخر، تضع الحكومات الكثير من الخطط والإستراتيجيات ولكن الحكومة الإيجابية هي في تغيير نظرتنا لما حولنا، الحكومة الإيجابية لا تنظر لهذه الخطط على أنها وثائق منقوشة في الحجر، بل هي وثائق لتحسين حياة البشر، وبالتالي لا بد أن تكون مرنة وقابلة للتعديل عند تغير أحوال هؤلاء البشر وتغير ظروفهم وحياتهم ومتطلباتهم.



أطلقنا في حكومة الإمارات قبل سنوات مبادرة ضخمة لتحويل كل الخدمات الحكومية لخدمات إلكترونية، وأنشأنا جهازاً خاصاً باسم "الحكومة الإلكترونية"، وألزمنا الجهات بوضع وتنفيذ خطط لتطبيق هذا التحول بشكل كامل، لكن، وخلال فترة بسيطة تغيرت حياة الناس، وأصبحت هواتفهم الذكية نافذتهم على العالم من حولهم ومصدراً أساسياً للمعلومات ووسيلة لتحسين كفاءة أعمالهم.



رصدنا هذا التغيير في مراحله الأولى، فغيرنا خططنا على الفور، حتى قبل أن تترسخ الحكومة الإلكترونية في جميع خدماتها، وأصبحت الأولوية هي الحكومة الذكية، وطلبت من الجميع تطوير خططهم وتحويل الخدمات الحكومية لخدمات ذكية، ووضعنا معايير لذلك وخطة إستراتيجية قصيرة ومتوسطة المدى، وغيرنا الجهاز الحكومي الذي استحدثناه من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية.



قد يعتقد البعض أنه من السهل تغيير توجهات وخطط حكومية رصدت لها ميزانيات وموارد بشرية، ووضعت لها إجراءات وسياسات وقوانين، هذا الأمر ليس سهلاً، لكنه من الضروري لأية حكومة أن تكون إيجابية في ما يتعلق بدورها في تسهيل حياة الناس ،ومواكبة المتغيرات في حياتهم وقراءة المستقبل بشكل دائم لتكون هي المبادرة وهي التي تقود التغيير.



الحكومة الإيجابية دائماً تنظر للأمور من زاوية مختلفة، وتنظر للتحديات التنموية التي تواجهها أيضاً بطريقة مختلفة، تنظر للزاوية التي لا يراها أغلب الناس، تنظر للسنوات التي يمكن أن تحتضنها من أي تحدّ.
من التحديات المستمرة لدينا في دولة الإمارات توفير الطاقة للنمو الاقتصادي، فهذه مسألة مهمة جداً وتحدٍّ رئيسٍ في أي تجربة تنموية لو فكرنا بطريقة إجرائية روتينية سنتجه لشراء المزيد من النفط والغاز لتلبية احتياجاتنا، بالإضافة إلى التوسيع المستمر في شبكاتنا الكهربائية. لكن تفكيرنا انصب حول الفرص الموجودة في مثل هذا التحدي، فاتجهنا اتجاهات عدة في وقت واحد.



أولها كانت الطاقة الشمسية، فبدأنا بتشييد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في المنطقة. الآن نتجه لإنتاج الطاقة أيضاً من المخلفات. وبدأت أبو ظبي في مشاريع الطاقة النووية، وبدأت أيضاً في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وشيدت مدينة مصدر، وبدأت تزود الدول الأخرى بالمعرفة التي لديها الآن في مجال تنويع مصادر الطاقة، ووضعنا معادلة جديدة لمزيج الطاقة في دولة الإمارات حيث ستصل نسبة الطاقة النظيفة بحلول 2050 إلى 50% من إجمالي مزيج الطاقة رغم أننا نصنف بأننا دولة بترولية. هذه المعادلة الجديدة ستحقق لنا وفراً في كلفة إنتاج الطاقة يصل إلى 700 مليار درهم في 2050. وهكذا، الحكومة الإيجابية نظرتها للتحديات تكون مختلفة.



الحكومة الإيجابية أيضاً تعود فرق العمل لديها دائماً على الطموح والتفوق وكسر المألوف، شارع الشيخ زايد، أحد أهم الشوارع ليس فقط في دبي بل في الشرق الأوسط، وهو خير مثال على هذه النقطة.



كانت الخطط في بداية توسعة شارع الشيخ زايد في التسعينات أن يكون حارتين، قلنا لهم نريد ست حارات، لأننا لا نريد شارعاً، نحن نريد مَعلماً. ووصلت الرسالة فتغيرت الخطط وتغير تفكير القائمين على المشروع بشكل كامل، واليوم شارع الشيخ زايد هو عصب الإمارة وأحد أهم أشهر الشوارع غربياً وعالمياً.




جاءوني بخطط ضخمة لتوسعة مطار دبي الدولي اعتمدتها لهم وأمرت بالبدء في دراسة مشروع مطار جديد في دبي أضخم من مطار دبي الدولي، قلت لهم: نحن لا نريد مطاراً لدبي، نحن نريد أن تكون دبي مطار للعالم. ووصلت الرسالة وجاءت المخططات ضخمة تضم مطاراً هو عبارة عن مدينة تضم مئات الأبراج والمباني، ويستوعب عند اكتماله أكثر من 200 مليون مسافر.



                هكذا هي الإيجابية وتأثيراتها عندما تغير نظرة أعضاء فريق العمل للمشروع الذي بين أيديهم تتغير خططهم وأفكارهم، وتتسع مخيلتهم ويفاجئونك بإبداعاتهم الإيجابية في نظرة الحكومة وعملها لها دور كبير في تحقيق النجاح الحقيقي الذي يريده الناس، الإيجابية تعطي الحكومات منظوراً مختلفاً لأعمالها وروحاً متجددة في أدائها، وإطاراًإنسانياً يحكم جميع قراراتها.

(بعض المسؤولين عندما يبدأون في صياغة القوانين ينظرون لأفضل الممارسات، نحن نقول لهم: انظروا لما يسهل الحياة وهناك فرق).

(الخطط ليست وثائق منقوشة في الحجر، بل هي وثائق لتحسين حياة البشر). 

(عندما تتغير نظرة فريق العمل للمشروع الذي بين أيديهم تتسع مخيلتهم ويفاجئونك بإبداعاتهم).

(نحن لا نريد مطاراً لدبي، نحن نريد أن تكون دبي مطاراً للعالم).


تعليقات